خالد القشطيني
جحا والست مراته
بالإضافة إلى الأبعاد السياسية للنكات الجحاوية، هناك قبل كل شيء الجانب العائلي والاجتماعي لسخريته. ويماشي جحا في ذلك نهج الكثيرين من الظرفاء والهزليين، ولا سيما في الضحك على الزوجة والحماة. ونجد في حكاياته هذا الخماسي الذي يتكرر باستمرار: جحا، وزوجته، وابنه، وحماته، وحماره. بيد أن جل نكاته الاجتماعية تنصب على زوجته ونزاعه المستمر معها، كما حصل عندما كانا نائمين في ليلة قارسة البرد وسمعت زوجته ضجيجاً في الطريق فأيقظته وألحت عليه أن يخرج ويرى ما الأمر. عبثاً حاول إقناعها بأن الموضوع لا يخصهما، فلبس حذاءه وتلحف باللحاف اتقاء من البرد وخرج. وما إن رأى القوم جحا ملتحفاً باللحاف حتى ضجوا بالضحك ونهبوا اللحاف منه وهربوا. عاد إلى زوجته فسألته عن سبب المشاجرة فقال لها: اللحاف. وقد ذهبوا باللحاف وانتهى العراك.
من الواضح أن هذه النكات المنزلية تعبر عن هاجس ومشاعر جمهور الرجال عامة. وفي حكاية أخرى عبر الخوجة نصر الدين جحا تعبيراً صريحاً عن هذه المشاعر وشجون حياته مع امرأته عندما جاءت للعشاء بشوربة بحرارة عالية جداً. أخذت منها ملعقة ما إن وضعتها في فمها حتى احتقنت عيناها وانهمرت الدموع منهما. فسألها عن ذلك فقالت: تذكرت أمي التي كانت تحب هذه الشوربة فبكيت. ومد جحا ملعقته وما إن وضعها في فمه حتى انكوى بذلك وتدفق الدمع من عينيه فسألته عما دهاه فأجابها: تذكرت أمك التي تركتك علي فبكيت!
وبالطبع يشاركه معشر الرجال في شكواه منها. فقالوا له: ما لزوجتك تدور في البلد من بيت إلى بيت؟ فقال: هذا غير صحيح. فلو فعلت ذلك لحضرت لبيتنا!
في سائر هذه النكات العائلية والاجتماعية، يصور جحا الظرفاء في إطار الفقر والعوز الذي يعيشون فيه. سمعت الزوجة صوت لص في البيت فأيقظت زوجها من نومه ونبهته إلى وجود حرامي في البيت فقال لها: دعيه يفتش، قد يجد شيئاً في بيتنا ويأخذه!
وفي حكاية أخرى، توصل جحا إلى شراء ثلاث إوقيات من اللحم جاء بها لزوجته لتطبخها للعشاء ففعلت ذلك، ولكنها لم تستطع الانتظار فدعت أهلها فأجهزوا على ما في الطنجرة من طعام. عاد جحا مساء فلم يجد شيئاً مما ابتاعه. فقالت له زوجته إن القط سرق اللحم وأكله. فمسك جحا بالقط ووضعه في الميزان فإذا به يزن ثلاث إوقيات. فالتفت إلى زوجته وقال: إذا كان هذا هو القط فأين اللحم الذي أكله؟ وإذا كان هذا هو اللحم فأين القط؟
وفي طريفة أخرى، عبر جحا عن الكره الأبدي بين الزوج وحماته. قالوا إنها ذهبت لغسل ثيابها في النهر فسقطت فيه ولم تظهر. فاستدعوا جحا ليفتش عن جثتها فأخذ يمشي صعوداً بجانب النهر. قالوا له: لا يكون البحث عن جثة بهذا الشكل. فالجثة تذهب مع التيار نزولاً لا صعوداً. قال: أنتم لا تعرفون حماتي. كل أفعالها عكسية!
822 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع