بقلم د. رحيـم الغربــاوي
قضية المرأة في النص الشعري ( قراءة في قصيدة وينفرط بين أيدينا عقد الجمان للشاعرة منال القطبي )
للنقد تعريفاته عبر قرونٍ من الزمن ليس لنا أن نستذكرها في مقالنا لكنَّ دعوتنا هي بدلاً أنْ يجري تعريفه عبر الماضي الصامت , ويقوده ؛ ليتحدَّث إلى الحاضر فهو ليس أقلّ من أيِّ نصٍّ آخر , بوصفه الحاضر في مسار تعبيره ونضاله من أجل التعريف ، فعودة الناقد لابدَّ أنْ تتجلى في عودته إلى حاضر العالم وبأسلوبٍ سهلٍ يتعايش مع أفق الثقافة الجديدة , لا إلى العالم الكهنوتي ذي النظرة العالية التي نمتْ منه رطانةٌ مُتكَلَّفة تضبِّبت تعقيداتها المُرعبةُ على الوقائع الاجتماعية التي نلمسها تبدو على واقعنا غريبة . (1)
ولعلنا حين نمسك بأقلام النقد , لابد من قراءة معطيات النص الأدبي وماتضمره بناه من معانٍ غرستها أجنحة الأديب في فضاء جنسه الأدبي الذي هو بمثابة التجربة الوجودية للكاتب , فهو يتجاوز الذاتية والموضوعية شأنه شأن اللغة التي تنطلق من العدم .(2) بوصف النص الأدبي يستبطن أسرار الوجود , فيترجم كينونة الإنسان التي تترجم انفعالاتها إلى أفعال قصيدة مُستدرَكة من خلال فنية الأساليب التي تسيرها قدرات ناظمها العقلية والذوقية والشعورية التي تُعد آليات أساسية لنظم كلّ نص , كي تجسد رؤيا الوجود وبنية الكون المائج فيه .
ويبدو أنَّ خلجات الأديب لاسيما الشاعر وتوجهاته في صياغة رسالته على وفق المنحى الأدبي الذي يميل إليه صاحبه,فكلاسيكية المنحى هي غيرها رومانسيته .
ورمزية النص تتضاد مع تقريريته , فكلٌّ له وجهته , وفي كل معنى له مدركاته , ولكلِّ تجربةٍ عنوانها وكذا كل أسلوب بصمته .
ولعلَّ شاعرتنا ( منال القطبي ) التي اختطت تجربتها الشعرية من خلال نظرتها للوجود المحيط بها ومايعتمل ذاتها من مؤثرات مجتمعية خارجة عن إرادتها , إذ جسدتها خير تجسيد , وهي تعيش غوائل محنة العصر كما هي العصور الماضية , إذ نراها تمثل جنسها وهي ترفض الواقع المعيش الذي تشوبه ذات الغوائل التي ظلت مشرئبة بأنيابها في جسد السنين دون تطهير لها بدواء فاعل , جعل ذلك يؤثر على بنية المجتمع لاسيما العراقي , فصارت مسارب حياته ممراتٍ مُغلقة تؤدي بالمرأة الطامحة أنْ تحسب لخطواتها من نيل المجتمع لها , فتراجعت في كثير مما يمكن أن تشارك في بناء وطنٍ يزدهي بعلمه وأدبه , فظلَّ النور مُحتجباً عنها خشية الوقوع في اللوم الساذج حسبما نقرأه في قصيدتها( وينفرط بين أيدينا عقد الجمان ) , فهي تقول :
ليت الزمان يعود
فتعود - ياوجعي -
بطعانهِ
أمواه العبرات
ف شريط الماضي يسألني
هلَّا كبرتْ فيك مواويلي ,
كي ترقَى في رسم طيوفك
بأندى الأصوات
لاظلم يودعني أقفاص الذكرى
ويرميني باللعناتْ
وهل في العادات سوى أغلال العاداتْ
سأنعش عشقي
وأدافع عنه
إلى أنْ تستقبل أضوائي
طيوف الأمواتْ
ياعقلُ احتجتكَ ترشدني قمراً
يخترق بنورهِ آلاف النجماتْ
وينكر من دنياي الخذلان ,
الوجع الصامت
أنين الآهاتْ
خذلتني أوجاعك ياعُرفاً
لايرحم
وطويت كياني بالحسراتْ
سحقاً لمجتمَعٍ يزري المرأةَ
ويطعنُ عشقَ الفتياتْ !
يا فكراً ثورياً
انفض عنَّا غبار الظلم الناجع
بالخيبات ْ
فالمرأةُ - يا قيدي - عقلٌ في القلب
وقلبٌّ يتضوع بالغاياتْ
انسجْ فالحبُّ ليس فقط
العشق
فهو العمران
العلم
الفرح
المرح
تراتيل الصلواتْ
انسجْ للحبِّ ثياباً ياقلبي
تزهرها تلاوين الطهر
نقاء الزهر ؛
لتصير الدرس
الضوء الراجح
لعيون البسماتْ .
فالشاعرة في النص على الرغم من أنَّها تحاول أن تكفكف دموع الحاضر إلا أنَّها تتأسى بسكب العبرات للمرأة , وما يحيق بها من تعسفٍ كما ترى هي , وكونها شاعرة تتحسس وجع النساء اللآتي إلى اليوم تلاحقها نظرات الماضي الذي لايمنحها حريتها ؛ لموت معاني الإنسانية, فتراها مكللةً بقيود الأعراف , إذ لاتمارس أنشطتها جميعاً , فضلاً عن نظرة بعض المجتمعات إلى المرأة فقط أنَّها أنثى قبل كل اهتمام , ولعل ما فسرناه هي القراءة الأولى للنص باختصار , لكن الذي يغرينا بالتحليل من خلال لغة النص , على الرغم من أنَّه يرفل بالتقريرية إلا أنَّه يحمل في أوداجه رؤيا , فهي تدعو الحكومات وذوي الشأن في المؤسسات التي تنادي بحقوق المرأة أن تمنحها تلك الحقوق , وأن لاتتعاطف معها إعلامياً من دون حلِّ لمشكلاتها التي لازالت مستوطنة في ريفنا وأقضيتنا وبعض مدن البلاد التي لم تتخلص إلى اليوم من الممارسات التعسفية بحقها , لذا نجد شاعرتنا تعود إلى الماضي ؛ لتمزجه بالحاضر ؛ فتخاطب المجتمع بوصفه مأفوناً بمرضٍ مزمن اسمه الأعراف التي تجاوزت العقل والدين للأسف . وقد استطاعت القراءة أنْ ترصد قدرة الشاعرة على الرفض تجاه عدم الإصغاء , وهل حققت مايعتملها من شعورٍ نفسي صلد تجاه قضيتها ، فقد توصلت القراءة الإحصائية إلى ما يلي :
في النص تفشي أصوات الهمس في القصيدة التي تدل على الضعف والوهن , إذ تكررت التاء (31) مرَّة , والنون والتنوين وردت (34 ) مرة , أما الميم , فقد وردت ( 16 ) مرَّة , بينما الهاء تكررت (12 ) مرة , يدل على صوت الشاعرة الخافت تجاه قضيتها ؛ كونها تعيش حالة الانكسار واليأس من حيف المجتمع الذي لايأبه بدعاوى كبار دعاة الانسانية ممن طالب بحقوق المرأة بالذات , وقد سبقتهم الديانات السماوية , ولعل أصوات الصفير أخذت مداها , فهي تدل على الخواء والجحود , فقد تكرر صوت السين (11) مرة , بينما صوت الشين تكرر (6) مرات , أما صوت الصاد فقد ورد (5) مرات , في حين وردت صيغة النداء( يا ) (5) مرات , تدل على مناداتها للتغيير لكن من دون جدوى . ويؤكد لنا صوت العين الذي ورد (23 ) مرة على شدة الحزن والالتياع لما في صوت العين من دلالة المرارة من هذا الوضع الغامط للحقوق , والمنعش للظلم الذي حدق بنصف المجتمع .
لايسعني إلَّا أنْ أبارك جهود شاعرتنا , وهي تعبِّر عن صوت المرأة ، في قصيدة ندية أورقت فينا فيوضات روح تخشى الاستسلام وتصدح وإن كان صدى صوتها خافتاً إلا أنَّه يشعرنا بأن الحياة تنبض بصوت المظلومين في كلِّ مكان.
(1)ينظر: ادوارد سعيد , سيرة فكرية , بيل اشكروفت: 56-57
(2)ينظر: النبوءة في الشعر العربي الحديث , د. رحيم الغرباوي : 41
873 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع