العربي الجديد:شهد العراق انقطاعاً شبه كامل للكهرباء باستثناء إقليم كردستان، جراء تعرّض منظومة الطاقة في البلاد للإطفاء، بسبب زيادة الأحمال وارتفاع درجات الحرارة التي وصلت في العاصمة بغداد لـ50 مئوية، الأمر الذي فاقم المشكلة، وأفضى لموجة غضب واسعة في الشارع العراقي. وتسبب إطفاء شبكة الطاقة بانقطاع التيار الكهربائي في بغداد و10 محافظات وسط وجنوب البلاد بشكل تام، فيما شهدت المحافظات الغربية انقطاعاً للكهرباء لساعات عدة، بسبب تزويدها بالطاقة من الخط التركي.
وبعد ساعات من انقطاع التيار الكهربائي، أعلنت وزارة الكهرباء العراقية تعرّض منظومة الكهرباء الوطنية للإطفاء التام، وعزت ذلك إلى ارتفاع أحمال المنظومة بمحافظتي كربلاء وبابل، ما تسبب بانفصال خطي نقل الطاقة (مسيب - بابل 400 KV). وقالت الوزارة، في بيان، إن "ارتفاع درجات الحرارة لأرقام قياسية غير مسبوقة، وتنامي الطلب على الاستهلاك، وزيادة الأحمال الكهربائية في محافظتي بابل وكربلاء التي تشهد زخماً مليونياً من الزائرين، أدى لتعرض خطوط نقل الطاقة (مسيب - بابل) إلى الانفصال".
وأوضحت أن الانفصال أدى إلى خسارة الشبكة أكثر من 6 آلاف ميغاواط بشكل مفاجئ وعرضي، مما أدى إلى تسارع معدل ترددات الوحدات التوليدية، وبالتالي انفصالها عن العمل والانطفاء التام للمنظومة. وأكدت الوزارة أن فرقها تعمل على صيانة منظومات الطاقة، وبينت أنه جرى البدء بإعادة التيار الكهربائي تدريجياً بعد حادث الانفصال الطارئ، مشيرة إلى أن استعادة الخدمة بالكامل سيتم خلال الساعات المقبلة.
ويشهد العراق منذ حرب الخليج الثانية 1991 أزمة في الطاقة الكهربائية، لكنها تزايدت في السنوات الأخيرة، نتيجة لزيادة الطلب على الكهرباء، وعجز وزارة الكهرباء عن توفير التيار إلا لساعات محدودة، تصل في أفضل الأحيان لـ 14 ساعة في اليوم، الأمر الذي دفع السكان في مختلف المدن إلى الاعتماد على محطات تجارية لتوليد الكهرباء. كما يشهد العراق بين الحين والآخر تراجعاً كبيراً في ساعات التجهيز للكهرباء الوطنية، نتيجة لتراجع إمدادات الغاز الإيراني إلى العراق، والتي تعتمد عليها محطات إنتاج الكهرباء العراقية بنسب كبيرة.
إخفاق خطير وتحرّك للمحاسبة
حمّلت لجنة الكهرباء والطاقة في البرلمان العراقي وزارة الكهرباء المسؤولية عن الانقطاع التام للطاقة الكهربائية في البلاد والذي وصفته بالإخفاق الخطير. وقال رئيس اللجنة النائب محمد نوري العبد ربه في تصريح لـ"العربي الجديد": إن "ما حصل يعد إخفاقاً خطيراً تتحمل مسؤوليته وزارة الكهرباء والجهات المقصرة في أداء واجبها"، مبيناً أن هذا الإخفاق يكشف بوضوح عن قصور في التخطيط، وضعف في إدارة المنظومة الكهربائية لا يمكن تبريره بالأعذار الفنية أو الظرفية.
وأعلن العبد ربه أن اللجنة البرلمانية باشرت بإجراءات رقابية عاجلة، تشمل استدعاء المسؤولين المباشرين لمعرفة مكامن الخلل، وكشف المتسببين، تمهيداً لإحالتهم إلى الجهات القضائية لمحاسبتهم وفق القانون، وشدد على ضرورة اتخاذ الحكومة خطوات فورية لمعالجة أسباب هذا الانقطاع الجسيم، وتقديم خطة واضحة تضمن عدم تكراره، مع الالتزام التام بإصلاح البنية التحتية لشبكة الكهرباء، وتحسين إدارتها، فيما حذر من نفاد صبر المواطنين، بسبب استمرار أزمة الكهرباء، واكتفاء الجهات الحكومية بتقديم الوعود لإصلاح الخلل دون تنفيذ.
لا حلول طوال العقد المقبل
الخبير في مجال الطاقة والاقتصاد، نبيل المرسومي، استبعد حل مشكلة الكهرباء في العراق حتى خلال السنوات العشر المقبلة، وقال المرسومي في حديث مع "العربي الجديد": إن "أزمة الكهرباء تكمن في عدم وجود الدولة الرشيدة التي يسودها القانون ويخضع لها الجميع من جهات وقوى سياسية، وهذا الأمر أدى إلى تشتت القرار في البلاد، وبالتالي ولّد أزمة في الكهرباء وغيره من المجالات". وأضاف أن "الخلل يكمن أيضاً في منظومة الإدارة الاقتصادية وإخفاقها، والفساد المالي المستشري في وزارات الدولة، ومنها وزارة الكهرباء"، مشدداً على أن تبريرات وزارة الكهرباء بشأن الأزمة الأخيرة على أنها ناتجة بسبب خلل فني غير مقنعة وغير منطقية، لأن أزمة الكهرباء تحولت إلى أزمة مركبة ومعقدة تستعصي على الحلول.
وأوضح المرسومي أن ملف كهرباء يعد من الصناعات السيادية التي تحتاج لدولة قوية، وهذا الأمر غير موجود في العراق الذي يعاني من هشاشة الدولة ورخاوتها وهيمنة المنظومة السياسية عليها، مشيراً إلى أن العالم غادر موضوع إنتاج وصناعة الكهرباء البدائية، وتحول إلى إنتاج الطاقة المتجددة والنظيفة والاعتماد عليها بديلاً للكهرباء المنتجة بالنفط والغاز، ولكن العراق لم يغادر حتى الآن مرحلة الصناعة البدائية للكهرباء، ويعاني من إنتاج الكهرباء وإدارة الطلب المتزايد عليها، والذي وصل لمعدل 15%، ما خلق فجوة في المنتج من الكهرباء والطلب المتزايد عليها.
وأكد أن استمرار مشكلة الكهرباء في العراق بات يؤثر بجميع مفاصل الحياة، ولا سيما الاقتصادية والاستثمارية، لافتاً إلى أن الفرص الاستثمارية تحاول عدم الاقتراب من العراق، بسبب هذه الأزمة التي ترفع من الكلف المادية عليها، بنسبة تزيد عن 5% من قيمة المشاريع. ولفت المرسومي إلى أن التوجه الأميركي لتثبيت العقوبات على إيران في مجال الطاقة وحرمان العراق من الغاز والكهرباء الإيرانية في حال تطبيق قانون (لا طاقة إيرانية في العراق) سيؤدي إلى تفاقم مشكلة الكهرباء، متوقعاً أن يفقد العراق أكثر من 40% من الطاقة المنتجة حالياً في حال انقطعت إمدادات الطاقة الإيرانية في المرحلة المقبلة، فيما رجح حصول أزمة طاقة كبيرة في العراق، لا سيما أنه لغاية الآن لم يتمكن من توفير البدائل عن الغاز والكهرباء الإيرانية.
أسباب المشكلة
يعزو المهندس المختص في مجال الطاقة والكهرباء زيد حمودات عدم استقرار منظومة الطاقة الكهربائية في العراق إلى جملة من الأسباب، أبرزها أن الطلب على الكهرباء يفوق المنتج داخلياً والمستورد من الخارج. وقال حمودات في حديث مع "العربي الجديد": إن "عدم موثوقية خطوط النقل بين تهالك نتيجة قدمها، أو انفصالها بسبب أحمال زائدة، تمثل سبباً آخراً لعدم استقرار منظومة الكهرباء، إلى جانب توقف الوحدات التوليدية ذات السعات الكبيرة أو انفصال الخطوط ذات الأحمال الكبيرة، يؤدي إلى خروج الأحمال ومحطات التوليد تباعاً، مع عدم التزام بعض المحافظات بالحصص المقررة، وتعرض خطوط النقل لأعمال تخريب بين فترة وأخرى". وأضاف أن "انعدام فرص الحل لأزمة الكهرباء في العراق يرجع إلى التخطيط غير الصحيح، واعتماد الحلول الآنية، ونمو الأحمال بشكل كبير، وغياب الرقابة على الأجهزة المستوردة، إلى جانب غياب ثقافة الترشيد عند المواطن بشكل كبير".
إخفاق سياسي
أما الصحافي العراقي، أحمد الجفال، فيرى أن إخفاق المنظومة الكهربائية في العراق مرهون بإخفاق المنظومة السياسية، وقال الجفال في حديث مع "العربي الجديد": إن "الإخفاق السياسي ينعكس سلباً على الوضع الخدمي، وخصوصاً ملف الكهرباء، رغم الموازنات السنوية العالية للكهرباء والموازنات الانفجارية للوزارة خلال السنوات الماضية". ولفت إلى أن أبرز مشاهد فشل وإخفاق المنظومة السياسية في إدارة أزمة وملف الكهرباء تتجلى في تصريحات وزير النفط في حكومة نوري المالكي، حسين الشهرستاني، الذي تعهّد أمام العراقيين في عام 2011 بالاكتفاء من الكهرباء وتصديرها إلى الخارج عام 2013، بينما العراق يعاني في 2025 من عدم توفير نصف حاجته من الطاقة الكهربائية.
ورهن الجفال معالجة مشكلة الكهرباء في البلاد بمحاربة الفساد، والقضاء على العمولات، وإبعاد وزارة الكهرباء عن المحاصصة الطائفية والسياسية التي دمرت جميع مؤسسات الدولة، فضلاً عن تحقق الإرادة الحقيقية لدى السلطات الحكومية لإنهاء هذه الأزمة. الجدير بالذكر أن إنتاج العراق من الكهرباء يصل لنحو 27 ألف ميغاواط، بينما تقدر حاجة البلاد بنحو 38 ألف ميغاواط، وهذا الرقم يواصل الارتفاع مع اتساع رقعة المشاريع والسكان، الأمر الذي خلق عجزاً في توفير الكهرباء، وتسبب في انقطاعها، لا سيما خلال فصلي الشتاء والصيف، لنحو 10 ساعات يومياً.
975 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع