حرب الجيل الرابع ...

                                      

                        اللواء الركن
                علاء الدين حسين مكي خماس


حرب الجيل الرابع 4GW Fourth Generation Warfare

استهلال

كثر الحديث والكتابة في السنوات الأخيرة عن موضوع جديد نسبيا يتعلق بفن الحرب وتفرعاتها، وهو موضوع حروب الجيل الرابع. وقد تباينت الآراء حول الموضوع فمنهم من يؤيدها ومنهم من ينكرها. ولأهمية الموضوع المطروح ومن اجل تبسيط فهمه لمن يرغب من القراء الكرام من غير الاختصاصيين الاستراتيجيين او العسكريين، رأيت ان استل الصفحات الآتية من بين دفتي كتاب جديد اعمل على كتابته في هذه الفترة يتناول العقيدة العسكرية وجوانبها المختلفة، وان التمس من مجلتنا الغراء الموافقة على نشره أن ارتأته صالحا لذلك .  
مدخل
حرب الجيل الرابع، مصطلح ابتدعه المفكرون الأمريكان. وقد ظهر في نهاية أعوام ثمانينيات القرن الماضي حيث طرحه بعض المفكرين والكتاب العسكريين، لكنه توسع وازداد انتشارا، وازداد عدد المفكرين الذين تبنوه بعد الحرب العدوانية التي شنها الأمريكان وحلفاؤهم على العراق عام 2003، وبالتحديد في عام 2004 حينما اندلعت حركة المقاومة الوطنية العراقية للاحتلال الأمريكي، وتبين للأمريكان انهم قد دخلوا مستنقعا يصعب خروجهم منه وتحققت مقولة أن دخول الحرب سهل جدا لكن أنهاءها امرٌ صعب ٌ، لان دخول الحرب يعتمد على إرادة طرف واحد بينما أنهاؤها يعتمد على إرادة أكثر من طرف. لقد أدت عمليات المقاومة الشعبية الباسلة في العراق للغزو الأمريكي إلى إدراك الأمريكان منذ عام 2004 انهم لا يمكنهم ربح هذه الحرب أو أنهاءها بالطريقة التي أرادوها أو خططوا لها. كما أن أساليب المقاومة العراقية قد أذهلت الأمريكان ووجدوا أن من الصعب عليهم التغلب عليها باتباع أساليبهم التقليدية المطبقة حتى ذلك الوقت من قبل قواتهم. وهنا ظهر عدد من المفكرين منهم (وليام ليند) الذي بدأ بطرح فكرة حرب الجيل الرابع بشكل موسع، وبدأ يروج لها من خلال عقد ندوات مستمرة حول هذا الموضوع شارك فيها ضباط من قوات مشاة البحرية الأمريكية (المارينز) ومن الجيش والقوة الجوية والبحرية وقوات الحرس الوطني أيضا. إن تناول هذا الموضوع يحتاج إلى كتاب كامل وليس إلى بضعة أوراق، لذا سأكتفي بهذا القدر من المقدمة، وأعود إلى تناول الأمور الأساسية للفكرة لبيان مفهومها للقارئ الكريم. فما هي فكرة حروب الجيل الرابع؟ بل ما هي فكرة تقسيم الحروب إلى أجيال أصلا؟ هذا ما أود التطرق اليه ولو باختصار في الصفحات اللاحقة.
إذا قبلنا بمقولة إن المبادئ الجديدة للحرب لم تعد مقتصرة على استخدام القوات المسلحة لإجبار الخصم على الرضوخ لإرادة المنتصر، بل أنها تطورت لتشمل استخدام جميع الوسائل المتاحة، بما في ذلك القوات المسلحة وغير المسلحة والأسلحة الفتاكة وغير الفتاكة من اجل إجبار الخصم على الرضوخ لإرادة المنتصر أو القبول بتنفيذ مصالحه الحيوية، عند ذاك يتعين أن نفكر بان الحروب التي تم خوضها حتى الآن قد تطورت بما يجعل هذه المبادئ قابلة للتطبيق.
لقد استفاد الأنسان المعاصر من التكنلوجيا بشكل كبير جداً بحيث أصبح من الصعوبة بمكان السيطرة عليها وعلى انتشارها عالمياً. لأن جميع مناحي الحياة قد استفادت من التكنلوجيا وانتشارها ، لكن تأثيراتها على الحرب وطرق خوضها كانت ملموسة بشكل اكبر من المناحي الأخرى. وقد ظهر تأثير الاختلاف التكنلوجي بين الخصوم في الحروب الأمريكية التي شنت على العراق والمسماة حروب الخليج وعاصفة الصحراء وأم المعارك ومن ثم غزو العراق عام 2003، وكذلك من الحرب على أفغانستان، والتي مازالت دائرة حتى الآن بين أطراف متفوقة تكنلوجياً وأخرى اقل تفوقا في هذا المجال. ولازدياد الفروق والاختلافات بين تقنيات الحرب فان أساليب معالجة والتعامل بين الخصوم قد تغيرت. ونتج عن ذلك أن ظهرت أنواع من الحروب لم تكن معروفة قبلا، وسنرى ماذا يمكننا أن نسميها فيما بعد. لكننا لابد أن نواصل الحديث عن هذه الأنماط من الحروب كي نواكب التطور الفكري والنظري والتسليحي، وان نتابع الأساليب الجديدة التي قد تستخدمها الأطراف المتصارعة لمعالجة التهديدات المستجدة في كافة الميادين.
أصول وجذور الحرب
الحرب ظاهرة إنسانية ليست بالحديثة، فقد ظهر الصراع منذ أن بدأت الخليقة، وقصة قتال قابيل وهابيل معروفة. وقد تطورت هذه الصراعات والحروب بتطور البشر. لذا فإن التفكير بمستقبل الحروب والأشكال والأنماط التي ستأخذها يستدعي الدراسة المعمقة والمتأنية للتاريخ الماضي. لأن الانبهار الحالي بالمخترعات والتقنيات الحديثة وتأثيراتها التي لا يمكن نكرانها على الحروب، غالبا ما تحجب رؤيتنا للأبعاد الأخرى للحرب. لقد تتبع المؤرخون التأثيرات التي تحدثها العوامل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية على تطورات الصراع .وكان للمتغيرات الثقافية والحضارية أدوارٌ وآثارٌ واضحة في التفكير بمستقبل الحروب وأثرت على أساليب استشراف مستقبلها .
تحديد مفهوم أجيال الحرب
إذا تناولنا المنظور التاريخي يمكننا أن نلاحظ أن التطورات في الحروب خلال الأجيال كانت تأخذ أشكالاً مختلفة. منها تطورات فجائية واضحة مثل التطورات من الأسلحة النارية التقليدية كالطبنجات وصولا إلى الأسلحة النووية، ومنها تطورات تدريجية وسلسلة ومن دون إدراك متى ابتدأت، كقتالات جماعات المقاومة والمجموعات غير المنضوية تحت تنظيمات أو قوات مسلحة رسمية ، أي خارج اطار الدولة،  وتطورها إلى قتالات الجماعات الأكبر حجما والأكثر تنظيما بالرغم من عدم اتباعها دولا معينة، بل ربما تتبع كيانات سياسية هي ليست بالدول وتسمى هذه القوات بالمليشيات، وصولا إلى قتالات الجماعات التي أصبحت تدعى هذا اليوم من قبل العالم بالجماعات الإرهابية أمثال داعش وغيرها. لذا فان المفكرين العسكريين والحربين في العالم يختلفون أيضا حول تحديد الحدود بين التغيرات لهذه الأجيال. علاوة على أن بعض عناصر الحرب يمكن أن تنتقل وتستمر من جيل إلى آخر.
الخطوط العامة لأجيال الحرب
آ. الجيل الأول: يرى البعض أن حروب الجيل الأول تعكس الأساليب التعبوية التي انتشرت في زمن الأسلحة النارية ذات السبطانات الملساء والطبنجات ، وكذلك في أساليب القتال بشكل خطوط متعاقبة من قبل الحشود العسكرية . وكان سبب اتباع أساليب تعبئة الخطوط منبثقا من فكرة أن القتال بخطوط يزيد من تأثير القوة النارية التي يمكن تصويبها على العدو، ومن التمسك بالسياقات والتعليمات الصلبة الضرورية للحصول على اقصى سرعة رمي .. الخ، وكذلك كاستجابة للظروف الاجتماعية والأفكار الملازمة لها. فمثلا كانت الجيوش الثورية الفرنسية تعكس كلا من عاملي الحماس الثوري للجنود، وهبوط مستوياتهم التدريبية كونهم مجندين الزاميين وليسوا متطوعين . وبالرغم من أن هذه الأساليب أصبحت بالية عند ظهور البنادق ذات السبطانات المحلزنة والتي تُملأ من الخلف ( من حجرة السبطانة وليس من الفوهة كما في السابق)، لكن بعض ظواهر حرب الجيل الأول ما زلت تبدو واضحة في التعبية الحالية من خلال اللجوء إلى القتال الخطي أحيانا في ميدان المعركة. إن حرب الجيل الأول يمكن أن تلخص بانها تتمثل في استخدام الحشود البشرية (الحروب النابوليونية ، انتشار التجنيد الالزامي وانتشار الأسلحة النارية ، وتناقص دور قوات المرتزقة ).
ب. الجيل الثاني: كانت حروب الجيل الثاني بمثابة استجابة لظهور البنادق والطبنجات ذات السبطانات المحلزنة، والتي تُملأ من الخلف ، وإلى شيوع استخدام الأسلاك الشائكة ، والرشاشات وإلى استخدام أساليب الرمي غير المباشر للمدفعية . كانت الأساليب التعبوية تستند إلى فكرة النار والحركة، وبقيت أساسا تعتمد على الشكل الخطي للقتال. وكانت القطعات في صفحة الدفاع تقاتل أساساً لمنع العدو من خرق المواضع الدفاعية، بينما في صفحة الهجوم كانت القطعات تهجم أو تتقدم بشكل خطوط منتشرة وباندفاعات سريعة وبمجموعات صغيرة. وقد يكون الفرق الرئيس بين حرب الجيل الأول والثاني، هو استفادة الأخيرة بشكل كبير من أساليب الرمي غير المباشر للمدفعية، ويمكن تلخيص حرب الجيل الثاني بالمفهوم الفرنسي (المدفعية تربح والمشاة يحتل the artillery conquers. The infantry occupies) ، أي أن الحشود النارية قد حلت محل الحشود البشرية. ونلاحظ هنا انه في الوقت الذي لعبت فيه النظريات والأفكار والأساليب الجديدة دوراً كبيراً في تطوير الأساليب التعبوية ولاسيما الانتشار الخطي لحروب الجيل الثاني، لكن التأثير الأكبر كان للتكنلوجيا في هذه الحروب. ويمكن تلخيص مظاهر هذه الحروب باستخدام الكثافة النارية المتفوقة وهيمنة الدول على عناصر وموارد إدارة الحروب (الحرب الأهلية الأمريكية والحرب العالمية الأولى).
جـ. الجيل الثالث: جاءت حروب الجيل الثالث كاستجابة لتنامي القوة النارية في ميدان المعركة، لكن الدوافع الأكبر للتطوير كانت النظريات والأفكار والأساليب الجديدة. فنجد أنه قبيل الحرب العالمية الثانية، لجأ الألمان، بعد أن أدركوا أنهم لن يتمكنوا من مجاراة خصومهم في مجال التفوق المادي والكمي بسبب ضعف قاعدتهم الصناعية في الحرب العالمية الأولى ، لجأوا إلى تطوير أساليب تعبوية جديدة وجذرية تماماً تعتمد على أساليب المناورة بدلا من الاستنزاف، وتمثلت في تعبية الحرب الخاطفة blitzkrieg التي طبقوها بنجاح مذهل في الحرب العالمية الثانية وباستخدام أساليب السرفة والجناح ( تعاون الدروع والقوة الجوية لاسيما الطائرات المنقضة) وكذلك اللجوء إلى أساليب تخطي المقاومات والضرب في العمق وضرب العدو من الخلف وأساليب الاقتراب غير المباشر. لقد كانت حرب الجيل الثالث هي أول الحروب التي تخاض بموجب أساليب تعبويه لا خطية. لذا يمكن تلخيص حرب الجيل الثالث بانها حرب المناورة وحروب القطعات المدرعة (الحرب العالمية الثانية).
د. الجيل الرابع: يقول المفكر العسكري (وليام ليند) الذي كان أول من اطلق فكرة حرب الجيل الرابع الاتي ((فيما يتعلق بحرب الجيل الرابع، فان مصطلح –الجيل-هو مصطلح مبسط لمفهوم -التحول الكمي الدايلكتيكي Dialectically qualitative shift-)) . ويستمر السيد (ليند) فيقول، ((ونظرا لأنني كنت أنا من اطلق الاطار الفكري لهذا المفهوم الجديد للحرب، فقد استعملتُ كلمة (الجيل -generation ) بدلا من مصطلح التغير الكمي الدايلكتيكي ، لان كتاباتي وخطابي كان موجها إلى جنود مشاة البحرية الأمريكية المارينز Marines ، ولو استخدمت مصطلح التغير الكمي الدايلكتيكي لما فهموه أبداً . وكما قد يشيرنا المفكرون الألمان فان التغير الكمي الدايلكتيكي قلما يحدث)). وبرأي المفكر (ليند)، ((إن مثل هذا التغيير على مفهوم الحرب قد حدث ثلاثة مرات فقط منذ معاهدة ويستفاليا  المشهورة في اوربا والتي وقِّعَت عام 1648 في اوربا والتي أنهت حروب الثلاثين عاما ، والتي اصبح شن الحروب بعدها حكرا على الدول وليس على الجماعات كما كان قبل المعاهدة . وان التغير الرابع هو الذي حدث في نهاية القرن العشرين.)) انتهى قول المفكر (ليند)، يمكننا إذن تلخيص فكرة الجيل الرابع للحرب بانها (مقاتلين لا نظاميين وصراعات فكرية وعقائدية) (نهاية ثمانينات القرن العشرين وحتى الوقت الحاضر).
 ومن الجدير بالذكر أن لمفهوم، أو لنظرية تقسيم الحروب إلى أجيال وصولا إلى حروب الجيل الرابع، بل وربما حروب الجيل الخامس، لها معارضين أشداء مفوهين، كتبوا بحوثا بهذا الخصوص ونشروها مفندين بشدة أفكار السيد (ليند) وأفكار مؤيديه من المفكرين الآخرين مثل المفكر (مارتن فان كريفيلد) والذي ألف كتبا تناول فيها فكرة حروب الجيل الرابع منها كتاب (التكنولوجيا والحرب Technology and war ). المهم هنا أن معارضي فكرة أجيال الحرب هم مفكرون أمريكان أيضا ويرون أن طرح مثل هذه الأفكار من قبل المفكرين إنما هو مضيعة للوقت والجهود، وينبغي على المفكرين أن يركزوا جهودهم في كيفية التوصل إلى مقاومة الأخطار الجديدة المتمثلة بالجماعات المسلحة التي لا تتبع دولة أو دولاً ما والتي سبق لنا ذكرها، بما هو متوفر فعلا من أفكار ونظريات تصلح لهذه المهمات بدلا من الدخول في متاهات فكرية تؤدي إلى التشويش على أفكار المخططين السياسيين والاستراتيجيين نزولا إلى المخططين الميدانيين وبالتالي القوات المقاتلة. من هؤلاء المفكرين المعارضين لفكرة أجيال الحرب هو المفكر الأمريكي     Antulio J. Echevarria II))  والذي نشر بحثا بعنوان ((Fourth Generation War And Other Myths ) . يمكن لمن يريد الاستزادة الرجوع اليه على هذا الرابط: http://ssi.armywarcollege.edu/pdffiles/pub632.pdf . وكذلك الباحث الكندي ( وليام بتش William Pitch  ) عام 2017 وبعنوان حرب الجيل الرابع لا أساس لها (  4th Generation Warfare is Groundless)  للاطلاع عليه انظر الرابط :
http://www.realcleardefense.com/articles/2017/01/25/4th_generation_warfare_is_groundless_110690.html
في الأسطر التالية سوف نحاول أن نورد بعض التعاريف والمفاهيم المتداولة حاليا من قبل معظم المفكرين والمنظرين لهذا الجيل من الحرب والذي ما زال متفاعلا ومتطورا.
التعريف
يمكن تعريف حرب الجيل الرابع بانها فعاليات حربية تستعمل الأساليب الآتية لتحقيق الانتصار:
أ‌.خلخلة نقاط قوة العدو (قد يبدو هذا الأمر واضحاً، إذ أن معظم أنواع الحروب المعاصرة كانت تهاجم نقاط قوة العدو بشكل مباشر أي العمل بمبدأ -اعثر على العدو ودمره) .
ب‌.استثمار نقاط ضعف العدو.
جـ. استخدام الأساليب والعمليات اللامتماثلة Asymmetric ( الأسلحة والتقنيات التي تختلف بشكل جذري عن أساليب وعمليات الخصم).
الأسباب والعوامل المؤثرة
تعتبر حروب الجيل الرابع نتيجة وسبب لما يأتي
آ. فقدان الدول احتكارها التام ولسيطرتها المطلقة على أعمال العنف. فلم تعد الدول وحدها هي التي تدخل حروبا أو تبدأ أعمالا عسكرية وقتالية بل ظهرت جماعات ومليشيات مسلحة أخرى يمكنها ذلك
ب. تنامي الصراعات الثقافية والاثنية والدينية.
جـ. ظاهرة العولمة (من خلال الاستخدام الواسع للتقنيات المتوافرة)

الأساليب التعبوية
يتم إدارة وخوض حروب الجيل الرابع في المستوى التعبوي من خلال:
آ. عمليات المناطق الخلفية (لا يقوم مقاتلوا حروب الجيل الرابع بمواجهة القوات العسكرية للدولة ابتدأ، بل انهم يقومون بمهاجمة مجتمعاتها)
ب. الحرب النفسية بواسطة الأعمال الحربية اللامتوقعة وغير المتعارف عليها. ومن هذه العمليات الحربية التي تعتبر من مكونات الحرب النفسية أعمال حركات المقاومة الوطنية المسلحة ضد قوى الاحتلال بكافة أشكالها، والتي قد تصفها قوات الاحتلال بأعمال التمرد. كذلك عمليات الجماعات الإرهابية سواء كانت معتمدة على ايدلوجيات دينية او دنيوية.
جـ. الاستخدام المبتكر والأبداع ( استغلال نقاط قوة العدو وجعلها نقاط ضعف لديه ، أي جعل العدو يعمل ضد نفسه).
المميزات الرئيسية لحروب الجيل الرابع
إن معظم الأساليب المستخدمة في حروب الجيل الرابع لا تعتبر أساليباً جديدةً بل لها سوابق وأمثلة تاريخية راسخة. ومع ذلك توجد اختلافات هامة في كيفية تطبيقها وتنفيذها في الوقت الراهن. وتشمل هذه النقاط الآتية
آ. العولمية أو العالمية: إن التقنيات الحديثة المعاصرة والتكامل الاقتصادي العالمي يسهل العمليات على مستوى العالم ويجعلها ممكنة.
ب. الانتشار الواسع: إن تدهور سلطات الدولة واضمحلال سيطرتها المطلقة على موضوع شن الأعمال القتالية والحروب، جعل جميع النزاعات والصراعات المفتوحة تلجأ إلى أساليب حرب الجيل الرابع.
جـ. الانقسام والتبلور: يجعل من مجموعات من أعداد صغيرة لكنها متماسكة قادرة على شن صراعات أو حروب لأسباب مختلفة.
د. الوهن: تكون المجتمعات والاقتصادات المفتوحة واهنة تجاه هذا النوع من الحرب.
ه. التقنية والتكنولوجيا: عززت التقنيات الحديثة بشكل كبير جدا من تأثير المجموعات المقاتلة الصغيرة التي يشن مقاتلوها حربا من الجيل الرابع.
و. وسائط الإعلام: إن تشبع العالم بوسائل الإعلام المنتشرة بشكل واسع يمكن وبشكل مذهل الجماعات المقاتلة بأساليب حرب الجيل الرابع من التلاعب بهذه الوسائط.
ز. العمل الشبكي (الشبكات): إن الأنماط التنظيمية المعاصرة والتي أصبحت ممكنة بسبب التطورات التقنية الحديثة ، اكثر قدرة على التعلم والتأقلم ، والاستمرارية والعمل .
كيف يمكن تحقيق الانتصار في حروب الجيل الرابع
إن المجال الأخلاقي هو المجال الذي يمكن من خلاله تحقيق الانتصار في هذا الجيل من الحروب. لأن غاية حرب الجيل الرابع هي تدمير الروابط الأخلاقية التي تشد أو تحافظ على تماسك الكيانات الأصيلة وعلى عملها المنتظم. ويمكن لهذا الأمر أن ينفذ من خلال
آ. التهديد والرعب: الهجمات التي تخلخل أو تهدد الغرائز الإنسانية الأساسية في المحافظة على البقاء.
ب. تدمير الثقة المتبادلة: زيادة الاختلافات والانقسامات بين المجموعات (المحافظة واللبرالية في المجتمعات).
جـ. الشك: خلخلة النشاطات الاقتصادية بواسطة تقليل درجة الثقة والتفاؤل بالمستقبل.
حرب الجيل الخامس
بالرغم من أن الاطار الفكري لمفهوم حرب الجيل الرابع مازال حديثا نسبيا، لكن بعض المراقبين وبعض المفكرين العسكريين أخذ يطرح الآن مفهوما جديدا اسماه حرب الجيل الخامس. ويقولون إن حرب الجيل الخامس هي ما فرضته التقنيات الجديدة، مثل النانو تكنولوجي Nanotechnology (التقنية المصغرة جدا) ويعرفها آخرون بانها صراع الدولة من اجل الحفاظ على هيمنتها على الحرب واحتكارها لها بوجه التحديات التي تشكلها حرب الجيل الرابع. وقد عرفها مفكر آخر بانها عمل إرهابي تركبه جماعة ما بطريقة تلقى فيها اللوم على جماعة أخرى، وهو ما يعرف تقليديا pseudo-operations أي العمليات الزائفة أو الكاذبة. وهم يرون أن القتال
وفي هذا المجال يقول المفكر والمنظر العسكري (وليام ليند) الذي أشرنا اليه سابقاً، أو الذي أطلق مفهوم استخدام مصطلح (جيل) لوصف التطورات التي تحدث على مفهوم الحروب ونظرياتها عبر الأجيال. يقول هذا المفكر ((انه لمن الأمور الجيدة والملائمة أن يبدأ الناس بالتفكير إلى ما بعد أو خارج إطار مفهوم حرب الجيل الرابع، لان الأفكار جميعها هي من الأمور ذات القيمة العليا. لكن الإطار الفكري لمفهومٍ ما، يجب أن يبقى منفتحا للمناقشة وإلاّ تحول هذا الإطار إلى أيدلوجية، وهذا ليس هو المرغوب لان هذا أن حدث فان الفكرة لن تتقبل الأفكار الأخرى ولا تطوراتها. وبالرغم فمن المبكر جداً أن تُطرح الآن فكرة حرب الجيل الخامس. إن احدى أسباب هذه الفوضى الفكرية ربما تكون الفهم الخاطئ لما تعنية كلمة (جيل). من الأمور البسيطة لفحص ما إذا كان حدث ما يشكل تغيرا جيلياً generational shift، هو انه اذا كان هناك ما يشبه التعادل في حجم جيشين متحاربين، إلا إن جيشا من الجيل السابق لا يمكنه التغلب على جيش من الجيل الجديد. فمثلا، في عام 1940 لم يتمكن الجيش الفرنسي المنظم والمدرب على حروب الجيل الثاني (أي الاستفادة من التفوق الناري) من التغلب على الجيش الألماني المنظم والمدرب على حروب الجيل الثالث (أي الاستفادة من المناورة والحركة السريعة) بالرغم من ان الجيش الفرنس كان يمتلك عددا اكثر من الدبابات من الجيش الألماني، وافضل منها صنعا ومتانة.
ومن الناحية الأخرى يمكن القول انه بالرغم من إن الاستمرار بالتفكير إلى ما بعد حرب الجيل الرابع هو امر مرحب به، لكن هناك عقبات كبيرة ينبغي تجنبها. من هذه العقبات هي التفاوت التكنلوجي بين اطراف النزاع والفكرة الخاطئة التي تقول أن نتيجة الحرب إنما تقررها نوعية الأسلحة وتفوقها، ويشير المفكر (مارتن فان كريفيلد ) في كتابه التكنولوجيا والحرب Technology and war ويؤكد بشدة إلى أن التكنولولجيا قلما كانت العامل الذي يقرر نتيجة الحروب. لذا واستنادا إلى المناقشات أعلاه والى الواقع الحالي فان التفحص المتزن والموضوعي لمفهوم حرب الجيل الخامس يشير إلى إن المفكرين الذين بدأوا بطرح هذه الفكرة، لم يفهموا بشكل واضح التغيرات الكبرى التي تطرحها فكرة حرب الجيل الرابع. إن فقدان الدول هيمنتها واحتكارها ليس فقط على الحروب، بل على المنظمات الاجتماعية وعلى أولوية الولاءات، تغير كل شيء. فإننا مازلنا حتى الآن في المراحل الأولى من ادراك مفهوم حروب الجيل الرابع وما تمثله او ما ستفرضه من تغيرات أو ما ستؤدي إلى انهائه)) انتهى تعليق المفكر ( ليند) عن فكرة حرب الجيل الخامس. وبدورنا نؤيد ما ذهب اليه هذا المفكر بل نزيد عليه القول بإن فكرة حروب الجيل الرابع هي نفسها مازالت فكرة غير مستقرة ومثيرة للجدل، بل أنها كنظرية ما زالت في مرحلة التجريب والتدقيق والتمحيص، ولم تصبح أمرا واضح المعالم سهل الفهم. لذا فان طرح مفهوم حرب الجيل الخامس امر متسرع ومبكر جداً، وان تم تداوله والتوسع به سيؤدي حتما إلى تشوش الفكر العسكري العالمي المعاصر. لذا نفضل التمسك بما نعرفه من أفكار ونظريات ثابتة لتجنب الانزلاق إلى منزلقات نحن في غنى عنها.

.1صلح وستفاليا (Peace of Westphalia) هو اسم عام يطلق على معاهدتي السلام اللتين دارت المفاوضات بشأنهما في مدينتي أسنابروك (Osnabrück) ومونستر (Münsterr) فيوستفاليا وتم التوقيع عليهما في 15 مايو 1648 و24 أكتوبر 1648 وكتبتا باللغة الفرنسية. وقد أنهت هذه المعاهدات حرب الثلاثين عاماً في الإمبراطورية الرومانية المقدسة (معظم الأراضي في ألمانيا اليوم) وحرب الثمانين عاماً بين إسبانيا ومملكة الأراضي المنخفضة المتحدة. ووقعها مندوبون عن إمبراطور الإمبراطورية الرومانية المقدسة فرديناند الثالث(هابسبورغ)، ممالك فرنسا، إسبانيا والسويد، وجمهورية هولندا والإمارات البروتستانتية  التابعة للإمبراطورية الرومانية المقدسة.

  

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1173 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع