حينما لا ينتبه المسافر العربي إلى تصرفاته

                                       

                    د. محمد عياش الكبيسي

السلوك الطبيعي والمألوف في العادة لا يلفت النظر، بخلاف السلوك الآخر الذي يترك انطباعات واسعة في الذهن وقابلة للتعميم، حتى لو كان قليلا أو نادرا.
في هذا الصيف أتيحت لي فرصة التنقل في أكثر من بلد، وقد حاولت أن أرصد بعض السلوكيات التي تركت انطباعات غير مقبولة عن عالمنا العربي، لعلنا نسهم في معالجتها ونشر الوعي المطلوب بخصوصها.

العربي بشكل عام إنسان طيب يحب مساعدة الغريب والمحتاج، ويجهد نفسه لنجدة الملهوف وإرشاد التائه، إنه صاحب نخوة ونجدة وبذل لا ينازعه في ذلك أحد، وهذه الصفات كفيلة بأن تجعله مسافرا محبوبا أينما اتجه، وقد حصل أمامي أن بنتا كانت تجلس على حافة البحر فسقطت وكادت تغرق لولا ذلك الشاب الذي كان بصحبتي، حيث ألقى بنفسه لإنقاذها دون تلكؤ أو تفكير! لكن المؤسف أن الصورة الأخرى قد تطغى وإن كانت أقل بكثير من هذه الصورة المحبوبة.
في ساحة عامة ومزدحمة جلست عائلة عربية؛ الرجل الملتحي وزوجته ذات النقاب الكامل وأولادهما وقد فتحوا ما معهما من طعام وفاكهة فأكلوا ثم قاموا تاركين خلفهم ما يشبه الكارثة حتى قشور البطيخ! كان بودي أن أقوم بنفسي وأمسح آثار هذه الجريمة لكني لم أفعل، وبقي الألم في صدري؛ لماذا يا أخي؟ لماذا يا أختي؟ لماذا أيها الأولاد الطيبون؟ ربما كانت غفلة أو سقطة غير مقصودة، لكنها بالتأكيد ستترك انطباعا في غاية السوء، ليس باليسير محوه أو التخفيف منه.
في مكان آخر كان الجو ممطرا وكان أخونا يمشي وخلفه امرأته التي تجر وراءها ذيل عباءتها بأكثر من شبرين على الأرض، وهي لا تكفه عن الماء والطين ولا عن درجات السلم الكهربائي، والناس من حولها ينظرون باستغراب واستنكار، بينما كان زوجها يلبس بنطالا قصيرا للركبة ويضع على رأسه قبعة كأنه أوروبي! وربما لو ناقشته في شأن امرأته لقال لك: يا أخي لماذا نغيّر هويتنا ولماذا نخجل من زيّنا؟
في المطعم تسمع ضجيجا وقهقهات عالية من إحدى الطاولات التي يجلس عليها شباب عرب -الله يحفظهم ويسامحهم- غير منتبهين لمشاعر الآخرين ولا لإشاراتهم وهمهماتهم، وقد طلبوا من الطعام أضعاف حاجتهم، ولا أدري هل كانوا يتباهون بذلك أمام الناس أو أنهم كانوا يجرّبون فقط، لكن العمال بعدهم كانوا في حيرة كيف يتعاملون مع كل هذه البقايا ومع أطباق لم تمس، يتكلمون فيما بينهم، ويكلموننا أيضا استهجانا واستنكارا!
أكثر شيء آلمني أن أستاذا فاضلا حاول أن يستأجر شقة في منطقة راقية ومحترمة، وبعد الاتفاق مع المكتب على كل شيء يرفض صاحب الشقة حينما يعلم أن المستأجر عربي، ثم يتكرر هذا ثلاث مرات في المنطقة ذاتها! لا أدري أي عرب قد مرّوا من هنا ذات يوم فتركوا كل هذا الانطباع؟ إن العرب بكل تأكيد ليسوا كذلك، ولكنهم بعض الأفراد الذين يظنون أنهم يباح لهم في السفر ما لا يباح لهم في الحضر، وأن (العيب) إنما هو بين الأقرباء والأصدقاء وليس بين الغرباء! إنه النقص الواضح في برامجنا التربوية والتعليمية والإعلامية

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

767 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع