بقلم: سالم إيليا
صَرَخات الموتى من داخل مقبرة الكلدان في الباب الشرقي: "أرواحنا تتعذب من إهمال الأحياء لقبورنا"
قال الحكيم والفيلسوف كونفوشيوس: " عندما لا ندري ما هي الحياة ـ ـ كيف يمكننا أن نعرف ما هو الموت"!!!.
صُدمت من الصور (المرعبة والمحزنة) من داخل مقبرة الكلدان في وسط العاصمة بغداد في الباب الشرقي التي بعث لي بها أحد أقاربي القلائل المتبقين داخل الوطن والذي لا يزال متشبث بأرضه منتظراً الفرج بأيمانه وثقافته وتعليمه الأكاديمي والحاصل على أرفع الشهادات في مجال تخصصه.
وحيثُ من المفروض أن تُشمَل هذه المقبرة برعاية أمانة العاصمة لوقوعها في مركز العاصمة قبل شمولها برعاية ذوي الشأن الذين تركوا رعاياهم الأحياء يواجهون الموت والإضطهاد والتهجير دون أن يحركوا ساكناً ولم نرى منهم فعلاً على الأرض غير الإستنكار والتنديد وأقصد بهم رؤساء وقادة الكنيسة الذين سيسجل لهم التاريخ مواقفهم الضعيفة وإدارتهم السيئة على صفحاته المظلمة، وبالمقابل سيسجل بأحرفٍ من النور وفي صفحاته البيضاء شجاعة رعيتهم بتصديهم بقلوب عامرة بالإيمان رصاص الغدر وسكاكين التكفير الطائفية.
فيا لكم من شجعان أيها المسيحيون العراقيون المتمسكون بالأرض على الرغم من ضعف وهزالة قادة كنيستكم وشراسة ووحشية أعداء الإنسانية من المتطرفين الدواعش وغيرهم للنيل منكم، إنكم تصارعون من أجل البقاء حباً وهياماً بوطنكم وتواجدكم على أرض أجدادكم، وعلى الرغم من هذا وذاك يزرع فيكم رؤسائكم بذور اليأس بدل الأمل بإهمال قبور موتاكم ومنهم من ماتوا شهداء لإيمانهم المسيحي وتمسكهم بمعتقدهم وحيثُ من المفروض أن يُخَلدوا بنصبٍ خاصٍ ليصبح مزاراً تحج اليه جموع المؤمنين ليستمدوا من تضحياتهم العزم في المطاولة والبقاء.
إن رؤسائكم أيها المسيحيون العراقيون يرسلون رسائلهم اليكم بالإسراع في الهجرة لأن حياتكم البائسة في العراق ستكون أرحم من مماتكم والتي ستكون أكثر بؤساً وعذاباً من خلال إهمالهم للحودكم بعد مغادرتكم لهذا العالم الفاني، إنهم يقولون لكم هكذا ستتعذب أرواحكم في قبورها، فلا من متابع لها ـ ـ ولا من حريص على نظافتها ـ ـ ولا ممن يحترم قدسية نفوسكم التي ستصبح في حضرة الخالق الكريم.
أوليس من المفروض أن نعتني بالقبور ومن بداخلها قبل أن نشجب "داعش" بتهديمها لها ورفع الصلبان من على شواهدها؟؟!!، فما الفرق إذا بين فعل "داعش" الدنئ وفعل من أهمل القبور وجعلها مزابل ترمى على صور رموزها الدينية وصلبانها القاذورات بدلاً من الزهور وكما هو معمول به في البلدان المتحضرة التي بدأت حضارتها من إهتمامها بقبورها!!، أين هو إيمانكم يا دعاة الدين وحماته؟؟؟!!!، وأين هو إهتمامكم بالموتى ليكون الخطوة الأولى لإهتمامكم وتباكيكم على الأحياء من رعيتكم؟؟!!.
وأرجو ألاّ تبرروا هذا الفعل المشين بقولكم من أن المقبرة لم يعد يدفن فيها الموتى الآن والتي أعيد الدفن فيها قبل سنوات حين تعذر الذهاب الى المقبرة الحالية نتيجة تردي الأوضاع الأمنية وربما ستحتاجون اليها مرة أخرى!!!، وماذا عن الأموات الموجودين فيها الآن!!، وربما ستقولون من أنه سيتم إزالتها أو نقل رفات من هم معذبة أرواحهم فيها نتيجة إهمالكم لها وأن رفاتهم سيتم نقلها الى مقابر أخرى ليست في جميع الأحوال بأفضل حالٍ من سابقتها بسبب رداءة بناء القبور وضحالة عمقها حتى يكاد يتعثر الزائرون بصناديق الموتى أو تغرس أقدامهم بهشاشة تربتها!!، وهذا ما هو حاصل الآن في المقبرة الواقعة على طريق بغداد ـ بعقوبة القديم!!، أو ربما ستدعون من أنكم غير مسؤولين عن صيانتها والإعتناء بها وقد تناسيتم واجبكم الديني والأخلاقي كرؤساء معنيين بكل صغيرة وكبيرة تخص مكوناتكم ورعاياكم، أو ربما ستبررون من أنه لا يوجد من المال الكثير لصرفه على المهجّرين الأحياء فكيف بكم لتوفيره للصرف على مقبرة الأموات!!!!، فكل هذه المبررات الحاضرة على طرف السنتكم قد ملّ منها أتباعكم ورعيتكم وهم يشاهدونكم تصرفون الأموال على سفراتكم ورحلاتكم ودعواتكم وأُبَهتكم بحملكم للصلبان الكبيرة الذهبية المطعمة بالياقوت والزمرد والفيروز!!، إطعموا أولاً مهجّريكم وإهتموا بقبور موتاكم ثمّ تمتعوا بعدها بما تحصلون عليه، وفروا أثمان صرفياتكم في رحلاتكم لصرفها على الأهم قبل صرفها على أبَهتكم ومعيشتكم وأفعلوا كما فعل معلمكم الأول الذي تدينون بالولاء والتبعية له، أوليس هذا جوهر ما نادى وضحى لأجله؟!!!.
أوليس للموت رمزية عُليا في سفر الإيمان المسيحي الذي تؤمنون وتبشرون به ونحن على أعتاب الإحتفال السنوي بعيد القيامة المجيد، الم تصلكم رسالة سيدكم المسيح بموته وقيامته!!!.
وسؤالي المهم: هل يقبل أياً منكم أن يُدفن جثمانه في مثل هذه المقابر الأقرب الى المزابل؟؟؟!!!.
وسؤالي الأهم: أين هم المسؤولين عن الوقف المسيحي؟؟!!.
وآخر قولي لكم إحترموا الأموات وقبورهم ليكون الطريق الى إحترام الأحياء وصروحهم!!، فتحضّر البشر وإنسانيتهم تُعرف من الإعتناء بمقابر موتاهم!!.
وسأترك القرّاء مع الصور التي ستتكلم وستدين بنفسها المسؤولين عن هذا التردي المُخجل بأكثر مما نطقتُ به.
738 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع