هل بدأ الربيع العراقي؟ 1-2

                                         


تصاعدت وتيرة الأحداث في أكثر من محافظة سنية بعد سلسلة من الاستفزازات الطائفية التي قامت بها حكومة المالكي تجاه السنّة بكل قومياتهم وتوجهاتهم، حتى وصل الأمر إلى مستوى الانتهاكات التي تهون أمامها الدماء والأرواح.

جاءت قضية الدكتور رافع العيساوي كالقشة التي قصمت ظهر البعير، مع ما للعيساوي من حضور متميز وشعبية واسعة أثبتتها التداعيات المتواصلة، إلا أن الذي حرّك الشارع السنّي بهذه السرعة وهذا الحجم هو تلك التراكمات التي يصعب عدّها وحصرها.
فعلى المستوى الثقافي، تم التعدي على عقيدة أهل السنة في كل محفل، والفضائيات العراقية الرسمية فضلا عن الحزبية لا تفتأ في كل مناسبة تشتم الصحابة وتنال منهم، وقد كان هذا بالنسبة للسنة أشد عليهم من ذبح أولادهم في حجورهم، وكانت المناهج الدراسية وأسئلة الامتحانات العامة كلها تسير بهذا الاتجاه.
أما في الجانب السياسي، فإن سياسة التهميش والإقصاء لكل الرموز السنية قد تجاوزت كل الحدود والتوقعات، فرئيس «التوافق العراقية» في البرلمان الدكتور عدنان الدليمي يتم تهجيره واعتقال أولاده وما يزيد على الخمسين من حراسه، وهكذا أيضا تم استبعاد وزير الثقافة أسعد الهاشمي، ثم الدايني عضو البرلمان البارز، ثم صعّد المالكي من سقف طموحاته ليقصي نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي، ويثنّي مؤخرا بوزير المالية ونائب رئيس الوزراء السابق الدكتور رافع العيساوي.
ربما كان أهل السنة يتوقعون محاكمات ظالمة وقاسية بحق رموزهم وشخصياتهم الذين رفعوا صوتهم ضد الحكومة والعملية السياسية، كما في مذكرة الاعتقال التي صدرت بحق الشيخ حارث الضاري، وقانون الاجتثاث بحق البعثيين، هذا فضلا عن مئات الاعترافات القسرية للمتهمين بالمقاومة من كل الفصائل والتي تبثها الفضائية الرسمية، كل هذا متوقع، أما أن يستهدف الدليمي والهاشمي والعيساوي، فهذا معناه أن السنة كيفما كانوا فهم غير مرغوب بهم في العراق الجديد، وهنا أصبحت القضية قضية وجود وليست مشكلة برامج ومواقف، وخير من عبر عن هذه الحقيقة مفتي العراق الشيخ رافع العاني بقوله: «المادة 4 إرهاب تعني 4 سنة، فكل سني إرهابي بالولادة».
وقد كان المالكي بعد كل ضربة من هذا النوع يراقب ردات الفعل في الصف السني المشغول بأكثر من مشكلة وقضية والمنقسم على نفسه أيضا، ولذلك ترجح عنده أن الوقت قد حان للتوجه إلى السنة الكرد، فخالف كل من نصحه من مراجعه الدينيين والسياسيين في الداخل والخارج، وراح يستعرض قواته أمام المحافظات الكردية ويهدد ويتوعد، ولم يكتف باستفزاز رجل الكرد القوي مسعود البرزاني، بل راح وبحسب ما تسرب من معلومات ليفرض مزاجه على الرئيس جلال الطالباني رغم مرضه وكبر سنه.
ربما يكون المالكي قد استلم الضوء الأخضر من أولياء نعمته الأميركيين، لكنه لضعف خبرته نسي أن أولياءه هؤلاء ربما أرادوا توريطه في مستنقعات لها أول وليس لها آخر، ولأغراض يعجز المالكي وحزبه عن إدراكها أو التكهن بها، وقد كان عليه أن يستفيد من سياسات التوريط التي مارسها الأميركيون في أكثر من قضية ومع أقرب المقربين لهم.
أما على صعيد الائتلاف الشيعي، فسرعان ما تبين للمالكي أنهم ليسوا على استعداد لتحمل تبعات هذه المغامرات والمجازفات، حتى وصل الأمر في أوج أزمته مع الكرد إلى أن يعقد شريكه هادي العامري رئيس فيلق بدر مؤتمرا صحافيا ليعلن فيه أن التحالف الشيعي الكردي تحالف مقدس لا ينبغي المساس به!! وربما كان العامري يدرك بحكم طبيعة عمله وخبراته المتراكمة أن المالكي سيورط الشيعة كلهم لو انحازوا له، ويضيع عليهم فرصتهم التاريخية التي قد لا تتكرر، ثم لما خرجت مظاهرات الأنبار وسامراء وتكريت وغيرها، راح التيار الصدري يعلن براءته مما أسماها «مجازفات المالكي».
جدير بالذكر هنا أن المحافظات الشيعية نفسها لم تسلم من ظلم المالكي وحكومته، فكل التقارير المدعومة بالوثائق والصور تؤكد وصول الحالة المعيشية إلى مستوى لا يليق بالآدميين، وقد زاد الطين بلة سيطرة التجار الإيرانيين على مفاصل العمل التجاري خاصة في كربلاء والنجف، حتى صار التومان الإيراني عملة متداولة لا تختلف عن الدينار العراقي!!
القوة الوحيدة التي يستند إليها المالكي هي فرقه العسكرية التي شكلها الأميركان بديلا عن الجيش العراقي، لكن هذه الفرق ينخرها الفساد وتعبث بها المحسوبيات المختلفة، وهم رغم كل السخاء الذي يقدمه لهم المالكي لم يتمكنوا من ضبط الأمن في محيط المنطقة الخضراء!! فكيف لو اندلعت انتفاضة حقيقية بحجم العراق كله، أو حتى على مستوى المحافظات السنية التي خبر المالكي صلابتها وشجاعتها، ليس في مواجهة جيشه المتهرئ وإنما في مواجهة المارينز الأميركي؟
على المستوى الخارجي، ثمة أكثر من متغير ينبغي للمالكي أن يحسب حسابه، فتركيا الجار الأقوى للعراق قد أعلنت تضامنها مبكرا مع سنّة العراق وعلى لسان قائدها الكبير رجب طيب أردوغان، حيث قال معلقا على استهداف العيساوي: «إن حكومة المالكي تتصرف كحكومة شيعية طائفية، وقد حان الوقت لتشكيل حكومة ديمقراطية عادلة»، كما أن أردوغان قد أحرق الورقة التي كان يلعب بها المالكي وهي ورقة الخلاف التركي الكردي، حيث تمكن من فتح علاقة جديدة ومتميزة مع «صديقه «مسعود البرزاني.
أما الدول العربية التي ترى أن النيران الصفوية باتت قريبة من حدودها، فربما تجد الفرصة مناسبة لإبعاد هذه النار عنها من خلال دعمها لانتفاضة عراقية أو سنّية يقودها سياسيون معتدلون لم تثر حولهم شبهات التطرف أو الإرهاب، وهذا ما تنبه له السنّة أيضا، فقد استفادوا من تجربتهم المريرة أيام هيمنة القاعدة على بعض مناطقهم، وأصبحت هذه المناطق مصدر قلق لدول الجوار العربي ربما أكثر من الخطر الإيراني نفسه.
وأما المتغير الأكثر إزعاجا لحكومة المالكي فهو الانهيار الوشيك لحليفها الاستراتيجي بشار، حيث سينتهي التنسيق الذي أدى إلى إضعاف «المثلث السني» خاصة محافظة الأنبار التي تحملت تبعاته ونتائجه الأشد والأثقل، حيث كان بشار يمارس لعبته القذرة في دعمه للعصابات الإجرامية داخل المحافظة تحت عنوان «مقاومة الاحتلال الأميركي»، ولم يكن يدعم المقاومة وإنما كان يدعم العصابات التي تقاتل المقاومة وتقاتل أهل السنة كافة وبعناوين مختلفة وذرائع متعددة، وإمعانا في التضليل كان المالكي يستنكر الدعم الأسدي لفصائل المقاومة، ثم تبين للعالم اليوم وللسنة بوجه خاص حقيقة العلاقة بين بشار والمالكي.
إن سقوط بشار يعني الكثير بالنسبة للمالكي، وقد صرح أحد أركان حكومته أنه في حالة تغيير النظام في سوريا فإن المعركة ستكون على أسوار بغداد!! ودعا آخر صراحة إلى تشكيل جيش مليوني للدفاع عن «العتبات المقدسة»!!
إن المالكي يعلم أن الجيش السوري الحر ليس هو من سيصل إلى أسوار بغداد، وإنما هي روح الثورة السورية ونسائم الربيع العربي المبارك هي من سيحرك المارد السني، الذي أجبرته الظروف أن يتنفس قليلا ويأخذ قسطا من الراحة بعد منازلته الشرسة وغير المتكافئة مع أعتى قوة في العالم
http://twitter.com/maiash10
صحيفة العرب القطرية - آراء وقضايا  د. محمد عياش الكبيسي  هل بدأ الربيع العراقي؟ (1-2)
http://www.alarab.qa/details.php?issueId=1840&artid=222634#.UNk-z5cW7jo.email

 http://www.alarab.qa/details.php?issueId=1840&artid=222634

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1242 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع