وفيق السامرائي
تعتمد العقيدة القتالية للجيش الأحمر «الروسي» على حشد أكبر قوة نارية من مختلف معدات القتال، لسحق موقع مقابل، وطبقت هذه العقيدة في معظم الحروب الروسية، كلما توافرت الإمكانات القتالية. كما أن عمليات الترحيل القسري والاعتقالات والاغتيالات والتصفيات كانت حاضرة بقوة في الحقبة الستالينية.
وهو ما يجري تطبيقه على أرض الواقع من قبل قيادة السلطة في سوريا و«الجيش العربي السوري». فلم يأخذوا العبرة من التاريخ، ولم يدركوا المتغيرات الدولية بين حقبتين، وتطور إمكانات الأمم، وتأثير وسائل الإعلام «صديقة الشعوب»، التي لم يعد بمقدور حاكم في وجودها على طمس جرائمه.
العقيدة الحمراء في سوريا ظهرت في الاستخدام الواسع للقوة الجوية والصواريخ أرض – أرض والمدفعية الثقيلة ضد أهداف مدنية. فصواريخ «سكود» تعتبر سلاح منطقة، ويُقبل خطأ الإصابة في استخدامها ضمن دائرة نصف قطرها كيلومتر أو أكثر، حتى في حالة توافر معلومات مساحية دقيقة. وطائرات الهجوم الأرضي السورية ليست مزودة بمعدات تصويب دقيقة من ارتفاعات عالية، اضطر الطيارون إلى القصف منها تلافيا للدفاعات الجوية للثوار. ويعني هذا عدم الحرص على تجنب إيذاء المدنيين الأبرياء، والقصور في فهم كفاءة الرصد الشعبي والدولي والقانوني.
لقد تركت العقيدة الحمراء أثرا على رد الفعل المقابل في الحرب الوطنية السورية، وأدت إلى تنامي بؤر التطرف، رغم محدودية وجودها مقارنة مع الصفة الغالبة لقوات «الجيش الحر»، التي يغلب عليها وجود عدد كبير ممن انشقوا عن القوات النظامية، ودفعوا السلطة إلى التخبط بين رغبات أخذ المبادأة القتالية، والتقوقع لحماية مناطق نفوذ أبطل تآكلها تذرع العالم بقوة الدفاع الجوي السوري، للامتناع عن فرض منطقة حظر جوي، تبريرا للتقاعس والتخاذل والتآمر من قبل الإدارة الأميركية، أو لنقل تبريرا لتخليها عن استراتيجية التدخل الخارجي.
وهناك من يكرر إعجابه بتماسك النظام لنحو عامين أمام ثورة عامة! وفي التكرار قلب متعمد لما ينبغي الإعجاب به، وهو تمكن الثوار من التماسك والتوسع والانتشار طيلة هذه المدة. وفي كل يوم يحققون انتصارا، حتى لو كان بطيئا بسبب الدعم القتالي الإيراني ودعم حزب الله للنظام، حيث قدرهما رياض حجاب رئيس الوزراء المنشق بعشرات الآلاف من كل طرف، وأميل إلى تقليص التقدير إلى الآلاف، فضلا عن مدد متواصل من العتاد.
عقيدة «التجريف الناري» مستخدمة في كل مكان في سوريا، حتى في قلب دمشق وأطرافها المتصلة ببعضها، مما يطلق عليه ريف دمشق، وهي مدن بعضها أكثر تطورا من قلب العاصمة لحداثتها. وللمقارنة في شدة القصف، كان من الصعب «تكرار» ضرب أهداف عسكرية إيرانية في حرب السنوات الثماني بأربعة صواريخ «سكود» في يوم واحد، بينما أطلق هذا العدد من لواء الصواريخ 155 في ريف دمشق باتجاه مدن الشمال الكبرى دفعة واحدة. وقد تكون العقيدة غير الإنسانية سببا في امتداد الثورة إلى قلب دمشق. فعشرات الأحياء تخوض حربا دفاعية قوية ضد النظام. ويمكن تفسير ضربات الصواريخ أيضا بأنها قرارات يأس من وقف تصاعد الثورة في دمشق، رغم انتشار نحو خمس فرق قتالية فيها.
موقف الإدارة الأميركية الساكت عن التطبيق الكامل لنظرية «التجريف الناري» ربما يعود إلى مسألة عقائدية دينية لدى الرئيس باراك أوباما لم يكشف عنها. وهو وضع - إن صح - سيترك أثرا خطيرا على منطقة الشرق الأوسط والخليج والعالم. أما إذا أحسن الظن، فربما يكون سبب الموقف الأميركي وجود إرباك في عمل المؤسسات، وهو ما يرجح الأخذ به، فالتجارب تفرض عدم المبالغة في قدرات الآخرين في مجال إدارة الأزمات خارج النطاق المباشر.
ينتظر من قائد سياسي عسكري علوي كبير ومعروف أن يعلن انضمامه إلى الثورة، ويجري قبوله بلا شروط ولا تعقيدات، كأحد قادة المرحلة الانتقالية. فخطوة كهذه ستسجل موقفا تاريخيا لتعزيز الوحدة الوطنية السورية، وتدفع النظام إلى التفكير في ترك السلطة. وفي كل الأحوال فالثورة مستمرة وستنتصر، إلا أن كلفتها أصبحت مرتفعة، مقارنة مع 52 ألف قتيل ومفقود ليبي خلال الثورة، والمفقود يعتبر مقتولا في مثل الحالة الليبية. فالمرجح وقوع 220 ألف سوري بين قتيل ومفقود، مما يتطلب تدخلا دوليا حازما وعاجلا، لوقف جنون القتل السلطوي والتدمير الفظيع، ووقف انتشار قوى التطرف المقابل.
1072 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع