د. منار الشوربجي
مشروع القانون الذي أصدره مجلس الشيوخ الأميركي الأسبوع الماضي، بفرض عقوبات جديدة على كل من روسيا وإيران، يمثل منعطفاً مهماً من أكثر من زاوية، ورغم أن أمامه مراحل عدة حتى يتحول لقانون، إلا أنه مؤشر مهم على طبيعة المزاج العام في واشنطن، فالمجلس وافق على مشروع القانون بأغلبية ساحقة، وهى أغلبية تمثل الاستثناء لا القاعدة في مجلس الشيوخ تحديداً، الذي تلعب فيه الأقلية العددية دوراً لا يستهان به، خصوصاً في ظل الاستقطاب السياسي الحاد في واشنطن منذ عقود.
مشروع القانون صدر في خضم أجواء سياسية ملتهبة، فهناك أكثر من تحقيق تجريه جهات متعددة، وتطال مسؤولين حاليين وسابقين بالمؤسسة التنفيذية، ووصولاً للرئيس نفسه.
هناك التحقيق الذي يجريه المحقق المستقل مولر، الذي عينته وزارة العدل، وهناك التحقيق الذي يجريه مكتب التحقيقات الفيدرالية، فضلاً عن التحقيقات التي تجريها أربع لجان مختلفة بالكونغرس، وكل تلك التحقيقات تبحث، ليس فقط في مسألة سعى روسيا للتأثير في الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة، وإنما في ما إذا كان قد حدث تنسيق بين الروس وأي من مسؤولي حملة ترامب الانتخابية، أو الحلقة الضيقة المحيطة به، وأروقة مجلس الشيوخ الأميركي لم تكن بعيدة عن كل ذلك.
في إطار التحقيقات التي يجريها المجلس نفسه، استدعت لجنة الاستخبارات، مسؤولي أجهزة الاستخبارات المختلفة للشهادة أمامها، وهي الشهادات التي أغضبت بعض الأعضاء.
استدعت اللجنة جيمس كومي مدير مكتب التحقيقات الفيدرالية السابق، الذي أقاله ترامب، للشهادة أمامها.
وهي الشهادة التي كان جزء منها علنياً مذاعاً، بينما اختار كومي ألا يفصح عن بعض المعلومات إلا في جلسة مغلقة.
دفعت الشهادة، خلف الأبواب المغلقة على الأرجح، اللجنة لاستدعاء وزير العدل، جيف سيشنز، للشهادة، فوزير العدل كان من أهم المؤيدين لحملة ترامب الانتخابية منذ أيامها الأولى، وواحد من مستشاريه المقربين، حتى قبل تولي الوزارة.
الرجل كان قد أعلن تنحيه عن النظر في كل ما يخص التحقيقات حين يعرض عليه، بحكم منصبه الوزاري، بعد أن تبين أنه كان قد عقد لقاء مع السفير الروسي أثناء المرحلة الانتقالية وقبل توليه الوزارة.
الواضح أن ما دار في أروقة المجلس علناً أو خلف الأبواب المغلقة، قد خلق مزاجاً عاماً يسعى لفرض قيود على حرية حركة الرئيس ترامب في ما يتعلق بالسياسة الأميركية تجاه روسيا.
هذا بالضبط هو الهدف الرئيس للصياغات التي كتب بها مشروع القانون، بل والهدف أيضاً من ضم مشروع القانون الذي يفرض العقوبات على إيران، إلى مشروع القانون الذي يفرض العقوبات على روسيا، والتصويت عليهما كمشروع قانون واحد.
مشروع القانون الذي وافق عليه مجلس الشيوخ بتلك الأغلبية الساحقة، قنن العقوبات التي كان قد فرضها أوباما على روسيا قبل تركه الحكم.
أوباما كان قد أصدر تلك العقوبات من خلال قرار تنفيذي، والقرار التنفيذي أدنى درجة من القانون، وفق القانون الدستوري الأميركي.
لذلك، قام مجلس الشيوخ بضم تلك العقوبات للمشروع، حتى تصبح قانوناً للبلاد، ويفرض القانون عقوبات على من لهم علاقة بالدور الروسي الإلكتروني، أو بمد النظام في سوريا بالسلاح.
مشروع القانون، يغل يد الرئيس ترامب، إذ لا يسمح له بالتخفيف من حدة العقوبات إلا بموافقة الكونغرس، ولأن مشروع القانون الخاص بفرض العقوبات على إيران، يحظى بأغلبية عابرة للاستقطاب الحزبي في واشنطن، فقد خاضت قيادة مجلس الشيوخ، مفاوضات مع الأقلية الديمقراطية، حتى نجحت في ضم المشروعين في مشروع واحد، لأن مثل هذا الضم سيجعل من الفيتو الرئاسي بخصوص روسيا، مسألة أكثر صعوبة.
الدلالة الأهم لكل ذلك، هي أن الأغلبية في المجلس، المكونة من نفس حزب الرئيس، هي التي تسعى لوضع قيود على حرية حركته في السياسة الخارجية عموماً.
كان ذلك واضحاً من موافقة المجلس على تعديل تشريعي يؤكد على «دعم مجلس الشيوخ لحلف الناتو»، بل وللمادة الخامسة من ميثاق الحلف، التي تنص على الدفاع المشترك متى تعرضت أي دولة عضو فيه للعدوان.
التعديل يمثل امتداداً للموقف من روسيا، ورد مباشر على موقف ترامب الذي أغضب حلفاء أميركا أثناء زيارته لأوروبا الشهر الماضي.
حتى تتحول كل تلك الصياغات إلى قانون، لا بد أن يوافق مجلس النواب على مشروع القانون بالصيغة نفسها دون أي تغيير، ثم يوقع عليه الرئيس، فيصبح المشروع بتوقيعه قانوناً، ولأن مشروع مجلس الشيوخ يفرض قيوداً على حرية حركة الرئيس، فقد بدأ البيت الأبيض فعلاً بممارسة ضغوطه على أعضاء مجلس النواب في اتجاه إصدار مشروع قانون مختلف.
ستكشف الأيام القادمة عما إذا كان القانون الذي سيصدر في النهاية، سيأتي بصياغات مجلس الشيوخ أم سيختلف عنه، وما إذا كان سيتم الفصل في قانونين مستقلين، بين العقوبات المفروضة على روسيا، وتلك المفروضة على إيران.
733 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع