د. علي محمد فخرو
هناك ثلاث نقاط كانت ومازالت في حاجة لأن تؤخذ بعين الاعتبار بالنسبة لكل ما حدث في وطن العرب عبر السنوات الأربع الماضية وبالنسبة لما ينتظر أن يحدث في المستقبل القريب. واذا كان شباب وشابات الأمة العربية عازمين على الاستمرار في هز المجتمعات العربية من أجل ارجاع الوعي وارادة النهوض فيها فان أخذ هذه النقاط الثلاث بعين الاعتبار سيجنبهم ارتكاب المزيد من الأخطاء والانتكاسات.
النقطة الأولى: ما لم يصبح أحد الضوابط الرئيسة لكل الأحداث المحلية التي تجري في هذا القطر العربي أو ذاك انسجام تلك الأحداث مع المصلحة العربية المشتركة والأسس الوحدوية للأمة العربية الواحدة وللوطن العربي الواحد.... ما لم يوجد ذلك الضابط فان أي حراك شعبي اصلاحي أو ثوري سيتيه في أزقة كل مجتمع عربي على حساب الطرق الكبرى للمصلحة العربية المشتركة العليا. خصوصية الوضع الداخلي تحتاج أن تنسجم مع عمومية الثوابت القومية الكبرى.
ولذلك ففي أقطار من مثل العراق وسورية وليبيا، على سبيل المثال، ما الفائدة من كسب الجماهير لهذا المطلب الحقوقي أو المعيشي أو ذاك اذا كان ذلك سيكون على حساب وحدة وعروبة ذلك القطر وفاعلية دوره في الساحات العربية المشتركة؟ وبالتالي على حساب أهداف الأمة في التحرر المشترك والنهوض المشترك ووحدتها؟
النقطة الثانية: أن انقسامات وصراعات قوى المجتمع العربي المدني، وعدم قدرتها على الاتفاق حول أهداف مرحلية مشتركة واحدة تناضل من أجلها الى أن تتحقق تلك الأهداف المشتركة، وبالتالي عدم قدرتها على وضع خلافاتها جانباً الى أن يتحقق المشترك.... ان ذلك هو أحد الأسباب الرئيسة لانتكاسات كل حراك شعبي كبير في الأرض العربية. وهو الذي قاد الى ضعف فاعلية المجتمع المدني في الحياة العربية.
وهو الذي هيأ لقوى أخرى، من مثل الجيوش أو القوى الأجنبية أو التنظيمات القبلية والطائفية، الاستيلاء على الساحات المجتمعية العربية. وهي، أي قوى المجتمع المدني، تعرف أن تلك الانقسامات فيما بينها هي انعكاس لانقساماتها وأمراضها الداخلية، من مثل غياب الديموقراطية فيها وهيمنة جماعات صغيرة عليها، لكنها لا تفعل شيئاً يذكر لا بالنسبة لاصلاح نفسها ولا بالنسبة للتكاتف مع بعضها لمواجهة المستبدين والفاسدين والمجانين الانتهازيين.
وهذا الأمر ينطبق على المستويين القطري الوطني والقومي العربي المشترك.
النقطة الثالثة: ان النقطة السابقة المتعلقة بضعف قوى المجتمع العربي المدني قد قادت المجتمعات العربية الى وجود ظاهرة فريدة في حياتها السياسية. لقد أصبحت حياتها السياسية معتمدة بصورة مفجعة على قوى تواجد الجيوش ومقدار فاعليتها في الحياة الداخلية.
ان ما حدث في العراق من انهيار تام للحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بمجرد حل الجيش العراقي من قبل المحتلين الأميركيين، وانهيار المجتمع العراقي أمام تدخل كل من هب ودب في الداخل والخارج، والصعود السريع المذهل للقوى الطائفية والعرقية والقبلية وتنظيماتها الميليشياوية... ان كل ما حدث في العراق أظهر كم كان المجتمع العراقي يعتمد في تماسكه وعيشه المشترك على الجيش بدلاً من اعتماده على قواه الذاتية وحيوية مكوناته.
ويمكن أن نرى أموراً مماثلة لما جرى في العراق، وان بصور مختلفة وتأثيرات متباينة، ما جرى في سورية وليبيا واليمن ولبنان ومصر وتونس، بل وكل الأقطار العربية التي لامستها رياح الربيع العربي.
ولذلك فمثلما أن عافية الدول تعتمد على مقدار التوازن المعقول بين سلطات حكم الدولة وسلطات قوى المجتمع، ففي الحالة العربية يجب اضافة توازن قوى المجتمع مع سلطات ونفوذ وتدخلات المؤسسات العسكرية والأمنية.
لقد أصبح هذا الموضوع كابوساً في الحياة العربية وأصبح من أوجب واجبات شباب وشابات الأمة العربية أن يعملوا على اخراج الأمة من هذا الكابوس التاريخي.
ان قدر جيل الأمة الحالي أن تختاره الأقدار لحمل مسؤوليات هي أكبر وأثقل وأعقد من أي مسؤوليات حملتها الأجيال العربية السابقة. ونحن نشفق على هذه الأجيال عندما نحملها كل تلك المسؤوليات، لكن الأوضاع العربية قد أوصلها المستبدون والفاسدون وهمج الجهاد التكفيري الى حالة البؤس التاريخي وحالة المآسي الانسانية الكبرى.
وهذه أوضاع ستحتاج الى جيل من نوع خاص والى التزام من نوع خاص والى تفاعل وتكاتف مجتمعي مع هذا الجيل هما الآخران من نوع خاص.
وسيكون مفجعاً لو أن القوى المعنية لم تساند تكون هكذا جيل.
1138 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع