د محمد غاني، باحث في الأكسيولوجيا و الديونطولوجيا
تقدم الوجبات الشهية في أفخم الفنادق على أنواع متعددة لا حصر لها من الأطباق العصرية التي تفنن فنانوا فن الزخرفة في إبداعها من أجل فتح شهية زوار الفندق و استلاب عقولهم و البطون من أجل هدف واحد، هو أن يكرروا زياراتهم للفندق، و التالي تحقيق المزيد من الأرباح.
يوفر ديننا الحنيف وجبات لا حصر لها، لتغذية الجسم و الفكر و الروح، لكن و يا للأسف، بسبب عدم اطلاع أغلب الدعاة على العلوم المعاصرة و عدم انفتاحهم على الآخر الحضاري، تجدهم لا يحسنون اختيار الطبق المناسب لتقديم الوجبة الفكرية أو العقدية أو الروحية، و لم لا حتى الجسدية؟ فكم من النصائح النبوية التي أثبتت دراسات معاصرة نجاعتها بعد تطور العلم الحديث.
لا حاجة لتذكير القارئ المسلم بقيمة سلعة الاسلام الغالية التي استفاد منها الغرب كثيرا فيما وصل اليه اليوم و لا زال يطورها، و كمثال بسيط فقط، فلتنظر معي أيها القارئ المتبصر الى نظام الأجر في الاسلام(الروحي طبعا، حسنات و سيئات) ستجد تشابها غريبا بينها و بين نظام أجور العمال، و التعويضات التشجيعية التي تقدم لهم، و إشهارات شركات الاتصالات، لما وجدوا فيه من طريقة خلابة في استقطاب الآخر الحضاري الى دين الاسلام، و انظر الى مقدار التعويض الروحي الذي يحصل عليه التائب في الاسلام مثلا "أولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات"، الفرقان70، حيث أن نفس المقدار الذي كان قد تراكم تحت الصفر، بعد التوبة مباشرة يصعد بنفس المستوى فوق الصفر.
لا شك أنه تعويض روحي مغر بشكل كبير لحصول توبة كل من يفقهه و يثق في عارضه، إن مشكلة المسلمين اليوم في عالما المعاصر، مشكلة ثقة بالأساس، بين من يعرض الخطاب الديني و بين مستقبله، أما الجوع الروحي فهو حاصل لا محالة، و الشاعر به غافل عن البحث عن إشباعه، لما يتوهمه من إشباع من وجبات سريعة تقدمها كتيبات مرهبة عن عذاب القبر و سؤال منكر و نكير وكأن الاسلام اختزل اختزالا في هذا النوع من الخطاب.
إن إعادة هندسة الخطاب الديني في الاسلام بات ضرورة لا مناص منها خصوصا و أنه موجه من أمة لا تقرأ الى أمة قارئة، من أمة فقدت أخلاقها الى أمة خلوقة بغض النظر عن مرجعية هاته الأخلاق، من أمة تائهة إلى أمة متمكنة، أليس هذا هو الوقت لنعي بضرورة الثقافة و الوعي و الحضارة في تشكيل شخصية الشعوب، فإذا حصل الرشد الحضاري آنذاك فقط يمكن أن تؤثر شخصية الشعوب الحضارية في حضارات شعوب أخرى، أما و الحال هاته و شخصية شعوبنا مهزوزة فكيف لنا أن نؤثر في شعوب أخرى.
إن ناشئة الليل هي أشد وطئا و أقوم قيلا، فإن أرادت أمة الاسلام أن تعاد هيكلة بنائها على ركائز قوية، فلا سبيل الى ذلك الى بالعمل الدؤوب على القراءة في ليلها الحضاري و تنتظر الشروق.
1266 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع