أ.د. محمد الدعمي
” إذا كانت هجمات باريس هي الأعنف والأوسع منذ هجمات 11 سبتمبر 2001 على واشنطن ونيويورك، فان للمرء أن يتيقن من ثمة تحولات جذرية ستتخذها هذه الحرب، خاصة وان نقاد الإدارة الأميركية القائمة لم يكتفوا بالزعم بفشل الاستراتيجية الحالية، بل أن بعضهم حد اتهامها بعدم امتلاك استراتيجية واضحة المعالم لهذه الحرب.”
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يبدو أن الآثار الأقوى للهجمات الإرهابية التي شنت في باريس قبل بضعة ايام لم تتبلور في اية مدينة أوروبية أخرى كما فعلت في حواضر الولايات المتحدة الأميركية بعد عبورها المحيط الأطلسي سريعاً، مدورة، بقوة عامل الخوف. ودليل ذلك الأصداء المدوية التي نقلتها وسائل الإعلام الأميركية بعد مباشرة تفجيرات باريس إزاء خلفية عمليات إرهابية محتملة أوسع، تشمل عملية إسقاط الطائرة الروسية بتفجيرها فوق شبه جزيرة سيناء وتفجيرات الضاحية الجنوبية في بيروت.
بواعث الخوف في المدن الأميركية الكبرى هي أن الأميركان يشعرون اللحظة بأن واحدا، من حواضرهم الكبرى ستكون المرشحة القادمة لهجمات مدبرة ومنسقة فرقياً، من نمط تلك التي شنت بباريس. والطريف هو أن هذا الخوف الوسواسي قد فك من عقد ألسنة مسؤولين أميركيين كبار، ربما كانوا يترددون طويلاً في إماطة اللثام عما كان يدور في خلدهم سراً، بدليل خروج الرجل الثاني (سابقاً) في وكالة المخابرات المركزية الأميركية السيد مايكل موريل Morel على شاشة CBS لإعلان حاسم ومربك وعصي على الفهم للغاية وهو: “أن استراتيجيتنا في محاربة الإرهاب لاتعمل”، بمعنى إن إدارة الرئيس أوباما لهذا الصراع ضد شبكتي “داعش” و “الدولة الإسلامية” قد فشلت، ودليله لذلك يتلخص في نقطتين، هما: (1) أن أوامر تنفيذ هذه العمليات المدمرة بباريس قد صدرت، من العراق أو سوريا، وليس من أية بقعة أخرى. هذا ما قاد السيد موريل للسؤال المهم التالي: “هل أن بقاء الرئيس بشار الأسد على سدة الحكم جزء من الحل”، أم أنه جزء من المشكلة؟ ومعنى هذا التساؤل بحد ذاته يعني دفع هدف إزالة الرئيس السوري لم يعد من الأولويات كما كان طوال السنين الماضية، الأمر الذي يلقي الضوء على مايجري في الخفاء حول هذا الموضوع، بعد أن كانت مغادرة الأسد السلطة هي “الحل فقط”، قبلئذ.
أما المرشح الرئاسي الديمقراطي بيرني ساندرز Sanders، فقد أكد ذات النقد للإستراتيجية الأميركية لمحاربة الإرهاب القائمة الآن، قائلاً بأنه مادام الموضوع يتصل بالإسلام، فعلينا الذهاب الى عالم الإسلام لمعالجته، مشيراً، على نحو خاص، الى أنظمة التربية والتنشئة في دول العالم الإسلامي، ناهيك عن معضلات الفقر والقحط والندرة التي تتسبب ببطالة الشبيبة المسلمة والتي تجعل من هذه الفئة ضحية (المكونة من مليار شاب مسلم تحت سن الثلاثين) سهلة للدعاية الإرهابية في العالم الإسلامي، علماً بأن هذه الحقيقة الإحصائية العددية يمكن أن تتخذ تبريراً للإعلان المخيف بأن حرب الولايات المتحدة ضد الإرهاب، ليست من الحروب التي تحسم بمعركة أو بمواجهة واحدة، وإنما هي حرب طويلة الأمد، قد تتجاوز، طولاً زمنياً، عقود حقبة الحرب الباردة، خاصة وأنها أولاً وأخيراً حرب آيديولوجية، أي “حرب أفكار”، تتطلب من الولايات المتحدة تشكيل جيش من نوع جديد، “جيش رقمي” Digital army لمواجهة جيش الإرهاب الرقمي السريع الانتشار والقادر على كسب الشبيبة والنشء، ناهيك عن مهمة هذا الجيش من أجل قطع مصادر تمويل هذه الشبكات الإرهابية الخفية هنا وهناك والتي يصعب تحديدها.
إذا كانت هجمات باريس هي الأعنف والأوسع منذ هجمات 11 سبتمبر 2001 على واشنطن ونيويورك، فان للمرء أن يتيقن من ثمة تحولات جذرية ستتخذها هذه الحرب، خاصة وان نقاد الإدارة الأميركية القائمة لم يكتفوا بالزعم بفشل الاستراتيجية الحالية، بل أن بعضهم حد اتهامها بعدم امتلاك استراتيجية واضحة المعالم لهذه الحرب.
1126 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع