الدكتور مليح صالح شكر
كما وصلني وليته لم يصلني!
أوقف شرطي مرور في احدى مدن ولاية تكساس الامريكية ذات يوم سيارة الرئيس السابق جورج بوش الأبن ، وفتشها وعثر فيها على كمية من المخدرات ، فألقى الشرطي، القبض على الرئيس السابق !
وكما وصلني!
وفي القواعد المعمول بها أمريكياً ، من المستحيل ان يتمكن شرطي مرور ، ولا حتى مدير شرطة المرور ، من أيقاف سيارة رئيس سابق ، ناهيك عن تفتيشها وتوقيف الرئيس السابق ، لأن كل الرؤوساء السابقين وببساطة يتمتعون بأمتيازات وحصانات رئيس سابق من حرس خاص، وتدفع الدولة رواتبهم مدى حياته ، يحرسونه ويحرسون عائلته ، ومساكنهم ، وسياراتهم ، وكل تنقلاتهم ، ويتمتعون كذلك بحصانة قانونية إلا في حالة الخيانة العظمى!
والذين يروجون لمثل هذه الاكاذيب، لا يعرفون وسيلة لتدقيق صحة الخبر ، ولا في مضمونه ومعلوماته، ولا في مصدره، ليتأكدوا بسهولة بأنها مفبركة.
وعلاوة على ذلك ، يواصل هؤلاء أستخدام الاخبار المضللة والكاذبة بشكل مكشوف ، فتراهم يرسلون لكم، ولأصدقائهم عبر شبكات التواصل الاجتماعي :
عاجل. عاجل
قامت القوات الامريكية الموجودة في بغداد بأغلاق مداخل المنطقة الخضراء ، ومنعت الدخول أو الخروج منها! وهنالك مركبات عسكرية أمريكية تتحرك في الناصرية أو في كركوك!
طبعاً ، كان هذا خلال الأشهر الاخيرة من العام المنصرم ٢٠١٧!
ليس معروفاً المصدر الأصلي الأول لمثل هذه الاخبار المفبركة ، أو ما أصطلح على تسميته ، الأخبار الكاذبة، ولكن لكل من أمتهن الصحافة مهنة له يجد من أول نظرة على مثل هذه الاخبار ، أنها مفبركة لا تستحق اعادة نشر، أطلاقاً، بل يجب أهمالها جملة وتفصيلاً، وفوراً.
ومن المفيد التذكير بأن هنالك في امريكا عشرات الصفحات الالكترونية المتخصصة بنشر اكاذيب وفبركات وقصص لا أساس لها من الصحة، وهي صفحات معروفة تنشر ما لا يصدقه أحد، بل هنالك قوائم في الانترنت عن اسماء وروابط هذه الصفحات التي لا يحظرها القانون ، باعتبارها جانب من حرية التعبير!
وفي حجة ( كما وصلني ) بشأن إغلاق القوات الامريكية للمنطقة الخضراء ، فهذا مجرد خبر كاذب آخر ويتكرر في صفحات التواصل الاجتماعي التي يزعم أصحابها انهم يعرفون ما يجري في العراق أكثر مما يعرفه أهل بغداد ، ويتوهمون بأنهم يسبقون في نشره ، محطات تلفزيون وشبكات الاخبار المعروفة ، رويترز ، وسي.إن.إن، وأي . بي.سي، والجزيرة ، والعربية ، وغيرها الكثير من شبكات الاخبار.
وعندنا تحاول مساعدة مروجي مثل هذه الاخبار ، على المحافظة على مصداقيتهم ، وتلفت نظرهم لخطأ ما نشروه ، تجدهم يرددون:
( كما وصلني )؟
ومن أغرب الاخبار غير المعقولة ، بل المضحكة ما أرسله لي صديق يعيش في الغرب منذ حوالي ثلاثين سنة بأن رجلاً نبش القبر بأظافره ليخرج حياً بعد يوم أو يومين من دفنه !ويرفق بخبره عبارة ( سبحان الله).
ولما سألت الصديق: كيف تنفس هذا المرحوم وهو مطمور تحت التراب كل هذه الفترة ؟ أجابني :
( كما وصلني)!
وهذا الجواب ينفي فوراً عن قائله صفة الصحفي الذي يدقق في الخبر ومضمونه وصحته ومصدره قبل دفعه للنشر !
ومن الاخبار التي لا صحة لها اطلاقاً، أو انها مفبركة وفوتو شوب، ما يتداوله البعض عن ما يضعون له عنواناً مثيراً للفت الأنظار ( من كوكب اليابان)! وقد نفتها السفارة اليابانية جملة وتفصيلاً.
وعلى المستخدم الواقعي لوسائل التواصل الاجتماعي التحلي بالصبر ، وان يقاوم أغراء التسرع في النشر لمجرد أن يكون مميزاً بين أصدقائه بنشر هذه المسألة قبل ان يكتشف انها معلومات لا صحة لها، وتمنعه أنانيته من الاعتراف بالخطأ، وحذف ما نشره.
الحل بسيط جداً ، هو حذف مثل هذه الاخبار بمجرد الشك في صحتها، وعدم اعادة إرسالها للأصدقاء .
فليس كل ما يصلنا عبر شبكات التواصل الاجتماعي يتحلى بالمصداقية دائماً ، وبعضها كان قد أمات اشخاصاً معروفين يتبين بعد نشر أخبار وفاتهم أنهم ما زالوا أحياءً يرزقون ، ويتمتعون بصحة وعافية.
ودورياً يصلنا ما ينقل لنا مقاطع من فيديوهات لخطب رجال دين يبلغون مستمعيهم فيها ما هو مثير من الاكاذيب التي تتحول بعد حين ، كأنها حقائق لكثرة تداولها من قبل محدودي الثقافة ، أو لنقل من لا تعليم ولا ثقافة عندهم ، ومنها فرية ان مثلث برمودا هو مستودع أسلحة للمستقبل !
أو ( أن الخطية في رقبتك حتى يوم القيامة ، إذا لم تعيد إرسال هذه الصورة او هذا الدعاء لعشرة من أصدقائك )!!
ونتذكر بهذه المناسبة ترويج البعض لأخبار لا صحة لها اطلاقاً ، بل ان الملايين من الدولارات تصرف على البحوث العلمية للوصول الى علاج لأمراض السرطان ، بينما يريدنا ذلك البعض من الناس أن نصدق ان فلاناً في اقصى الريف لدولة ما اخترع علاجاً للسرطان يشفي المصاب خلال ١٨٠ دقيقة!
ولا يقتصر نشر وترويج الاخبار الكاذبة على مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي ، بل تعدى الى درجة تورطت فيها صحف ومحطات تلفزيون معروفة ، وأصبحت مشكلة كبيرة في العواصم الغربية قادت الى محاولات تشريع قوانين لمكافحة ظاهرة الاخبار الكاذبة ، كما هو الحال مع الرئيس الفرنسي ماكرون الذي يقترح تشريع قانون خاص بالحد من الاخبار الكاذبة ، ولكن المشكلة فتحت باباً آخر يبحث عن الفاصل ما بين حرية التعبير وبين ترويج اخبار لا صحة لها، وتدخل احيانا في إطار جريمة القذف والتشهير.
لعل بداية الاخبار الكاذبة كانت في الزعم بأن الغزو والاحتلال عام ٢٠٠٣ كان لنزع أسلحة العراق ذات الدمار الشامل ، والتي لم تكن موجودة في حينه .
768 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع