الدكتور محمود الحاج قاسم محمد
طبـيـب أطفـال – المـوصـل
المفهـوم الإسـلامي للمـرض والشفـاء
المـقـدمـة
المرض والشفاء لغة واصطلاحاً : (( المرض = السقم ، نقيض الصحة )) .
(( الشفاء : دواء معرف ، وهو ما يبرئ من السقم ، والجمع أشفية والفعل شفاه الله من مرضه شفاءً . واستشفى فلان : طلب الشفاء . وأشفيت فلاناً إذا وهبت له شفاءً من الدواء . وشفاه وأشفاه طلب له الشفاء )) .
والمرض : هو الخروج عن الاعتدال الخاص بالإنسان وذلك ضربان :
الأول : جسمي وهو مذكور في قوله تعالى (( ولا على المريض حرج )) سورة الفتح آية 17
والثاني : عبارة عن الرذائل كالجهل والجبن والبخل والنفاق كما قال تعالى : (( في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضاً )) سورة البقرة : آية 10 .
وفي ذلك يقول ابن القيم :
ومن المرض ما يمنع البدن من التصرف الكامل ، وما يمنع من تحصيل الحياة الأخروية .
والمرض نوعان : مرض القلوب ، ومرض الأبدان ، وهما مذكوران في القرآن .
وتعرّف منظمة الصحة الدولية كلمة الصحة : بأنها حالة السلامة والتكامل والكفاية البدنية والعقلية والاجتماعية وليس مجرد حالة الخلو من المرض أو العجز .
مفهوم المرض والشفاء في الأديان الأخرى
قبل الحديث عن المفهوم الإسلامي للصحة والمرض والشفاء ومن أجل إعطاء صورة شاملة وواضحة عن ذلك لابد من ذكر بعض المعلومات والآراء التي ذكرت في هذا الصدد في الأديان الأخرى .
(( إن العهد القديم لا يفرق بين الكاهن والطبيب ، فالبرص كان يقوم الكاهن بفحصه لتحديد حالته الصحية … )) .
(( وأنه تبعاً للعهد القديم فالشفاء عملية يبرأ بها المريض ثانية وهي مرتبطة ارتباطاً كبيراً بالسلطة الدينية ، فالمرض إذن رمز للذنب وفي نفس الوقت رمز للعقاب .
إن الشفاء هو أن يستعيد المريض اكتماله الأخلاقي والبدني ، وربما يكون مأموناً أن نستنبط من هذا أن المريض يكون مدركاً لخطيئته وأنه عالم بعدم طاعته للإله وبالتالي يستحق العقاب . وبصورة أخرى فإن رأي العهد القديم بالنسبة للمرض والشفاء هو أساس علة ومعلول ومأخوذ من قانون القصاص
( العين بالعين والسن بالسن ) بمعنى أن المرض ينظر إليه كشكل من أشكال العقاب الإلهي .
وفي الحقيقة أن الأجزاء الخارجية للجسم تعتبر تبعاً للعهد القديم مكان المرض ، فهذه الأجزاء هي رموز لفضيحة الإنسان وعاره ونقضه لوعوده )) .
إن نظرة العهد الجديد إلى الإنسان المريض هي نظرة رحيمة متسامحة وهي تقوم إلى حد كبير على نهج وعقيدة سيدنا عيسى ، فهو يعتبر في نظر المسيحيين والمسلمين على السواء معالجاً ومعيداً للحياة وطبيباً روحياً ، فهو يعطي اهتماماً خاصاً للمصاب والمريض أي للحالة البشرية ، إن عقيدة الشفاء بواسطة الطقوس الروحية كاللمس وأن يلمسه عيسى معيد الحياة الحي الخالد تجلب في الذهن صوراً هامة تعد أساسية للمهنة الطبية .
إن المذهب المسيحي يعتبر الأمراض ملكاً للشياطين وأنها تعتبر فساداً روحياً . وتبدو فكرة أن الشيطان يسكن الروح البشرية من خلال انغماس الإنسان في المتع الحسية .
وقدم المسيح جسده فداءً لجشع الإنسان وطمعه . وعلى ذلك يصبح المرض نوعاً من الموت ، فهو فقدان لمسة من جسد عيسى )) .
(( إن جسد عيسى هو الشفاء والموحد ، وهكذا فإن الموت الجسدي يمكن أن يغري إلى تناول مواد طبية ولكن دون مراعاة لما يلائم جسد المسيح عيسى ، فالموت الطبيعي جزاء الخطيئة وعملية فداء المسيح هي تغلب على الموت بإعادة الحياة )) .
(( وفي رأيهم فإن حياة المسيحي تعتبر حياة الخلود والنقيض لذلك هو الموت الأبدي ، وبالطبع فإن الروح القدس هي القوة التي وراء هذه الحياة الأبدية ، تلك الروح القدس التي تحرك من خلال طقوس الشفاء والأدعية باسم المسيح عيسى التي تطرد الأرواح الشريرة )) .
بعد هذه المقدمة ندخل في صلب الموضوع :
المفهوم الإسلامـي للمـرض والشـفـاء
الإنسان في المفهوم الإسلامي مخلوق الله المكرم ، جعله خليفته قال تعالى : (( وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة )) سورة البقرة : آية 30 .
وبعد أن حمله أمانته في الأرض ، أعطاه العقل والإرادة الحرة وقوة البدن والعلم والمعرفة ليستعين بها في تأدية رسالته والقيام بعمارة الأرض ، ولما كان علم الطب هو أبرز وسائل المعرفة لحماية ذلك المخلوق الذي كرمه الله ، لذا كان للطب الذي يهتم بصحة الإنسان وسلامته من الناحية البدنية والنفسية والعقلية والاجتماعية حيز مهم في المفهوم الإسلامي .
فقد جاءت الأحاديث النبوية مؤكدة على المرض وأن الصحة نعمة من أعظم نعم الله عز وجل بعد الإيمان . فعندما قال أبو الدرداء لرسول الله (( لأن أعافى فأشكر أحب إليّ من أن أبتلى فأصبر ، فقال رسول الله الله يحب معك العافية )) (( اسألوا الله العافية فإنه ما أوتي أحد بعد يقين خيراً من معافاة )) جامع الترمذي .
وقال أيضاً (( من أصبح منكم آمناً في سربه معافى في جسده ، عنده قوت يومه ، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها )) رواه الترمذي .
لذلك كان من واجب المسلم أن يحافظ على هذه النعمة برعاية الصحة والقيام بكل ما يبقيها ويحسنها ، وقد ورد في القرآن الكريم والسنة المطهرة كثير من التعاليم التي ترسم للمسلم طرق المحافظة على صحة بدنه جملة وصحة أعضائه عضواً عضواَ تناولها الكثيرون غيرنا وتناولناها نحن في كتابنا الطب الوقائي النبوي .
وللمفهوم الإسلامي للمرض والشفاء مقومات أساسية نذكرها فيما يلي :
أولاً – اعتراف الإسلام بالمرض كحالة غير طبيعية وأنه ليس ناتجاً عن قوى شريرة :
يعترف الإسلام بالمرض كحالة غير طبيعية تصيب أعضاء معينة من الجسم فرسول الله يقول لسعد ابن أبي وقاص حين أصيب بمرض القلب (( إنك رجل مفؤود فأت الحارث بن كلدة أخا ثـقيف فإنه رجل يتطبب )) سنن داؤد .
وورد عنه أنه تطبب واستشار الأطباء وعولج من بعض أمراضه ، فقد روى أحمد في مسنده عن عائشة رض الله عنها قالت : (( إن رسول الله كان يسقم عند آخر عمره فكانت تقدم عليه وفود العرب من كل وجه فينعتون له الأنعات وكنت أعالجها له )) .
وعندما كان يواجه طبيبين متقدمين لعلاج مريض يسألهما (( أيكما أطب بهذا )) رواه مالك .
والحكمة في قوله حتى يتلقى المريض أفضل رعاية متخصصة . والرسول لم يدّع لنفسه القدرة على المداواة ، روى أحمد عن هلال بن يساب قال : دخل رسول الله على مريض يعوده فقال (( أرسلوا إلى الطبيب )) فقال قائل : وأنت تقول ذلك يا رسول الله قال : نعم )) .
إن هذه الأحاديث تشير وتؤكد كون المرض حالة غير طبيعية وعضوية تصيب الإنسان وليس ناتجاً عن الشياطين والنجوم والأرواح الشريرة ، وتأكيداً على ذلك منع الإسلام كل الممارسات المبنية على هذه المعتقدات الخاطئة مثل التطير والتمائم والعرافة والكهانة وغيرها . يقول الرسول في أحاديثه (( من علق تميمة فقد أشرك )) رواه أحمد والحاكم وصححه .
ويقول (( من أتى كاهناً فصدقه بما قال فقد كفر بما أنزل على محمد )) رواه البراز بإسناد جيد .
ويقول أيضاً (( من أتى عرافاً فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوماً ))
أخرجه مسلم في باب تحريم الكهانة برقم ( 2230 ) .
أما موقف الإسلام من الرقى فهو كما يلي :
حرّم الإسلام على لسان نبيه في بادئ الأمر رقى الجاهلية ثم أذن ببعضها مما ليس فيه شرك بعد عرضها عليه .
عن عوف بن مالك الأشجعي قال (( كنا نرقي في الجاهلية فقلنا يا رسول الله كيف ترى ذلك فقال : اعرضوا عليّ رقاكم ، ولا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك )) رواه مسلم ، كتاب السلام الحديث 64 .
واستناداً إلى مجموع الأحاديث الواردة في الرقى ، وإلى مفاهيم تعاليم الإسلام العامة قال العلماء بجوازه في المجالات التي تستدعي معالجة روحية وضمن الشروط التالية :
1 – أن تكون بكلام الله تعالى أو بأسمائه وصفاته .
2 – باللسان العربي أو بما يعرف معناه من غيره .
3 – أن يعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها بل بذات الله تعالى .
4 – أن لا تكون الرقية المستعملة في مرض ما ، لتحل مكان الدواء المادي المعروف المفيد
المتيسر ، فإن إهمال الدواء المادي الذي يغلب على الظن فائدته مكروه متناف مع تعاليم الإسلام ، وأنه محرم إذا ظن أنه سيؤدي إلى التهلكة أو إلى ضرر بليغ في عضو من الأعضاء .
والمسلم مطالب بحفظ صحته ، والمجتمع مطالب بوقاية نفسه من الأمراض بل وتوفير الصحة الإيجابية بمفهومها الحديث . وفي الطب العلاجي أمر الإسلام بالتداوي أمراً صريحاً وحازماً فالمسلم ليس قدرياً يهمل العلاج ويترك نفسه للأقدار بل لابد من العلاج الذي جعله الله سبباً للشفاء .
كما وأن الإسلام لا يفصل بين الصحة الاجتماعية والصحة النفسية وبين الصحة البدنية . فالمجتمع الذي يسوده الرفق والتراحم وحسن الخلق وحسن الجوار تبدو عليه علامات الصحة الإيجابية ممثلة في طول العمر . روى أحمد عن عائشة رضي الله عنها عن النبي قال (( أنه من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظه من خيري الدنيا والآخرة ، وصلة الرحم وحسن الخلق وحسن الجوار يعمران الديار ويزيدان في الأعمار )) وهذا الحديث الشريف هو أول تسجيل لارتباط العلاقات الاجتماعية بمتوسط عمر الفرد في المجتمع .
ثانيا – الشـفـاء بـيـد الله وحـده :
إن عملية الشفاء في المفهوم الإسلامي بيد الله وحده لم يمنحها لأي أحد ما خلا معجزات بعض الأنبياء قال تعالى : (( ولا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً ولا يملكون موتاً ولا حياةً ولا نشوراً )) سورة الفرقان : آية 3 .
وعلى المسلم حسب المنظور الإسلامي أن يأخذ بالوقاية إن استطاع بإذن الله ، أو يتداوى بالأدوية إن أصابه المرض وفي أسرع وقت ممكن وبأحسن الأدوية وتبقى النتيجة منوطة به سبحانه وحده إن شاء حصل الشفاء وإن شاء غير ذلك فلا راد لمشيئته .
قال تعالى : (( وإذا مرضت فهو يشفين )) سورة الشعراء : آية 80 .
فيبين بذلك لنا القرآن أن الشفاء بإرادة الله عز وجل وإنما جعل الطب وسيلة لتخفيف الآلام وسبباً للشفاء إن كان مقدراً من عند الله لأن الحق تبارك وتعالى ربط لنا الأسباب بالمسببات .
والطبيب المسلم يدرك بأن تشخيصه وعلاجه سبب أمر الله باتخاذه توسلاً للشفاء وتخفيف الآلام بيد أنه ليس وسيلة للشفاء بذاته ، بل بإرادة عليا هي إرادة الله عز وجل .
وعلى ذلك تحددت طبيعة المسؤولية الطبية تجاه المريض (( وقد ورد في تعليمات السلوك المهني للأطباء أن المسؤولية الطبية تجاه المريض مسؤولية عناية وليست مسؤولية شفاء)) .
ومن المعروف بأن الطبيب باعتباره بشراً مهما حصّـل من العلم ومهما علت منزلته ومكانته لا يستطيع تشخيص العلة المؤدية إلى المرض أو الموت بدقة تامة من غير خطأ ، وبذلك لا يستطيع ضمان الشفاء ولكنه لا يقطع الأمل ، وفي نفس الوقت هو مسؤول عما يستعمله أو يقصر في استعماله من طرق وتقنيات بالفحص الطبي ولا مسؤولية عليه في الخطأ بالتشخيص إذا ثبت استعانته بجميع الوسائل المتوفرة في منطقته . فالطبيب معالج والله شافٍ والمعالج عرضة للصواب وعرضة للخطأ . وأن الطبيب المصيب في علاجه لم يخرج من قدر الله .
ثـالـثـاً – ضرورة الأخذ بالأسباب فـي التداوي ثـم التوكـل :
إضافة لما ذكرنا سابقاً نقول لقد (( كان من هديه فعل التداوي في نفسه ، والأمر به لمن أصابه مرض من أهله وأصحابه ، روى مسلم في صحيحه من حديث أبي الزبير عن جابر بن عبد الله ، عن النبي أنه قال (( لكل داء دواء ، فإذا أصيب داء الدواء برأ بإذن الله عز وجل )). وفي الصحيحين عن عطاء عن أبي هريرة قال قال رسول الله : (( ما أنزل الله من داء إلاّ أنزل له شفاء )) .
وفي مسند الإمام أحمد من حديث زياد بن علافة عن أسامة بن شريك قال (( كنت عند النبي وجاءت الأعراب فقالوا : يا رسول الله أنتداوى فقال : نعم ، يا عباد الله تداووا ، فإن الله عز وجل لم يضع داء إلاّ وضع له شفاء غير داء واحد ، قالوا : ما هو ؟ قال : الهرم )) وفي لفظه (( أن الله لم ينزل داء إلاّ أنزل له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله )) .
وفي المسند والسنن عن أبي خزامة قال (( قلت يا رسول الله : أرأيت رقى نسترقيها ، ودواء نتداوى به ، وتقاة نتقيها ، هل ترد من قدر الله شيئاً ؟ فقال : هي من قدر الله )) .
يقول ابن القيم معلقاً على هذه الأحاديث :
(( فقد تضمنت هذه الأحاديث إثبات الأسباب والمسببات وإبطال قول من أنكرها . ويجوز أن يكون قوله (( لكل داء دواء )) على عمومه ، حتى يتناول الأدواء القائلة ، والأدواء التي لا يمكن طبياً أن يبرئها ، ويكون الله عز وجل قد جعل لها أدوية تبرئها ، ولكن طوى علمها عن البشر ولم يجعل لهم إليها سبيلاً ، لأنه لا علم للخلق إلاّ ما علمهم الله .
ولهذا علق النبي الشفاء على مصادفة الدواء للداء ، فإنه لا شيء من المخلوقات إلاّ له ضد ، وكل داء له ضد من الدواء يعالج بضده ، فعلق النبي البرء بموافقة الداء للدواء . وهذا قدر زائد على مجرد وجوده فإن الدواء متى جاوز درجة الداء في الكيفية أو زاد في الكمية على ما ينبغي نقله إلى داء آخر ، ومتى قصر عنها لم يف بمقاومته ، وكان العلاج قاصراً ومتى لم يقع المداوى على الدواء لم يحصل الشفاء ، ومتى لم يكن الزمان صالحاً لذلك الدواء لم ينفع ، ومتى كان البدن غير قابل له ، أو القوة عاجزة عن حمله ، أو ثم مانع يمنع من تأثيره لم يحصل البرء لعدم المصادفة ، ومتى تمت المصادفة حصل البرء ولابد ، وهذا أحسن المحملين في الحديث )) .
وإذا ما أخذ المريض بالأسباب ، وطرق الطبيب جميع الأبواب وحاول جاهداً ولكن لم يوفق في التوصل إلى الشفاء ، عندها على المريض والطبيب عدم اليأس بل الالتجاء لخالق المسببات والذي لا يعجزه خلق أسباب جديدة أخرى إذا ضاعت الأسباب معتقدين اعتقاداً جازماً أن لا فاعل في هذا الكون إلاّ الله ، قال تعالى (( وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى )) سورة الأنفال : آية 17 .
فالأطباء يداوون بالأسباب وهم مؤمنون بأنها من الله وقلوبهم متوكلة عليه وحده ، فهو المشافي وهو بيده ملكوت السماوات والأرض .
رابعـاً – الـتـداوي لا يـنـافـي الـتـوكـل :
ويضيف ابن القيم في تعليقه على الأحاديث التي مرت في الفقرة السابقة :
(( وفي هذه الأحاديث الصحيحة الأمر بالتداوي ، وأنه لا ينافي التوكل ، بل لا يتم حقيقة التوحيد إلاّ بمباشرة الأسباب التي نصبها الله ، فإن تركها عجزاً ينافي التوكل الذي حقيقته باعتماد القلب على الله في حصول ما ينفع العبد في دينه ودنياه ، ودفع ما يضره في دينه ودنياه ، ولابد مع هذا الاعتماد من مباشرة الأسباب وإلاّ كان معطلاً للحكمة والشرع ، فلا يجعل العبد عجزه توكلاً ، ولا توكله عجزاً وفيها رد على من أنكر التداوي وقال إن كان الشفاء قد قدر فالتداوي لا يفيد وإن لم يكن قدر فكذلك . وأيضاً فإن المرض حصل بقدر الله ، وقدره لا يدفع ولا يرد وهذا السؤال هو الذي أورده الأعراب وقد أجابهم النبي بما شفى وكفى فقال هذه الأدوية والرقى والتقى هي من قدر الله فما خرج شيء عن قدره بل يرد قدره بقدره وهذا الرد من قدره )) .
ولا يفوتنا التذكير هنا إلى (( أن الاهتمام بالعلاج أو التداوي واجب ديني من ناحية أخرى قد تخفى على الكثيرين ، فقد يدهش البعض حينما يعرف أن العلاج جزء من الوقاية ، لأن علاج أي مريض قد يجنب غيره الإصابة بالمرض إذا كان المرض معدياً ، لأنه إذا بقي على حاله دون علاج تفشى الداء وكثر المرض وحاق بالمجتمع ضرر بليغ ، ومن ثم فإن الأمر بالتداوي ليس مجرد حفاظ على فرد بعينه ولكنه وقاية للمجتمع ككل . كما يمكننا أن نضيف إلى ذلك أيضاً إن ترك الداء دون علاج قد يؤدي إلى مزيد من المضاعفات أو العاهات ، فيصبح المريض حتى بعد أن يشفى من مرضه ، عاجزاً عن أداء دوره في الحياة ، بضعف في إبصاره أو شلل في طرف من أطرافه ، أو تلف في جهاز من أجهزة جسمه )) .
الــمــصادر :
- ابن منظور : لسان العرب المحيط – إعداد يوسف خياط ، دار لسان العرب ، بيروت ، مجلد 3 ، ص 469 ، مجلد 2 ، ص 335 .
- الجوزية ، شمس الدين أبي عبد الله محمد بن قيم : زاد المعاد – شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر ، الطبعة الثانية ، 1950 ، ج 3 ، ص 63 .
- مدرسي ، الدكتور تاجي : المفهوم الإسلامي للشفاء – بحث قدم في المؤتمر العالمي الأول للطب الإسلامي ، الكويت 1981 ، ص 468 – 487 .
- محمد ، الدكتور محمود الحاج قاسم : الطب الوقائي النبوي – الطبعة الثانية ، دار النفائس للطباعة والنشر والتوزيع ، بيروت 2001 .
- النسيمي ، الدكتور محمود ناظم : كتاب الطب النبوي والطب الحديث – الشركة المتحدة للتوزيع ، الطبعة الأولى ، ج 2 ، ص 156 .
- الصياد ، الدكتور إبراهيم : نظرة الإسلام للطب – بحث قدم في المؤتمر العالمي الأول للطب الإسلامي ، الكويت 1981 ، ص 23 .
- الصياد ، الدكتور إبراهيم : النظرية الطبية الإسلامية في الوقاية والعلاج – بحث قدم في المؤتمر العالمي الرابع عن الطب الإسلامي ، كراجي 1986 ، ص 198 .
- تعليمات السلوك المهني : نقابة الأطباء – مطبعة شفيق ، بغداد 1977 ، ص 23 .
- شعراوي ، محمد متولي : 200 سؤال وجواب في لفقه الإسلامي ج 2 ، ص 109 .
- الجوزية ، ابن القيم : زاد المعاد ( مصدر سابق ) ج 3 ، ص 66 .
- المصدر نفسه : ج 3 ، ص 67 .
- الكيلاني ، د . نجيب : في رحاب الطب النبوي – بحث قدم في المؤتمر العالمي الثالث للسيرة والسنة النبوية ، الدوحة 1400 هـ .
4806 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع