هواجس عراقية

                                            

                   هواجس عراقية

             بقلم / اللواء الركن المتقاعد فؤاد حسين علي

        

      
لم نكن نحلم يوماً بالهجرة وفقدان الأمان، عندما كان في بلدنا عيش بأمان.
دَفَعنا فشل الادارة وسواد الرأي ودهاقنة السياسة وتنازع الموت ليل نهار أن نتجاوز حلم الهجرة.
نركب عثراتها بحراً لنغرق في أمواج الخلجان.

                    

تعاطفَ البحر معنا مرة، فلفظ جثثنا قبل تشوهها غرقاً على الشطآن.
غضبَ مرة أخرى فقدمها طعاماً شهياً لسمك القرش وبعض الحيتان.
مللنا البحر أو مل البحر كثرتنا ونبه حراس الميدان.
فاتجهنا هرباً من حراس الميدان الى جبال تفصل بيننا وحلم الأمان.
تسلقناها عنوة، وفي حالات الوهن والغثيان.
سقط بعضنا من قممها الى الوديان.
ميتٌ يفتش عن قبرٍ لم يجد له قبراً،ورفيق يترك رفيقاً ميتاً بلا قبر ولا أكفان.
عاودنا الملل من جديد كأننا لم نستفد من تجارب الزمان.

  

أشار علينا سادة التهريب والوسطاء بعد دفع الأثمان،أن نتجه صوب الغابات. لم نرَ الغابات في بلادنا من قبل ولا في هذه الأيام. بعض أشجارها التي كانت موزعةً هنا وهناك، جعلناها حطباً لتدفئتنا يوم نشف النفط في أوقات الحروب، وحرقت ما تبقى منها قنابل الحروب، وجعلت شخوص أشجارها بلا أغصان.
قال سياسي كبير ما فائدة الغابات، وما حاجة الأشجار الى أغصان، إقطعوها ليكون المنظر جميلاً عندما تَظهرُ الأتربة وتزحف الكثبان.       
قصدنا الغابة ليلاً، هرباً من عسس النهار، يقودنا مهرب قوي من بلادنا، من نفس الأوطان.   
تُهنا بين حشائشها والاشجار، نهشت أجساد بعضنا الوحوش ومستها أرواح الجان.
شابة جميلة فقدت زوجاً، أبقى لها المهرب ولداً كانت تتمسك به في الأحضان.
ساعدها بقدر مزيف من الحنان.
ساومها في آخر الطريق بين أن يُلحقَ صغيرها بابيه تيها أو تسلمه نفسها على فراشٍ من القش وبقايا عيدان الريحان.
توسلت اليه راكعةً على كلتا الركبتان.
صاحت من ألمها باكيةً بعينيها الناعستان.
قالت آخر عبارة لها قبل أن تفقد وعيها، أين هم أهل الوجدان.
إغتصبها عنوة بلا وجدان.
سرقَ صيغتها وعفتها بغريزة الحيوان.
تركها في الغابة مغشياً عليها، تلعن روحها الحلم والهجرة وهذا الزمان.    
وصل بعضنا الى غايته في مختلف البلدان.
حققنا الحلم الموعود في طلاق وطننا والعيش بأمان.
ارتضينا الغربة وطناً، نقلنا البغض وغل الطائفة وجهل العشيرة الى ربوع الوطن الجديد، فعدنا الى الصفر وكأن البعض منا عدو لنفسه والأمان.  
أين هو الأمان؟.
وهل هناك أمان؟. إذا ما بقيَّ إنساننا هو ذاته ذاك الانسان!!.

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

658 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع