خور عبدالله في ذمة الشرفاء لا في ذاكرة التاريخ

بقلم : اللواء الملاح الركن المتقاعد فيصل حمادي غضبان
٢٦ تموز ٢٠٢٥

خور عبدالله في ذمة الشرفاء لا في ذاكرة التاريخ

١. السومريون والبابليون من أوائل الشعوب في تاريخ البشرية الذين أدركوا أهمية تدوين الأحداث والوقائع، ليس فقط لحفظ الإدارة أو التجارة، بل لحفظ الذاكرة الجمعية للإنسان.لقد فهموا منذ الألف الثالث قبل الميلاد أن التاريخ ليس رواية، بل هو هوية ودرس وميراث. فكان السومريون البداية الأولى للتاريخ المكتوب اخترعوا الكتابة المسمارية على ألواح الطين حوالي عام 3200 ق.م.سجّلوا الأحداث الكبرى، العقود، المعاهدات، والقصص الدينية.مثل ملحمة جلجامش، وهي أقدم نص ملحمي في التاريخ، تخلّد سيرة ملك سومري وتساؤلاته عن الموت والخلود.فقد بدأ الإنسان لا يروي فحسب بل يكتب كي لا ينسى. العراقي لم يكن ابن حضارة صامتة، بل ابن قلم دوّن العالم قبل أن يعرف الكتابة.السومريون والبابليون لم يكونوا مجرد سادة حضارات، بل كانوا أول من دوّن التاريخ واعتبره مرآة الشعوب… فقد سعى الانسان في وادي الرافدين من أجل أن يحقق لنفسه خلود الذكر الى تدوين اعماله العظيمة وبطولاته الفذة وتجاربه في الحياة ليطلع عليها الآخرون اللاحقون له وتبفى خالدة في ذاكرة الزمن ويتجلى هذا واضحاً من النصوص المسمارية التي اشارت الى أن السومريين والبابليين قد أدركوا اهمية التاريخ والافاده من تجاربه وعلقوا أهمية كبيرة على أستذكاره مما يؤكد هذا ايضاً ماجاء في مقدمة ملحمة ( گلگامش ) التي ذكر فيها ان هذا البطل جاء باخبار الأزمان الغابرة التي سبقت ( الطوفان ) وأنه نقش في نصب من حجر كل ما عانى وخبر وسعى ان يسجل لنفسه أسماً خالدآ يبقى الى الابد .كما يتجلى الحسّ بأهمية التاريخ عند البابليين من خلال ماجاء على لسان الاديب البابلي وهو يخاطب كل من يعثر في مستقبل الايام على الصندوق التذكاري الذي يحتوي على ألواح ملحمة ( گلگامش ) هذا الصندوق الذي وضع في أسس مدينة الوركاء أذ قال ( أبحث عن الصندوق المصنوع من البرونز وأفتح غطاءه..ثم خذ لوح اللازورد الذي في داخله وأقرأه أنها قصة گلگامش ذلك الرجل الذي تحدى جميع الصعاب ) .

٢. نظرة تأملية وتحليلية إلى التاريخ وكتابته، أنها تجمع بين الفهم الفلسفي والبعد الحضاري التاريخ ليس مجرد سرد للأحداث الماضية، بل هو ذاكرة الشعوب ومحرّك الوعي الإنساني. من يكتب التاريخ، لا يكتب فقط ما جرى، بل يرسم صورة عن الهوية، ويحدد كيف يُفهم الحاضر ويُبنى المستقبل.منذ القدم، أدركت الحضارات الكبرى أهمية التدوين. لم يكن ذلك ترفاً فكرياً، بل ضرورة للحفاظ على التجربة البشرية من الضياع، وتجنّب إعادة الأخطاء.لنتذكّر ( من كنا، كي نعرف من نحن ) ونحاكم الفعل لا الفاعل، ونبني فهماً لا ثأراً. لأن الأمم التي لا تكتب تاريخها، يكتبه عنها عدوها أو يُمحى في الصمت.فقد، وُلد التاريخ مكتوباً لا منطوقاً فقط.

٣. التاريخ ليس ماضياً فقط…إنه مرآة، وكل أمة تقف أمامها لترى وجهها الحقيقي.من لا يواجه تاريخه بصدق، يظل يدور في حلقة من التكرار والأخطاء.الكتابة التاريخية ليست مجرد جمع روايات، بل فن التحليل والتأمل، ومحاولة فهم لماذا حدث ما حدث، وما الذي نتعلّمه منه.في زمن التزييف تبقى كتابة التاريخ مسؤولية أخلاقية ليس كل من كتب التاريخ مؤرخًا، ولا كل من صمت كان بريئًا.في عالم تتصارع فيه الروايات، تبقى الكتابة النزيهة مقاومة ضد النسيان والكذب.التاريخ لا يُكتب بالحبر فقط، بل يُكتب بالجرأة، والصدق، والوعي… فحين نكتبه نحن لا ندوّن ما فات، بل نصنع ما سيأتي .

٤. لو أصبح خور عبد الله جزءاً من التاريخ المسلوب ومن ذاكرة وطنٍ مفجوع سطوراً قد تُكتب يوماً في مطلع القرن الحادي والعشرين، كان للعراق منفذٌ بحريٌ يتنفس منه، يُعرف بخور عبد الله. لم يكن مجرّد ممر مائي، بل شريان سيادي، وحق من حقوق الجغرافيا والتاريخ. لكن حين خفتت الأصوات، وتنازل الساسة تحت ضغط التفاهمات والصفقات، ضاع الخور كما ضاعت قبله أرض وأحلام.
لم تكن الخسارة في الماء فقط، بل في الكرامة، حين بات الوطن يُقاس بموازين الربح السياسي لا بثوابت السيادة. فصمت البعض جهلاً، وصمت الاخر خوفاً، وشرّع بعضهم التنازل باسم القانون. وهكذا كُتب على الأجيال أن تقرأ عن خور عبد الله لا في الخرائط، بل في صفحات الأسى والخذلان.”

٥. رسالة إلى الأجيال القادمة: يا من تقرؤون هذا ذات يوم، اعلموا أن الأوطان لا تُسلب دفعة واحدة، بل تُنتزع شرياناً بعد آخر، كلما صمت أهلها،. خور عبد الله لم يكن مجرد ماء، بل رمز لصوت ضاع يتحمل مسؤوليته الجميع شعباً وسياسة وحكومات .لو أصبح خور عبد الله شيئاً من التاريخ، فسيُكتب عنه بوصفه صفحة من التنازل المُغطّى بالتواطؤ والخذلان.، ونذكركم لقد كتبنا التاريخ حين كنّا أسياد البحر… وقرأناه اليوم حين سُلب خور عبد الله بالهوان و طواعية من حضارة الكلمة إلى خيانة التوقيع… هكذا انتقلنا من تدوين المجد إلى التنازل بين فخر الأسلاف وذل الخلف… ستدون قصته في مرأة التاريخ .الذي قد غاب عن الكثير من الاجيال التي تعيش عتمته اليوم دون معرفة الانجازات التي سبقت .. لم تكن انتكاسة خور عبدالله مجرّد تعديل قانون أو إعادة تفسير لاتفاقية،بل كانت طعنة في خاصرة الوطن، وسلبًا مفضوحًا لسيادةٍ صبر شعبها طويلاً.هي ليست خسارة ممر مائي، بل خسارة كرامة وقتلٌ لإرادة، وجعل من الصمت خيانة، ومن التبرير تواطؤاً معلناً.سيسأل التاريخ كيف ضاعت البحار ومن الذي صمت حين كان الصوت أثمن من الذهب ومن الذي وقّع حين كان الوطن يستغيث ..خورعبدالله سيادة مسلوبة سجلوا للتاريخ العراق لن يصمت ولو بعد حين لن يضيع حق وراءه مطالب وهذا تكليفاً وطنياً للاجيال .هل سيبقى الحدث نقطة ملوّنة على الخريطة، أم بداية لصحوة الخيار بيد الأحرار. #خور عبدالله سيبقى عراقي .. من منطلق ذكر فان نفعت الذكرى ..

  

إذاعة وتلفزيون‏



الساعة حسب توقيت مدينة بغداد

الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

625 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع