المدخل الأساس لتمكين المرأة العربية

                                                 

                       د. علي محمد فخرو

المدخل الأساس لتمكين المرأة العربية

هل يمكن الحديث عن تمكين المرأة في الحياة العربية العامة دون حل اشكالية النظرة الثقافية والدينية للمرأة ؟ فالطفل العربي يشرب مع حليب أمه سلوكيات وأقوال تحط من قيمة المرأة الانسانية ومكانتها في المجتمع.

في قلب تلك الثقافة المنحازة ضد المرأة، والتي يعيها الطفل في بيته ويقرأها في كتب مدرسته ويسمعها ليل نهار في الكثير من القنوات السمعية والبصرية الدينية في طول وعرض بلاد العرب.. في قلب تلك الثقافة يقبع تراث فقهي متزمت متخلف عن روح ومبادئ هذا العصر وتهيمن أحاديث تعزى، زورا وبهتانا، الى رسول رسالة الرحمة والعدل الالهية. نحن معنيون بالذات بأقوال تحقيرية، وبعضها مبتذل، مبثوثة بصور متفاوتة في مجاميع علوم الحديث التي تعزى، على سبيل المثال، الى البخاري ومسلم والكافي وأمثالهم.
فعندما تعزى بعض الأقوال التي تحقر المرأة الى رسول الاسلام، رسول الرحمة والرفق والعدالة الى كل البشر وليس الى رجالهم فقط، وتغلف بالتالي بنوع من القدسية النبوية، يدرك الانسان مدى فداحة الموضوع الذي نحن بصدده. فلا روح الاسلام ولا مقاصده الكبرى ولا مساواته بين بني البشر، ولا آيات النفس الانسانية الواحدة، ولاسيرة رسول الاسلام يمكن أن تقبل أن ينسب الى الرسول مثل تلك الأقوال.
كيف سنستطيع الحديث عن مساواة المرأة العربية مع الرجل العربي في الحقوق الانسانية والواجبات الوطنية، عن المساواة في فرص الحياة واعتلاء المناصب المجتمعية، وعن المساواة في دخول جميع مجالات العمل والأجور والترقي، اذا كان المشرع والقائد السياسي ورجل الحكم قد تربوا على سماع تلك الجمل الجارحة لكرامة المرأة والمشكّكة في توازنها النفسي والعقلي؟
لايحتاج الانسان الى ذكر عشرات الأسماء، من علماء الاسلام المستنيرين ومن المفكّرين والمؤرخين الموضوعيين، الذين بينوا الاشكاليات الكثيرة التي رافقت جمع الأحاديث النبوية واسناداتها وتدوينها، وأظهروا الاستعمالات الانتهازية السياسية لحقل الحديث برمته. من هنا يحق لنا أن نطالب مؤسسات المرجعيات الاسلامية أن تحسم موضوع التشويه والتحقير للمرأة في التراث الفقهي وفي ماسمي بعلوم الحديث، اذ من الواضح أن الكثير من السلوكيات والعادات والأفكار البدائية التي كانت موجودة في المجتمعات والحضارات العربية وغير العربية القديمة، قد أقحمت في حقلي الفقه والحديث لتبرير ممارستها على الأخص في قصور السلاطين وأصحاب المال والجاه. ذلك أن تحليل ونقد وتجاوز ما جاء في الفقه الاسلامي، وهو اجتهاد بشري محض، وما جاء في كتب الأحاديث، وهو مليء بالاسرائيليات والأحاديات والاستعمال الانتهازي السياسي، هو احد أهم المداخل لتحرير المرأة العربية من المظالم التاريخية التي كبلت حياتها العامة وأساءت الى حياتها الخاصة.
ان المرأة العربية التي اقتحمت ميادين التعليم، من الروضة حتى التعليم الجامعي وما بعده، باقتدار وتفوق، والتي تكون نسبة عالية ومتنامية من القوى العاملة في كل ميادين العمل الجسدي والذهني، البسيط والمعقد، والتي ادت الى استقلاليتها المالية والى أن تصبح أحد أهم مصادر الانفاق على المتطلبات العائلية، والتي أصبحت مكونا مهما من مكونات مؤسسات المجتمع المدني الحقوقية والحزبية والنقابية، والتي ناضلت وماتت في سبيل حماية أمتها وفي سبيل دحر قوى التسلط المختلفة في داخل وطنها العربي... هذه المرأة ماعادت تنطبق عليها معايير وضعها هذا الفقيه أو ذاك منذ قرون طويلة، ولا ما دس في حقل علوم الأحاديث النبوية بسبب الجهالة أو السياسة أو البلادات الاجتماعية. ولما كان التراث الديني الاسلامي يقبع في قلب الثقافة العربية، فكرا وسلوكا وتشريعا قانونيا وممارسات حياتية يومية، فإن تجديد الثقافة العربية، لتكون مدخلا لتمكين المرأة العربية في كل مناحي الحياة، يمر من خلال المراجعة الجذرية لحقلي الفقه الاسلامي والأحاديث المنسوبة الى النبي (صلى الله عليه وسلم)، ومن خلال قراءة جديدة لنصوص القرءان الكريم، وهو حق وواجب لكل الأجيال المتعاقبة.
بالطبع، هناك مداخل أخرى تشريعية وتنظيمية، لموضوع تمكين المرأة، ولكننا نعتقد جازمين أنه بدون حل اشكالية الثقافة الدينية المشوهة في عقل وروح الانسان العربي سيبقى هذا الموضوع متعثرا وقابلا للانتكاس. آن الأوان أن تشعر المرأة العربية بانسانيتها وكرامتها وحقها التام في التساوي والاحترام والتقدير الذي تستحقه كأم وأبنة وأخت وزوجة وزميلة عمل ومواطنة.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

907 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع