زينب حفني
تعلمنا في صغرنا على مقاعد الدراسة بحصص المطالعة، أن من صفات العربي النخوة والمروءة والكرم وغيرها من الصفات السامية، وأنها تقتصر على العرب وحدهم دون شعوب الأرض كافة. ولا أدري هل خدعونا في الماضي حين حشو أدمغتنا بهذه الأوهام، أم أنها كانت موجودة بالفعل وتحوّلت إلى خبر كان نتيجة عوامل التعريّة الفكريّة التي لحقت بمجتمعاتنا في العقود الأخيرة وأصابتها في مقتل مع غيرها من المظاهر الإيجابيّة التي كانت راسخة قديماً فيها؟
الحقيقة المتوارية التي تُصرُّ الأغلبية على نفيها، أن أجيال متعاقبة تربّت على أكاذيب كبيرة! وإذا كانت مناهج التاريخ تعجُّ بآلاف المغالطات وتُصوّر أسلافنا على أنهم أقرب للملائكة منهم للبشر بأفعالهم العظيمة وتُخفي أخطاءهم عن عمد، إذن ما الضير إذا تمادت مناهجنا في تزوير الحقائق والكذب على الناس منذ نعومة أظافرهم وإقناعهم بأنهم أعظم الأمم وأنبلها وأن غيرهم لا يُؤمن بهذه القيم والمثل الإنسانيّة!
رحم الله المفكر محمد عبده الذي كان من روّاد التنوير، حين صدح بعبارته الجريئة بعد عودته من أوروبا "رأيتُ في أوروبا إسلاماً بلا مسلمين، وفي بلاد العرب رأيتُ مسلمين بلا إسلام!". ولا أعرف ماذا كان سيقول محمد عبده لو عاش في عصرنا المتسم بالعنف الدموي والتفكك الاجتماعي والتطرّف الديني، مقارنة بعصره الذي كان متسماً بالانفتاح الفكري والتسامح!
الحوادث المتفرقة التي تقع يوميّاً في أماكن متفرقة ببلداننا العربيّة تؤكّد على أننا نعيش أزمة أخلاقيّة! فأهالي جدّة ما زالوا يتذكرون الواقعة المؤلمة التي حدثت منذ شهور مضت وسُميّت وقتها بحادثة فتاة الكورنيش. كانت الفتاة التي لم تكمل أعوامها العشرين برفقة صديقات في مقهى على الكورنيش حين غادرته لتلتقط صوراً للبحر. تفاجأت وهي منهمكة في التصوير بشخص يُعاكسها، وعندما لم تستجب له قام بطعنها في كتفها وظهرها قبل أن يلوذ بالفرار.
حوادث العنف تتكرر كثيراً في كل العالم يوميّاً بطرق مختلفة، لكن المثير للاستهجان أن الفتاة تعالت صيحاتها وسط تجاهل تام من الشباب الذين شهدوا الحادثة بأم أعينهم وقاموا بتسجيلها بكاميراتهم الهاتفيّة دون أن يهب أحدهم لإنقاذها من يد هذا المجرم!
ومؤخراً وقعت حادثة مروّعة بوسط بيروت، حين أقدم شخص معروف بسجله الاجرامي، على طعن الضحية وهو زوج وأب لثلاثة أطفال، طعنات نافذة أدّت لمقتله، وسط صياح الرجل وتوسلاته للحضور أن يغيثوه دون أن يتدخل أحدهم، مكتفين بتصوير الحادثة بكاميراتهم الهاتفيّة إلى أن لفظ أنفاسه الأخيرة أمامهم! ليقوم القاتل بعدها دون أن يطرف له جفن بشرب كوب من العصير.
ماذا جرى لمجتمعاتنا؟ ماذا أصابها؟ هل أصبحت ثقافة اللامبالاة متوغلة إلى هذا الحد المقزز داخل أرضنا العربيّة؟ هل حوادث العنف أصبحت أمراً اعتياديّاً وجزء لا يتجزأ من حياتنا اليوميّة؟ هل ساهمت قنواتنا الاخباريّة بما تعرضه من مشاهد دمويّة حيّة، ومن مسلسلات وأفلام ومقاطع "اليوتيوب" تتسم بالعنف، في تعزيز ثقافة الخسة والنذالة وفي اندثار النخوة والشهامة؟ هل غدت مقولة "وأنا مالي" و"من خاف سلم" هي العرف السائد؟
هناك بالتأكيد خلل ما! وعلى مؤسساتنا التربويّة والتعليميّة أن تُعيد حساباتها وتفتح ملفات القيم والمثل من جديد على أساس صحّي وسليم. أن نملك الجرأة لتفنيد التاريخ ونشر أخطاء أسلافنا بخطوط عريضة كي يتعلّم منها الجميع حقيقة ما كان يجري وعاقبة تقليد الجرم! أن لا يكتفي الإعلام بقنواته المختلفة بنشر الظاهر السلبيّة فقط، بل وجوب تعليم الجيل الصاعد قيمة الشجاعة، والتمسّك بالحق، والوقوف بجانب المظلوم والضعيف. عندها سنُصبح مجتمعات صحيّة لا تخاف لومة لائم!
1378 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع