كتابة - إيمان البستاني
مدفع افطار مزاجي---- من حكايا بنت البستاني
كنا قد اعتدنا ان نقضى صيفنا التموزي كل سنة.... ايام كان لنا وطن وجّد وجّدة ....في مدينة الموصل متنعمين منهم بجرعة حب ودلال تكفينا سنة... ونعود بعدها لبغدادنا الحبيبة .... حيث لا دار ولا عيش مثلها
صادف احدى السنين وكنت صغيرة بعمر سبع سنوات او اقل ان نزلنا في دار جدّي بالموصل ....وكان يومها رمضان قد صادف كهذه الايام في عز الحر
وكان تقليد اهل الموصل ان يراقبوا مرقد النبي( يونس عليه السلام ) من على اسطح المنازل... فأن انار مصابيحه معناها أنه ( قد أذّن المغرب ) وكأنه بهذا مدفع افطار لأشعار الصائمين بوجوب افطارهم
اجبروني اهلي بالصيام بتلك السن المبكرة والحر يشوي جمل بسمومه ... وانا المدللّة الكسولة ... فكنت في حال لا يسّر عدو ولا صديق
اضافوا لمعاناتي مهمة اخرى... وهي ان اصعد للسطح كذا مرة لأبلاغهم هل النبي يونس اضاء مصابيحه ام لا ؟ لكي يفطروا
وكانوا جدّي وجدتّي من الكبر والوهن لا يستطيعون اداء هذه المهمة فأوكلوها لي
وذلك اليوم لازلت احمل ذنبه في رقبتي لحد الان ... وقد اخذ مني الجوع مأخذاً .. فناديت عليهم وانا بالسطح والوقت مبكر بساعة ونصف ويزيد انه تمت اضاءة المصابيح ولم يبق الا ان نفطر
هرولتُ للمائدة وانا على يقين بأنه لن يستطع احد الصعود خلفي للتأكد لكون الاهل معزومين على افطار عند احد الاقارب وقد خلى الدار الا مني ومن جدّي وجدتّي ... فأخذت اكل بكلتا اليدين وسط دهشة ( ضحايا فعلتي ) وهم يأكلون معي المساكين قائلين - سبحان الله اليوم لم نشعر بصعوبة الصوم بل كان اقصر يوم
فيرد جدّي يقول - اكيد الله رحيم بعباده جعلنا نشعر بأن اليوم قصير
ويلتفتون للتأكد مني - هل رأيتي المصابيح بالفعل ؟!!؟ - فأهز رأسي وقد حشوت فمي بما افترشت المائدة من اطباق تم اعدادها طيلة اليوم مؤكدة بهزة رأس فقط وعين مذنبة
لم تفارقني هذه الحادثة طيلة حياتي ....في كل رمضان ........ صحيح ان جدّي وجدّتي رحلوا لعالم أفضل ....و صحيح ان مرقد النبي يونس رحل بيد جرذان هذا الزمان....و صحيح ان النبي حمل مصابيحه ومسبحته وقبره وهجر المدينة ..... و صحيح أني رحلت لديار الغربة ... ولكن الأصح بأنه لم يبق الا رمضان كل عام يذكّرني بما كنا و كان
كل رمضان وانتم بخير
في أمان الله
824 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع