مواهب المرشحين في دولة الفساد

بدري نوئيل يوسف

مواهب المرشحين في دولة الفساد

بقلم مواطن يتملك موهبة البحث عن الوطن

تعريف:
المواهب هي قدرات أو مهارات فطرية يمتلكها الإنسان، وتظهر لديه بشكل طبيعي دون تدريب طويل، وتميّزه عن غيره في مجال معين. يمكن أن تكون هذه المواهب عقلية، أو فنية، أو رياضية، أو اجتماعية، أو قيادية، وتُعدّ من أهم مقومات الإبداع والتميّز الشخصي.
الموهبة هي استعداد أو قدرة غير عادية لدى الفرد، تمكّنه من أداء عمل ما بدرجة من الإتقان تفوق المستوى العادي لأقرانه في العمر أو الخبرة، ويمكن تنميتها بالتدريب والتوجيه المناسبين.
ولكن يبدو أن موسم الانتخابات في دولة الفساد قد تحوّل رسميًا إلى موسم استعراض مواهب. فبدل البرامج الإصلاحية والخطط الاقتصادية يتبارى المرشحون هنا في مسابقات أشبه ببرنامج من لديه أطرف وعد! وكل وعدٍ أكثر خيالًا من سابقه.
في دولة الفساد، موسم الانتخابات لا يُشبه أي موسم آخر. إنه مهرجان وطني كبير يُعرض فيه كل شيء من الابتسامات المعلّبة إلى الوعود القابلة لإعادة التدوير.
هنا، لا يُقاس المرشح بعدد إنجازاته، بل بعدد اللافتات التي يبتسم فيها بثقة مريبة، وكأنه يقول: أنا الحل، رغم أنه جزء من المشكلة منذ عقدين.
في دولة الفساد، لا حاجة لشهادات عليا، أو خبرات ميدانية لتصبح نائبًا. يكفي أن تمتلك الموهبة، تلك التي تُكتشف غالبًا في المكاتب الانتخابية، لا في ميادين الخدمة العامة.
اوصاف مرشحي دولة الفساد الديمقراطية جدا
المرشح في دولة الفساد ليس شخصًا عاديًا إنه فنان شامل. فهو خطيب بارع يجيد الرقص بين الجُمل، ويتقن فن التهديد بالحب للوطن. يعدك بمستقبل زاهر، بينما يضع المستقبل في جيبه الخلفي تحسّبًا لأي طارئ. من مواهبه أيضًا القدرة الخارقة على البكاء أمام الكاميرات، خصوصًا عند الحديث عن المواطن البسيط، ذلك الكائن الأسطوري الذي يظهر فقط في مواسم الانتخابات، ثم يختفي فور ظهور النتائج. أما عن خبرته في الاقتصاد، فهي تبدأ وتنتهي عند وعده بأن كل شيء سيتحسن بعد فوزه، دون أن يشرح كيف أو متى أو بأي معجزة.
وفي دولة الفساد، البرامج الانتخابية تُكتب بنفس الحبر الذي يُستخدم في كتابة الروايات الخيالية. كل مرشح يتحدث عن الشفافية، بينما لا يستطيع أحد رؤية من أين جاءت أمواله أو إلى أين ستذهب بعد فوزه. وكلهم يتعهدون بمحاربة الفساد بطريقة ودية، ودون أن يزعجوا أحدًا من الزملاء القدامى.
ولأن الإبداع بلا حدود، فبعض المرشحين يعرضون مواهبهم في العزف على أوتار العواطف الوطنية، أو في تمثيل دور ابن الشعب، الذي يركب سيارة فارهة ويجلس في مقهى شعبي لخمس دقائق قبل الانتخابات ليأخذ صورًا عفوية جدًا.
مواهب استثنائية في دولة الفساد:
تتنوّع المواهب كما تتنوع طرق التهرب من المساءلة. فمرشحنا الأول فنان في فن الغياب الجماعي، يغيب عن الجلسات بحجة دراسة القوانين الدولية، بينما في الحقيقة يدرس أسعار الأراضي خارج العاصمة. أما الثاني، فبارع في النطق البطيء أثناء الجلسات، حتى يُخلق انطباعٌ بأنه حكيم، بينما هو لا يزال يحاول نطق كلمة ديمقراطية من دون أن يضحك.
وهناك مرشح آخر لا يمكن نسيانه، موهوب في سحر التبرير، يحول أي كارثة وطنية إلى إنجاز مؤقت، ويجعل الناس يعتقدون أن انقطاع الكهرباء نتيجة سياسة توفير وطنية.
أما المرشحة الجديدة، فقد قدّمت موهبة استثنائية في التصوير اليومي؛ كل خطوة، كل ابتسامة، كل موكب رسمي تتحول إلى قصة إنسانية على وسائل التواصل، لتبدو وكأنها تحمل البلاد على كتفيها بينما تحمل حقيبة مملوءة بالعقود الانتخابية.
ولا ننسى الموهبة الكبرى التي يتقاسمها الجميع، فن الوعود الخرافية. وعود بوظائف لا وجود لها، وخدمات لم تُولد بعد، وإصلاحات ستبدأ قريبًا جدًا منذ عشرين عامًا.
منذ أيام الحملة الأولى، انتشرت لافتات المرشحين كالفطر بعد المطر، تحمل وجوهًا مبتسمة بزاوية مدروسة، وعبارات من نوع معكم نحو التغيير، الذي غالبًا يبدأ بالسيارة ويقف عند الحدود الشخصية. لا أحد يعرف بالضبط ما البرنامج الانتخابي، لكن الجميع يعرف أن المرشح يمتلك موهبة الظهور المفاجئ في كل مناسبة، من حفلات الأعراس إلى افتتاح المدارس، يوزع وعودًا كما يُوزَّع الشاي في المؤتمرات.
الموهبة الأولى: فن الغياب الحاضر
المرشح المخضرم يُتقن الظهور فقط حين تمر كاميرا التلفزيون. حضوره الميداني محدود، لكن غيابه البليغ هو الأكثر تميزًا. يجيد التبرير بأن الظروف السياسية معقدة، وهي الجملة التي يستخدمها منذ دورتين انتخابيتين. أما ميزانياته المسفوحة، فهي بلا شك ضحية مؤامرة الكومبيوترات الوهمية في وزارة المالية!
الموهبة الثانية: هندسة التبرير المتقن
بعض المرشحين يتقنون فن التحويل السياسي؛ فحين تغرق الشوارع، يقولون الأمطار نعمة ربانية تُظهر ضعف البنى التحتية السابقة، وحين تنقطع الكهرباء، يشرحون بأن ذلك حفاظًا على البيئة. كل شيء عندهم يحمل نكهة فلسفة، حتى الفشل!
الموهبة الثالثة: صناعة الوعود الأسطورية
وظيفة لكل شاب، ولكل عائلة بيت، وطائرة لكل حي! لا شيء مستحيل أمام موهبة المرشح الذي يعيش على كوكب المواعيد. يَعِد بما لا يستطيع حتى الاقتصاد الصيني توفيره، ويبتسم بثقة العارف أن لا أحد سيحاسبه أصلًا بعد الانتخابات.
الموهبة الرابعة: الأداء المسرحي
مرشح آخر لا يحتاج برنامجًا انتخابيًا، لأنه ببساطة ممثل محترف. يعرف متى يذرف دمعة، ومتى يضحك ابتسامة مصطنعة، ومتى يضع يده على قلبه ليبدو صادقًا في ندواته، يحوّل أي سؤال بسيط إلى مشهد درامي يُحسد عليه طلاب معاهد التمثيل.
الموهبة الخامسة: هندسة العلاقات والمحسوبيات
هذا المرشح لا يتحدث كثيرًا في الإعلام، لكنه يعرف أين يضع الكرسي المناسب خلف كل مسؤول، ومن يمنحه الوظيفة قبل الانتخابات بعدة أيام. إنه خبير في هندسة الشبكات لا شبكات الكهرباء طبعًا، بل شبكات المصالح المتشابكة.
وفي النهاية، يفوز من يجيد الغش في امتحان الوعي العام. فالشعب المنهك يختار بين من وعده بالكهرباء ومن وعده بالماء، فيكتشف لاحقًا أنه حصل على العتمة والعطش معًا.
أما المرشح الفائز، فيبدأ فورًا تنفيذ برنامجه العظيم: تعيين الأقارب. نسيان الوعود. وإصدار تصريح صحفي بعنوان نحتاج وقتًا للإصلاح.
وهكذا تستمر الديمقراطية في دولة الفساد كعرضٍ مسرحي طويل، يغيّر الممثلون فيه وجوههم، لكن النص يبقى نفسه. وفي نهاية هذا السيرك السياسي، يقف المواطن حائرًا بين مرشح يجيد التمثيل وآخر يتقن الغياب وثالث يتفوق في صناعة الأعذار. ومع ذلك، حين تُفتح صناديق الاقتراع، تُغلق أبواب الأمل لولاية جديدة من الإبداع الفاسد، حيث تتحوّل السياسة إلى عرض كوميدي طويل، والجمهور الشعب لم يعد يعرف أن كان يضحك أم يبكي.
في النهاية، تبقى دولة الفساد مثل برنامج مواهب، لكن لجنة التحكيم فيها هم المواطنون الصابرون، الذين يصفقون أحيانًا من شدة الصدمة، لا الإعجاب.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1306 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع