ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث الحديث المتمرس – جامعة الموصل
الشيخ رشيد الخطيب من رموز التنوير في الموصل 1886-1979
منذ السبعينات من القرن الماضي ، وبالتحديد في سنة 1973 ، تعرفتُ على الشيخ رشيد الخطيب ( 1886- 1979 ) ، وزرته عندما كنت أعد رسالتي للماجستير عن ولاية الموصل و قد استقبلني بكل حفاوة ، واجاب على كل اسئلتي في حينه ، وقد ظلت هيئته في ذهني حتى وانا اتحدث اليكم ، وحسنا فعل مركز دراسات الموصل حين نظم ندوة عنه في26 نيسان سنة 2010 بعنوان : ( الشيخ رشيد افندي الخطيب ودوره الاصلاحي ) ، والتي شارك فيها نخبة من الباحثين والاساتذة الذي تناولوا جوانب مختلفة من حياته ، وشخصيته ، واهتماماته في مجالات التربية والتعليم والتفسير .
ورشيد الخطيب ، أحد رموز الموصل الذين يحق لنا أن نفخر به ونضعه في المكان الذي يستحقه ، وذلك للدور الكبير الذي قام في في مجال تنمية الوعي ، وتشجيع التوجه نحو التعليم بإعتباره طريقا للازدهار الحضاري ، واللحاق بركب الحضارة الحديثة كما كان يقول .ومما كان يؤكده وهو يوجه نداءه للشباب : " أنكم أنتم رجال الغد ، خلقتم لتتعلموا وتعملوا ، فلاحياة لأمة ألا بالعلم ، ولامزية لقوم إلا بالعمل .
ومن حسن حظ الموصل في اواخر القرن التاسع عشر والقرن العشرين ، أن هيأ الله لها رجالا تنويريين منفتحين يدعون الى الاصلاح ، والتقدم ، والنهوض وكان الشيخ رشيد الخطيب واحدا من هؤلاء الرجال .
والشيخ رشيد الخطيب بن صالح الخطيب بن الحاج طه البزاز من ال الخطيب الاسرة الطائية الموصلية العريقة المعروفة بتمسكها بأهداب الدين الاسلامي ، وهو من مواليد سنة 1886 ، ووالده هو الشيخ صالح الخطيب الذي تتلمذت على يديه أجيال من العلماء .
وقد حصل الشيخ رشيد الخطيب على الدراسة الدينية ، والرسمية عمل مدرسا للغة العربية ، والتربية الدينية في المدرسة الخضرية التي داومت في سنة 1919 في بناية الاعدادية الشرقية الحالية ، وكان الشيخ رشيد الخطيب قد اطلع ومن خلال الصحف والمجلات والكتب التي كانت تصل الموصل من اسطنبول وبغداد ، ودمشق ، وبيروت ، ودمشق ، والقاهرة على أفكار رجال النهضة العربية الحديثة ، ومنهم الشيخ جمال الدين الافغاني والشيخ محمد رشيد رضا والشاعر جميل صدقي الزهاوي والشيخ محمد عبده والشيخ عبد الرحمن الكواكبي وتأثر بها خاصة في نظرته المتحررة الى الحياة وايمانه بأن التعليم وتشجيعه هو الطريق الاول نحو النهوض ، والتخلص من رواسب الماضي ، وآثار التخلف ، والتواكل ، والكسل .
حين كتبتُ في ( موسوعة الموصل الحضارية ) الفصل المتعلق بالموصل والحركة العربية القومية في مطلع القرن العشرين ، أشرتُ الى الاجواء السياسية والثقافية التي عاشَ فيها رشيد الخطيب والدور الذي لعبته ( جمعية العلم) و ( جمعية العهد) في الموصل في مجال مقاومة الاستبداد ، والخضوع للاجنبي .
وكان رشيد الخطيب ، واحدا من الرجالات الموصليين الذين قاوموا بالكلمة ، الاستعمار البريطاني فقد أسهم في الثورة العراقية الكبرى .. ثورة العشرين ، 1920 ووقف اكثر من مرة خطيبا في الجماهير يستنهض الهمم ، ويدعو الى المقاومة ، لكنه وفي الوقت نفسه يدرك أهمية الاستفادة مما اخترعه الغرب ويدعو للاستفادة من منجزاته في مجال الحضارة والتكنولوجيا .
ومما أريد أن أقوله ، وأنا أتحدث عن الشيخ رشيد الخطيب انه كان واحدا ممن اكد بأن العروبة والاسلام في الموصل كانا صنوان ؛ فالعروبة ملتصقة بالاسلام ومرتبطة به إرتباطا جدليا ولعوامل تاريخية معروفة بحكم موقع الموصل الجغرافي ، وتركيبتها الاجتماعية .. وكان الشيخ رشيد الخطيب عروبيا اسلاميا ، مؤمنا بالاصلاح ، وكان على معرفة دقيقة بمحركات الواقع السياسي والاجتماعي في الموصل والعراق كله .
لهذا فإن الشيخ رشيد الخطيب في محاضراته ، ودروسه ، ووعظه كان يدعو الآباء للاهتمام بتعليم اولادهم وتثقيفهم وتوعيتهم واعدادهم للمستقبل وكان يقول مخاطبا الآباء ان اولادكم امانة في اعناقكم .
نقطة اخرى أريد أن أذكرها عن الشيخ الخطيب ، هي نبذه للتعصب ، وايمانه بإحترام ذوي الاديان والمذاهب والآراء الاخرى ، لهذا كنا نرى مجلسه يغص بكل عناصر المجتمع الموصل المختلفين دينيا ، ومذهبيا ، وعنصريا ، وثقافيا لكنهم كانوا جميعا ، وفي مجلسه يظهرون بأنهم كتلة متراصة تدافع عن الموصل ، وتحمي العراق وكان يقول بإستمرار لجلسائه ان التعصب وراء سقوط وإنهيار الحضارات والامم .
ومسألة أُخرى كان يؤكد عليها الشيخ الخطيب ، وهي ان الاسلام كان ثورة على التفرقة ، والجهل ، والتخلف ، والشرك وانه نزل للعالمين جميعا لذلك كان لابد ان تكون للكلمة الطيبة دور فيه ، فالكلمة الطيبة الصادقة ، تكون دوما جامعة وهو ما كان يؤكد عليه الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم .
ومن هنا نجد ان الشيخ رشيد الخطيب إتجه الى تفسير القرآن الكريم تفسيرا عقلانيا جديدا ، وتفسيره الذي تولت جامعة الموصل طبعه في مطبعتها سنة 1972 كان بعنوان ( أُولى ما قيل في آيات التنزيل ) إبتدأ في اعداده سنة 1944 ، وانتهى منه سنة 1946 وقد كتب عنه الاخ الدكتور سارية عبد الوهاب وقالت انه مؤلف من مقدمة وتسعة اجزاء .ويقينا ان تفسيره هذا يعد من ابرز أعماله وفيه وقف موقف المتشكك من الاسرائيليات وخاصة فيما يخص عصمة الانبياء ، وأهم ما في منهج الشيخ رشيد الخطيب وهو يفسر القرآن الكريم ، إنه إعتنى بالجانب العقلي ، واضاف اليه تجربته الشخصية ، وراعى مفاهيم اللغة والبلاغة .
ترك لنا الشيخ رشيد الخطيب كثيرا من الكتب والرسائل منها فضلا عن تفسيره للقرأن الكريم ، (رسالة في علم العقائد ) 1965 ، و( رسالة في علم التوحيد ) ، و( مختصر البلاغة ) ، ، و( دروس في الاخلاق والسيرة ) ، و (المفيد في اصول الفقه ) ، و( الزكوات وانواعها ) ، و(تاريخ ادب اللغة ) ، و(حقيبة الاديب ) ، و( مبادئ علم الهيئة ) ، و( المدارك الدقيقة في محتويات سورة الحجرات ) 1940 ، و( أصول الفقه الاسلامي ) 1980 ، و( رسالة في ماني الحروف ) ، و( مختصر في علم الفرائض ) .وقسم من هذا النتاج لايزال مخطوطا ، ولابد ان تمتد اليه يد الطبع او التحقيق .ومما ينبغي علينا ذكره ايضا ان الشيخ رشيد الخطيب كان مهتما بعلم الفلك ، ومواقع النجوم وقد وضع مع أخيه سعد الدين جدولا بمواقيت الصلاة ، وتحديد سمت القبلة في الموصل .
توفي الشيخ رشيد الخطيب يوم الخميس 20 كانون الاول سنة 1979 ، وذلك عن عمر ناهز (97 ) سنة رحمه الله وجزاه خيرا على ماقدم .
ويقينا ان على شاباتنا وشبابنا اليوم أن يطلعوا على سيرته وتجربته في الحياة ليستفيدوا منها في قابل أيامهم . ومما قد يساعدهم على ذلك انه ترك رسالة نشرها سنة 1979 في مطبعة الجمهور بالموصل ، وقبل فترة قصيرة من وفاته عنوانها : ( رسالة في مواضيع مهمة ) كتبها سنة 1976 ووضع فيها بعض آراءه في الكون ، والمجتمع ، والروح ، والحياة ، ووقف عند جوانب من سيرته ، وسيرة والده ، ونبذة عن اسرته ونسبه .
4816 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع