الدكتور محمد عياش الكبيسي
كيف نقرأ القرآن في رمضان
شهر رمضان هو شهر القرآن، وكان -عليه الصلاة والسلام- يتعاهد القرآن في رمضان أكثر من أي شهر آخر، والمسلمون على هذه السنّة، يتسابقون إلى تلاوته في الليل والنهار فرادى وجماعات، في البيوت والمساجد، وبعضهم يلزم نفسه بختمات متعددة، وكل هذا من الفعل المحمود الذي ينبغي الاستمرار فيه، والتشجيع عليه.
إلا أن السؤال الذي ينبغي الاعتناء به، ترى ما الحكمة من قراءة القرآن وإعادته مرّات وكرّات؟ وما الذي يستفيده المسلم في حياته؟ وما الذي يقدّمه لغيره؟
إن واحدة من أبرز إشكالات التديّن التي نعيشها اليوم هي الفصل بين العبادة وبين غاياتها ومقاصدها، ولذلك تتضخم عندنا العبادات وتتضاءل عندنا غاياتها المرجوّة، وآثارها الملموسة في الحياة، حينما نفكّر مثلاً في صلاة الجماعة والغاية التي شرّعت من أجلها، ثم نقارن بين ازدحام الناس في المساجد حرصاً على الجماعة وبين غياب روح الجماعة في حياتهم، إلى الحد الذي لا يعرف المصلي اسم أخيه الذي يصلّي معه في مسجد الحيّ كل يوم، فإننا أمام إشكالية دينية قبل أن تكون إشكالية مجتمعية أو إنسانية.
إن المسلمين الذين يقرؤون القرآن بهذه الكثرة وبهذا الحرص ينبغي أن نرى أثر القرآن فيهم، على أقل تقدير من الناحية المعرفية العامة، والتصورات والمبادئ الكلية، فإذا لم يتفق المسلمون المتديّنون على هذه الأسس.. فأين أثر القرآن فيهم؟
المسلمون المتديّنون اليوم -فضلاً عن غيرهم- يختلفون حتى في تصوّراتهم عن الحق والباطل، والفضيلة والرذيلة، والأمانة والخيانة، وانظر إليهم إزاء أي حدث كيف يختلفون؟ وكيف يتعاملون مع بعضهم بعد اختلافهم؟ وكيف يتراشقون بالآيات التي كانوا قبل قليل يقرؤونها سويّة في مساجدهم؟
هل رأيت اثنين من المتخاصمين في الدين قد تمكنا من حل خصومتهما بعد أن قرآ القرآن كاملاً في رمضان؟ كيف إذن نطلب من العالم أن يصدّقنا حينما نعدهم بالحل الإسلامي؟
إن مفتاح الجواب لكل هذه التساؤلات هو أن نعترف أننا في الغالب نقرأ القرآن من غير وعي، فقراءة القرآن بلا وعي تحيلنا إلى ما يشبه الأجهزة التي يصدر منها صوت القرآن، وهي آلات جامدة لا تستفيد من القرآن ولا من غيره.
إن القرآن الذي أمرنا بالتلاوة أمرنا أيضاً بالتدبّر: (أفلا يتدبّرون القرآن)، وأمرنا بالتفكّر: (إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون)، وأمرنا بالتعقّل: (إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون)، فلماذا ترجح عندنا كفّة التلاوة على كفّة التدبّر والتفكّر والتعقّل؟! ثم كيف ينتفع القارئ بكلام لا يفهمه؟!
من الناحية العملية، لو حرص المسلم أن يختم في رمضان ختمة واحدة بفهم ووعي فهو لا شك خير له وأكثر ثواباً من تكرار الختمات بغير فهم ولا وعي، ولا بأس أن يبدأ بختمتين معاً، ختمة للتلاوة وختمة للتدبّر.
ومثل ذلك، لو واظب على صلاة التراويح في مسجد معيّن، فيقرأ من تفسير ميسّر ما يتوقّع أن يقرأه إمامه، ليضمن قدراً من الخشوع الواعي في صلاته، إذ الخشوع في الصلاة عنوان الفلاح:(قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون)، والذي لا يفهم الكلام لا يمكن أن يخشع له.
843 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع