لا تستغربوا !

د.سلام مسافر

لا تستغربوا !

تعقَد الدهشة الألسنةَ عند الاطلاعِ على قائمةِ السفراءِ المعينينَ مؤخراً في العراق، وتَنشَغِلُ مواقعُ التواصلِ بالحديثِ عن أسماءٍ لا تَمُتُّ بصلةٍ للدبلوماسيةِ وتمَّ الاختيارُ على أساسِ التحاصصِ والقرابةِ والامتيازات.

واقع الحال فان المثيرُ للدهشةِ في كلِّ هذه الضجةِ أن المعترضينَ المؤشرينَ على عَطالةِ المعينين، لا يتذكرون أن وزيراً للخارجيةِ بعد الاحتلالِ كان قصخون، واضحكَ العراقيينَ بأسلوبهِ وتصريحاتهِ وجهلهِ باللغةِ الإنجليزيةِ رغم أنه عاشَ في لندنَ أكثرَ من ربعِ قرن.
وأن وزراءَ أميينَ جُهّال دخلوا الحكوماتِ المتعاقبةَ وفقاً للتحاصص، لم يمسكوا في حياتهم ورقةً وقلمًا ولا يعرفون عن عملِ الدولةِ غير وقوفهم وقبلهم آباؤهم في طوابيرَ دفعِ فواتيرِ الماءِ والكهرباء.
تعجُّ فيديوهاتُ اليوتيوب بمقابلاتٍ مع شخصياتٍ عراقيةٍ تتحدثُ عن فضائح الجهلِ والتخلفِ لوزراءَ لا يعرفون جغرافيةَ واسمِ عواصمِ البلدانِ الموفدينَ إليها، من قبيلِ الجهلِ بنهرِ النيلِ في مصر، أو اسمِ عاصمةِ البلدِ الذاهبِ إليه لتوقيعِ عقودٍ بملايينَ الدولارات، نصفها يذهبُ إلى جيبِ معالي الوزير وإلى فخامةِ الرئيسِ ودولةِ رئيسِ الوزراء.
ألقابُ الفخامةِ، ليست فقط لا تليقُ بكلِّ من عملَ في حكوماتِ الاحتلالِ منذ 2003 وإلى اليوم؛ وإنما هي بدعةٌ يُرادُ بها إضفاءُ الاحترامِ على إمّعاتٍ لا ناقةَ لهم ولا جملٌ بشؤونِ الدولة.
باستثناء حيدر العبادي الذي كان يعيشُ في لندنَ بفضلِ عملهِ في مكتبٍ استشاريٍ ويتمتع بثقافةٍ عملية؛ فإن الغالبيةَ من الوزراءِ والمدراء لا تتوفرُ فيهم شروطُ الوظيفةِ العامة، وكانت كارثةُ حكوماتِ المالكي عنواناً للفسادِ والجهلِ والاستخفافِ بكلِّ مواصفاتِ الدولةِ العراقيةِ التي ترسخت دواوينها على مدى عشراتِ السنين، وكانت قبل عصرِ الانقلاباتِ العسكريةِ تقتربُ من مواصفاتِ الدولةِ الحديثة.
قد يتميز محمد شياع السوداني عن سابقيه بأنه لم يأتِ من الخارجِ، ولم يتقاضَ مساعداتٍ من بلدياتِ دولٍ أوروبيةٍ أو يتعامل مع أجهزةِ مخابرات دوليةٍ وعربيةٍ كما المعارضينَ اللاجئينَ في دولِ الشتات، وقد عادوا بعد الاحتلالِ ليتربعوا على مناصبَ أكبرَ من قدراتهم الذهنيةِ وإمكانياتهم الضحلة.

السوداني عملَ مهندسا زراعياً وعُرف عنه آنذاك النزاهةُ والحرصُ كما ملايينَ الموظفينَ في بلدٍ عانى شعبهُ من القمعِ والحصار، ومنهم المهندسُ محمد شياع الذي لا ندري كيف أصبحَ اليوم بعد سنتينِ من رئاسةِ الحكومةِ، لكن الباديَ للعيان أنه يسعى إلى البناء.
السؤال:
هل للسوداني رأيٌ في "النمونات" التي صوّتَ عليها البرلمانُ كسفراء؟
أي دورٍ لوزارةِ الخارجيةِ في الاختيارِ، وهل يشعرُ فؤاد حسين بالرضا عن قائمةِ السفراءِ أم أن أخاك مرغمٌ لا بطل؟
في نوفمبرَ من العام 2022 التقيتُ السيدَ فؤاد حسين على هامشِ قمةِ جامعةِ الدول العربية في الجزائر، وأجرينا معه حديثاً موسعاً.
يتميزُ الوزيرُ بالدرايةِ ومعرفةِ مهامه، عدا عن إجادتهِ الإنكليزيةَ والفارسيةَ والعربيةَ ولغتهُ الأم الكردية، ونقرأ أنه يتحدثُ الهولنديةَ أيضاً بحكمِ اللجوءِ لسنواتٍ طويلةٍ في الأراضي المنخفضة.
خارجَ التسجيل، عبّر حسين عن الاستياءِ من مماطلةِ البرلمانِ في التصويتِ على قائمةِ السفراءِ، وكان يشكو من نقصٍ كبيرٍ ومن أن غالبيةَ السفراءِ بلغوا سنَّ التقاعد، ولم يجرَ الحديثُ عن أسماءٍ محددة، وكان واضحاً أن الوزيرَ غير مرتاحٍ لمبدأِ التحاصصِ في اختيارِ السفراءِ.
اليوم، كيف ينظرُ وزيرُ الخارجيةِ إلى هذا "اللملوم" من التعيينات وكيف سيتم "طشهم" على سفاراتِ العراق في العالم، ووفق أيّة معاييرَ أو حساباتٍ.
كيف يمكن لفؤاد حسين أن يتعاملَ مع جوقةٍ من الأميين دبلوماسياً وسياسياً، وعلى أيّة أسسٍ ستبنى علاقاتُ بغدادَ مع عواصمِ العالم؟

قد لا تخلو قائمةُ السفراءِ الجدد من أسماءٍ متعلمةٍ ولديها خبرةُ العملِ الدبلوماسي، لكن مبدأُ الاختيارِ يشي بأن طيرَ السعد وقعَ حصراً على المقربينَ ووفق مبدأ مكافأةِ الآباءِ والأعمام بتعيين الأبناء حتى لو كانوا لقطاءَ سياسة ودبلوماسية.
خلال عملي الصحفي، صادفتُ على مدى السنواتِ الماضيةَ عشراتِ القصصِ التي تصلحُ مسرحياتٍ كوميديةً عن سفاراتِ العراق في الخارج.
قصصٌ مضحكةٌ لكنه ضحكٌ كالبكاء!
لا تستغربوا فقد بلغ التردي القاع.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

711 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع