عبدالجبارنوري-السويد
أنهُ طودٌ شامخ ، وأنوار أزلية على قمة جبل قنديل ، ونوارس مهاجرة على ضفتي الفراتين ، وهو نموذج أنساني للمثقف الوطني سمته الأدب الواقعي اليساري الملتزم ، وشيخ المنافي ،التي قضمت الغربة اللعينة الخمسين من عمره التسعين بين المجر والصين وأخيرا ثلوج السويد وغاباتها الموحشة ،وبذلك لُقب بشيخ المنافي وشيخ المناضلين ،
توأم جيفارا وهوشي منه ، وأعطى سلفا نصف عمره فاتورة مبصومة من سجون الدكتاتوريات المظلمة ---- هو أبو رياض كاظم السماوي ولادة 1919 ورحل عن دنيانا الفانية في 15 آذار 2010 ، تاركاً بعده أرثاً ثقافيا ثراً مترعاً بأوسع خزانة ذهبية وماسية تحوي على سبعة أو تسعة دواوين زينت أرشيف الذاكرة العراقية والعربية والعالمية بذخائرنفيسة موسومة ببصمات سومرية بمقتربات جسور عالمية من الشعر الملحمي ، وأشبه ما تكون بقصائد الملهاة ، فكانت سنة 1950 كتب ديوانه الأول (أغاني القافلة ) ، وبعد 1958 كتب الدواوين التالية : ملحمة الحرب والسلام ، إلى الأمام أبداً ، فصول الريح ورحيل الغريب ، قصائد للرصاص --- قصائد للمطر ، رياح هانوي ، إلى اللقاء في منفى آخر .
والمعذرة لكوني لست ناقدا أدبيا بل كاتبا وقارئا مدمنا على قراءة نتاجات مثل هذه القامات الشامخة والتي تركت بصماتها في ذاكرة الأدب والثقافة العراقية والعربية والعالمية ، لذا وجدتُ من الضروري طرح هذا السؤال بغية مشاركة القاريء الكريم---- السؤال : في أية بقعة يسكن كاظم السماوي في جغرافية وتأريخ الشعر الوطني والأممي الثوري ؟ متمنيا أن تكون الأجابة مرضية للبعض ( لكون رضاء الناس غاية لا تدرك ) رحماك يا أبا الحسن وهي :
أولاً- يتسم شعر السماوي بمزج النشاط الوطني بالنشاط الأدبي والثقافي ، بحيث لم يتمكن من أخفاء عشقه الممنوع سياسياً في جغرافية الوطن وتأريخه ، فقد شرب من مرارة الغربة والبعد عن الحبيب العراق حتى الثمالة ، خمسين عاما في المنفى حتى سميّ بشيخ المنافي ، وهو يقترب بآهات وآلام مما تعانيه الطبقات الكادحة والفقيرة ، ولم يتخلى عنهم يوما ، فوجدت ترجمتها في قصائده الوطنية في حب العراق وشعب العراق ، وقف شامخا متحديا الدكتاتوريات الغاشمة التي توالت على رقبة المواطن المظلوم ، فتارة تجده حادياً للقافلة ، وأخرى عابراً للحدود ليتصافح مع جيفارا وهوشي منه ، وتلك صفات الشاعر المتمرد على الواقع المرْ ، وجدتُهُ يعلمنا الصبر والمطاولة في ديوانه " إلى الأمام أبداً "
ثانياً- أن الأنسنة تكاد تؤطر جميع قصائده ، فهو نموذج أنساني للأنسان المثقف ، وقد أصدر " جريدة الأنسانية " بعد ثورة 14تموز 1958 ، وكتب بصوتٍ عالٍ متوّج بالعنفوان والكبرياء والتحدي { أنا إنْ خسرتُ العمرَ لم أخسر خطاي --- حاصرتُ منتفضاً حصاري --- ليس من أحدٍ سواي --- فأنا التوازن والتناقض والمصير } ، وتدافعت وطنيته وحبهُ للشعب الكردي أصبح من أبرز مناصري ( القضية الكردية ) ضد الطغيان العرقي البعثي الصدامي ، لذا كتب في رثائه السيد جلال الطالاباني :{ مُني شعبنا بخسارة فادحة بفقدان رمز من رموز النضال الوطني ، وعلم من أعلام الثقافة العراقية ، لم يكفْ صوتهُ الهادر وحتى كان حبيس السجون والمعتقلات ، مدافعا عن الفقراء والمعدمين ، وكان صوته الصارخ بأناشيد الحرية عابر للأسوار ممجداً للأنسان ، تعازي الصادقة لأسرة الفقيد " كاظم السماوي " ومحبيه ، وأعزي نفسي بفقدان صديق ورفيق درب وكفاح } ---- جلال طلباني ( رئيس جمهورية العراق ).
ثالثا- ووجدتُ كاظم السماوي في ( الوطنية الأممية ) هوية وعنواناً في ملحمة الحرب والسلام ، وقصائد للرصاص --- وقصائد للمطر، رياح هانوي ، أضافة إلى كتابين الفجر الأحمر فوق هنغاريه والثاني حوار حول ماوسي تونك وبذلك وضع مقتربات جسور الثورية الأممية مع " جيفارا وهوشي منه " ووجدت بهذه الفضاءات الثورية أبدع حين كتب عنهُ
" محمد شراره" – شاعر وكاتب حيث قال : أرأيت الزوبعة كيف تنطلق؟ والعاصفة كيف تندفع ؟ أو البركان كيف يتنفس ؟والغابة كيف تشتعل ؟ فأذا كنت قد رأيت هذه العوالم فأمزجها معا وأضف بعضها على بعض تجد أمامك كاظم السماوي الذي يسكب روحه في ( أغاني القافلة) ويذيب حياته في أحداثها ، أنهُ شاعر القافلة التي تسير في طريقٍ موحش تتواثب في قلبه الأشواك ، وترى في ( فضائله) أرواح الضحايا ، ويختلط (بنيرانه) أرواح الشهداء .
رابعاً- الغربة في شعر كاظم السماوي ، بالرغم من قوة هذا الجبل الذي يمشي على رجلين لم يتمكن من صد تيار الحنين لمدينته السماوه البادية ( الخضراء حين نثرها نخلا ووردا تحدوها أغاني القافلة وهي بوابة أكبر سجن عراقي " نقرة السلمان" مكتوبٌ على بوابتها بيت العراقيين جميعا .
وهذا مقتطف نقدي ومن أروع ما قرأت للناقد والأديب الكردي " د- نوزاد حمد عمر " في كتابه الغربة في شعر كاظم السماوي :{ لقد قام الشاعر بتوظيف الأسطورة والرمز والمفارقة والتناقض ، وبهذا توصلتُ إلى الأنزياحات الدلالية في أسلوبه ، وعند أطلاعي على نتاجات الشعراء المعاصرين له مثل الجواهري والبياتي والسياب وجدتُ ( مقاربات أدبية أبداعية ، وتقنيات السرد والموضوع وظفها الشاعر كاظم السماوي في دواوينه التسعة } .أنتهى
وقال فيه : الدكتور جورج حنا ( الكاتب التقدمي المشهور ) : { أن أشعار كاظم السماوي وبنظر الكثيرين " هو ما يجمع بين الغايتين : أي بين اللذة العقلية والشعور النفسي وبين الألهام الذهني والفكري بحيث لا يكون الشعر قالبا فنيا فحسب بل يمتزج المتلقي مع الأحداث روحاً وفكرا في أماله وألامه ، فيدفع القاريء إلى الأنتقام والثأر من الجلاد ، والأرتياح عند أستلهام الآمال والتطلعات لغدٍ أفضل } أنتهى
وأخيراً--- المنافي باتت قبور عمالقة شعراء وأدباء العراق من هادي العلوي إلى الجواهري والبياتي ومصطفى جمال الدين ---- وأليك يا أبا رياض تبقى المنافي سكن لقبورنا .
المجد والخلود لشاعر السماوة ، وكذلك نستلهم من شاعرنا الكبير فضاءات وأبجديات الحرية الحمراء والديمقراطية النقية والعدالة الأجتماعية لنواصل المسير في طريق الألف ميل الذي سار فيه شاعرنا " كاظم السماوي ------
وألف تحية لأتحاد الكتاب العراقيين – في السويد على عقد أمسية أستذكار عن حياته وشعره وذلك يوم السبت 26-3-2016 بمناسبة الذكرى السادسة لرحيل الشاعر الكبير " كاظم السماوي " هنا في ستوكهولم
في – 26 آذار - 2016
779 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع