خالد القشطيني
أصدرت منظمة الشفافية الدولية في برلين في نهاية 2012 تقريرها السنوي عن الرشى خلال 2011. كنت أتوقع أن تفوز الدول العربية بالمرتبة الأولى. ولكن آسف، عجزنا عن الفوز حتى في هذا السباق. فازت به روسيا كأكثر دولة ضلوعا بالرشى. تلتها الصين. أقل الدول ضلوعا بالرشى هي كوريا الجنوبية وفنلندا. من المؤسف أنني لم أجد في القائمة ذكرا للعراق. لا أدري.. ربما رشا أحد المسؤولين العراقيين القائم بالتقرير بأن لا يتعرض فيه للعراق.
بيد أن دليل الفساد لعام 2012 الذي يعطي النزاهة مائة درجة يضع العراق في أسفل القائمة (18 درجة) بحيث لا يدانيه في شيوع الفساد غير الصومال وكوريا الشمالية.
الجدير بالذكر أن جداول الشفافية الدولية لم تسجل أي تقدم ملحوظ في قمع الفساد في العراق خلال السنوات الماضية (مثلا 15 درجة في سنة 2007 مقابل 18 في سنة 2012).
والجدير بالملاحظة ارتباط النزاهة بالنهوض والنمو الاقتصادي، فبينما سجلت كوريا الجنوبية 56 درجة واحتلت المرتبة الأولى في النزاهة، لم تسجل كوريا الشمالية غير ثماني درجات. وبالطبع نلاحظ الازدهار الاقتصادي والحضاري والثروة في الدول الغربية وبصورة خاصة الاسكندنافية، حيث تقل معدلات الرشوة والفساد. لا نملك غير أن نتساءل: هل الدجاجة خرجت من البيضة أم البيضة من الدجاجة؟ أعني: هل يؤدي شيوع الفساد إلى الفقر والتأخر، أم أن الفقر والتأخر يؤديان إلى شيوع الفساد؟
يعطينا العراق شيئا من الجواب على هذا السؤال. فهذا ليس ببلد فقير وليس متخلفا كثيرا. فلماذا شاعت فيه الرشوة والفساد إلى حد وقوعه في أسفل قائمة النزاهة؟ أعتقد أن عوامل أخلاقية وتربوية ترتبط بالموضوع وتنطبق على سائر دول المنطقة. لقد أنتجت الموجات المتلاحقة من الجوع والمجاعات التي كانت تجتاح منطقتنا نفسية في مواطنيها تقوم على فكرة «انجُ سعد فقد هلك سعيد». هكذا أصبح السلب والنهب والسرقة طريقة مشروعة للبقاء. أصبح الغزو مهنة مقبولة ومشروعة كالتجارة والزراعة. نشأ من ذلك تراث أخلاقي يجعل السرقة والفساد شيئا مقبولا، بل ومحمودا. حيثما ألتفت أجد أمثلة حية على ما أقول. كم من مسؤول أعرفه سرق أموال الدولة وانفضح وطرد من وظيفته وأحيل للمحاكم. وبدلا من أن ويقاطعه ذووه، راحوا يتوسطون له حتى حصلوا على براءته. يعود فيحتل مكانته المرموقة بيننا. نجلّه ونخطب وده. يمر زمن وإذا به يصبح وزيرا أو سفيرا ويشاركني في مؤتمر عن إصلاح المجتمع! لا نعتبر ما قام به من سرقة عيبا.
يأتي لخطبة ابنتي فنحسب دخله ونقول راتبه كذا ولكنه يطلع عالبراني من وظيفته كذا وكذا! نعترف بالسرقة كجزء مشروع من دخل المرء. وينعكس كل ذلك في تراثنا الشعبي. نصف الرجل الفاشل بأنه لا زراع ولا بياع ولا حواف (حرامي). و«الشاطر اللي يعبي بالكفة ركي». وتصدر فتاوى بأن ما قبضه من الشركات عمولة ونوع من التجارة الحلال. لا نعامل المرتشي والمختلس بذلك الاحتقار والمقاطعة والرفض الذي يلقاه من الغربيين.
915 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع