لقد تشابه البقر علينا. فعلا، لقد تشابه علي أنا على الأقل، ولم أعد أدري ولم أعد أفرق بين الذكي والغبي. لقد أصبح عقلي في إجازة منذ نصف ساعة وما زال في إجازته، وهو يرجوكم ويستعطفكم أن تردوه إلى جادة الصواب لو تستطيعون.
والحكاية وما فيها أنها مسلية جدا، إلى درجة أن لعابي سال منها، وتمنيت من أعماق فؤادي - حلوة كلمة (فؤادي) - المهم أنني تمنيت أن أكون طرفا فيها، على أمل أن تنالني على الأقل (طرطوشة) واحدة منها. وهي حصلت في بلد خليجي، تكثر وتتزاوج فيه مواهب (الذكاء والغباء) إلى الحد الذي لا يستطيع الإنسان فيه أن يفرق بينهما، وتقول الحكاية المهزلة:
«إن المحكمة الجزائية أصدرت حكما على اثنين من عصابة أفريقية، تخصصا في النصب، وتمكنا من الاحتيال والشعوذة على مواطن وسلبا منه 300 مليون ريال. ولكي تتأكدوا - يا رعاكم الله! - فلا بد أن أكتب لكم الأرقام كتابة، فهي: ثلاثمائة مليون (ريال)، وليست (قرشا). وتضمنت أحكام الحق العام بسجن أحدهم 3 سنوات، بينما تم سجن طالب جامعي في نفس العصابة الأفريقية 6 أشهر، بالإضافة إلى قيام الجهات المختصة بوضع أسماء بقية العصابة على قائمة ترقب الوصول تمهيدا للقبض عليهم».
وهذا الكلام، على فكرة، نشرت وقائعه في أغلب الصحف المحلية في ذلك البلد. وتعود تفاصيل القضية إلى بلاغ تقدم به شاب يفيد بتعرض خاله للشعوذة والنصب والاحتيال من عصابة أفريقية، واتضح وجود علاقة سابقة بين والد المقبوض عليه والضحية أثناء زيارته لإحدى البلدان الأفريقية بالتزامن مع استثماره لشراء مزارع هناك، وتبين أن عملية الشعوذة بدأت عندما اشتكى الضحية لوالد المقبوض عليه من آلام بالمفاصل والظهر، أعطاه بعدها أدوية شعبية جعلته ينقاد لجميع طلباته لاإراديا، بالإضافة إلى إقناعه بوجود قرين من الجن اسمه الروحاني لديه علم بالأسرار، وأنه عندما يدفع له أموالا فسوف تكون سببا في زيادة ثروته أكثر، وتجعله يتقلد منصب وزير في دولته - انتهى.
وانقاد له ذلك الثري، وبدأ المشعوذ يسحب، أو بمعنى أصح (يحلب) منه الأموال على دفعات إلى أن وصلت إلى ذلك الرقم الفلكي الذي كتبته لكم كتابة لكي أسطحكم.
الشيء المضحك والمحزن أن ذلك الرجل (المحلوب)، رجل متعلم، ومتخرج في أرقى جامعات أميركا كمهندس، وله (صولة وجولة) في عالم (البزنس).
وسبق لي أن شاهدته وجلست معه مرة واحدة مع لفيف من الأصدقاء في أحد المقاهي ذات يوم من أيام الصيف في جنوب إسبانيا وكان هو فارس أو عريس الجلسة، فالكلام كله تقريبا له، والأسئلة كلها توجه له، ولا يخرج من فمه غير الدرر والحكم والنظريات والنصائح، إلى درجة أنني، الصامت طوال ذلك اللقاء، تمنيت ألا يتوقف عن الكلام، وقلت بيني وبين نفسي: (هكذا يكون الرجال وإلا فلا)، ورثيت لحالي.
يا سبحان الله كيف تنقلب الأمور؟!
إنني من اليوم فصاعدا قررت أن أذهب إلى أفريقيا وأتعلم من أول وجديد على يد أحد الجهابذة (البرفسورات) في علم الشعوذة، فلعل وعسى أن (أهبر لي هبرة) مدهنة، بدلا من نحلة القلب التي أعيش عليها.
صدق من قال إن (العالم ليس عقلا).
842 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع