ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل
شخصيات عربية عملتْ في الموصل
رحم الله الشاعر الموصلي الكبير السري الرفاء عندما قال عن الموصل :
أرض يحن اليها من يفارقها *** ويحمد العيش فيها من يدانيها
ورحم الله الُكتاب والبلدانيون العرب عندما قالوا ان الموصل تحب الغريب ..ورحم الله من قال ان من عاش في الموصل حولا وتفقد عقله وجد فيه زيادة .
وهكذا هي الموصل ، هذه المدينة العريقة ؛ فقد إحتضنت عبر تاريخها الطويل عددا من الرموز العرب من الشعراء ، والكتاب ، والرحالة ، والاطباء ، والسياسيين ، والفنانين ، والمؤرخين عملوا فيها ، وعاشوا فيها ، واحبوها وكتبوا عنها .
وسوف أقف فقط عند من عاش فيها ، وعمل خلال ال ( 100 ) سنة الماضية . وأركز على الشخصيات البارزة المبدعة التي قدمت خلاصة خبراتها لهذه المدينة المعطاء ، مع علمي ، وعلمكم انه وخلال الثمانيات من القرن الماضي عاش فيها وخلال الحرب العراقية –الايرانية 1980-1988 الاف من اخوتنا المصريين ، والسودانيين وغيرهم ، وخاصة في المهن الحرة كالحدادة والكهرباء ، والنجارة والسباكة والبقالة والبناء .
واقول انه عمل في الموصل في مطلع القرن العشرين وبعد الاحتلال البريطاني للموصل في العاشر من تشرين الثاني سنة 1918 عددٌ من الصحفيين منهم انيس صيداوي .عمل رئيسا لتحرير جريدة ( الموصل ) التي أعاد الانكليز اصدارها بعد الاحتلال وهي التي سبق للعثمانيين ان اصدروها في 25 حزيران سنة 1885 . وأنيس صيداوي صحفي لبناني كان مرافقا للانكليز في حملتهم على العراق ، وهو من خريجي الجامعة الاميركية في بيروت زاول الصحافة بعد حصوله على درجتها العلمية فزامل جرجي عطية الاديب البيروتي في جريدته ( المُراقب ) ، وبعد نشوب الحرب العظمى توقفت ( المُراقب) فتحول الرجل الى مهنة الترجمة والتحق بالجيش البريطاني وقد عمل كاتبا في قلم الترجمة بدائرة الحاكم السياسي البريطاني في الموصل .وقد قرأت لانيس صيداوي العديد من المقالات في جريدة الموصل التي عادت للصدور في 15 تشرين الثاني سنة 1918 .
وممن عمل في الموصل الصحفي والكاتب رياض روفائيل وهو مصري اشتغل بالتدريس مدة من الزمن وكتبتُ عنه في كتابي (نشأة الصحافة العربية في الموصل ) الذي اصدرته سنة 1982 وقلت انه عمل في الموصل ، وجاء مع الانكليز بعد احتلال قواتهم للموصل سنة 1918 ، وبعدها انتقل الى بغداد وتجنس بالجنسية العراقية وقد اشهر اسلامه بعد ان كان قبطيا .ومن الطريف ان اقول انه اسهم مع عدد من الموصليين في اصدار مجلة (النادي العلمي ) في 15 كانون الثاني سنة 1919 وكتب فيها عددا من المقالات وكان علي الجميل رئيسا لتحريرها .
ومن اوائل المدرسين العرب الذين عملوا في الموصل انيس زكريا النصولي وهو من لبنان وكان مدرسا للتاريخ في ثانوية الموصل سنة 1924 الف كتابه (تاريخ الدولة الاموية في الشام ) في العراق واسهم في تأسيس (جمعية النهضة المدرسية ) وكان من اهدافها مناصرة مبادئ الحرية والتقدم وكان لهذه الجمعية دور مهم في الدفاع عن صيرورة الموصل جزءا من الدولة العراقية الحديثة في سنة 1924-1926 .وكان الى جانب انيس زكريا النصولي عدد من الاساتذة العرب منهم مينا عوض وعبد الله الحاج ورياض رأفت وتوفيق قشوع وسامي سليم .
كما ان درويش المقدادي وهو من المفكرين القوميين عمل مدرسا للتاريخ في ثانوية الموصل خلال السنة الدراسية 1924-1925 وقد غادر الموصل لكنه عاد اليها السنة الدراسية 1927-1928 ليدرس التاريخ في متوسطة الموصل ويشير الدكتور غانم وحيد خالد في اطروحته للدكتوراه التي قدمها الى كلية الاداب –جامعة الموصل سنة 1995 بإشراف الدكتور سيار كوكب الجميل الى ان درويش المقدادي نقل الى ثانوية الموصل سنة 1933 واشرف على نشرة طلابية بعنوان ( اللجنة ) كانت تنشر الفكر القومي ومن ابرز كتابها الشعيد محمد يونس السبعاوي .وقد تولى درويش المقدادي ادارة ثانوية الموصل في 24 تشرين الاول سنة 1933 .
وقد عرفت الموصل خلال العشرينات والثلاثينات عددا من المدرسين العرب وخاصة من الفلسطينيين امثال محمد طاهر الفتياني وسعيد شقير وجواد الدجاني . وعبد الرحمن الزعبي . وغيرهم ممن مارسوا دورا مهما في تثقيف جيل عريض من شباب الموصل وكان كل اؤلئك من المؤمنين بالفكر القومي وبالوحدة العربية .
ومن الطريف القول ان درويش المقدادي استقدم الكاتب المصري الكبير احمد حسن الزيات صاحب مجلة الرسالة الى الموصل عندما كان يدرس في بغداد ولمدة ثلاث سنوات واودع الزيات ذكرياته وانطباعاته عن الموصل وقد احتفى نادي الجزيرة به فأقى محاضرة والتقى الاعضاء في النادي العسكري في الموصل .
وممن درس ايضا في مدارس الموصل امين طليع من لبنان درس التاريخ في ثانوية الموصل سنة 1936 وهناك وصفي البني (1915- 1983 ) من حمص بسوريا ووصفي بن رفيق هو شاعر ايضا وكان مدرسا للغة العربية ولمادة (الواجبات المدنية والاخلاقية ) سافر الى سوريا سنة 1942 وعمل محررا في جريدة (صوت الشعب ) وعمل في الموصل ايضا صالح عقيل من سوريا كان يدرس مادة الحيوان والنبات في ثانوية الموصل 1938 وسعيد رعد كان يدرس التاريخ في الموصل سنة 1937 ومحمد شبقلو درس مادة الكيمياء في ثانوية الموصل سنة 1937وسليم عرنوق لبناني من طرابلس درس مادة الرياضيات في ثانوية الموصل 1937 - 1939 وسعيد ابو حمزة وهو لبناني ايضا درس اللغة الانكليزية في ثانوية الموصل سنة 1937 وامين خليفة لبناني درس الاقتصاد في ثانوية الموصل سنة 1937 وانور العطار وهو سوري 1913-1972 درس اللغة العربية في ثانوية الموصل سنة 1937ونشر عددا من المقالات في مجلة ( المجلة ) الموصلية وانتقل الى بغداد سنة 1939 وكان انور العطار شاعرا كبيرا وله ديوان منشور بعنوان ( ظلال الايام ) .
كما عاش في الموصل الشاعر السوري محمد الفراتي وكتب فيها اجمل قصائده ونشرت له جريدة ( صدى الجمهور ) الموصلية عددا من القصائد سنة 1927 .
وشهدت الموصل ايضا عددا من المدرسات العربيات وقسم منهن عملوا على المشاركة في تأليف جمعيات ثقافية نسوية من قبيل (جمعية بنات الضاد) الموصلية التي اسستها عدد من المربيات العربيات في اعدادية الموصل للبنات السنة 1927-1928 منهن انيسة روضة وهي لبنانية عملت مديرة لاعدادية الموصل للبنات والاديبة سلوى نصار من فلسطين وروز غريب من لبنان فضلا عن جورجيت مبارك و فكتوريا بحوش وماركريت شويري وسيليا مالك .
كتب الاستاذ سعد الدين خضر الكاتب والصحفي الموصلي مقالا جميلا بعنوان : (مبدعون عرب عاشوا في الموصل ) نشرته جريدة الزمان (اللندنية ) ، في عددها الصادر في 7-12-2010 ذكر فيها اسماء بعض المبدعين من العرب الذين عاشوا في الموصل .
وقد نحتاج الى كثير من الوقت لكي نستعرض أسماء الكثيرين من العرب السوريين او المصريين او اللبنانيين او الفلسطينيين او غيرهم من اقطار العروبة ، وانا في كتابي ( خمسون عاما من تاريخ جامعة الموصل 1967-2017 ) ، ذكرت الكثيرين من الاساتذة العرب الذين درسوا في جامعة الموصل ومنهم الاستاذ الدكتور احمد عبد الرحيم مصطفى المؤرخ المصري الكبير حيث عمل استاذا في قسم التاريخ بكلية الاداب –جامعة الموصل وبعدع عمل الاستاذ الدكتور محمد عبد الرحمن برج المؤرخ المصري المعروف ايضا في قسم التاريخ بكلية الاداب –جامعة الموصل .ومن الاساتذة العرب الذين عملوا في كليات جامعة الموصل الاستاذ الدكتور حسن حلمي سالم الاستاذ في كلية الطب والاستاذ الدكتور زكريا فؤاد احمد الاستاذ في العلوم الصيدلانية والاستاذ الدكتور كمال الزرقاني الاستاذ في جراحة العظام والاستاذ الدكتور محمد عبد العزيز البهنساوي الاستاذ في قسم الطب العدلي والاستاذ الدكتور ابراهيم احمد ابو النجا الاستاذ في الفسلجة والاستاذ الدكتور احمد فتحي عبد الموجود شلبي الاستاذ في الكيمياء والاستاذ الدكتور امين علي السيد الاستاذ في اللغة العربية والاستاذ الدكتور احمد نصر راغب الاستاذ في التاريخ والاستاذ الدكتور محروس علي شادي الاستاذ في المحاسبة والاستاذ الدكتور مختار متولي الاستاذ في الاقتصاد والاستاذ الدكتور لطفي الكسان وهبة الاستاذ في ادارة الاعمال والاستاذ الدكتور كمال السيد غنيم الاستاذ في الانتاج الحيواني والاستاذ الدكتور مصطفى صفوت محمد الاستاذ في الصناعات الغذائية والاستاذ الدكتور محمود رشاد شديد الاستاذ في البستنة والاستاذ الدكتور ابراهيم ابو اليُمن الاستاذ في وقاية النبات وهؤلاء من اخواننا المصرين عملوا في السنوات الاولى من نشأة جامعة الموصل اي بين سنتي 1967-1974 ، وقد بدأ عددهم يقل عندما بدأت الكوادر العراقية تأخذ طريقها في سد النواقص في الاختصاصات العلمية المختلفة .
وايضا ممن ذكرت ان الطبيب الاديب السوري الدكتور صبري القباني صاحب مجلة (طبيبك) المعروفة قد عاش في الموصل منتصف ثلاثينات القرن الماضي حين كان طبيبا في الجيش العراقي ، وقد اشرت في حلقة سابقة الى تقريره عن السيد مجيد السيد حمو عندما كان يعمل الى جانبه في المستشفى الملكي في الموصل .
وكذلك لابد من الاشارة الى ان الدكتور (أمين رويحة) صاحب كتاب (التداوي بالأعشاب) ، وقد عمل عمل طبيبا عسكريا في بعض وحدات الجيش العراقي في الموصل وفي شمال العراق.
وفي صيف سنة 1951 امضى الشاعر الفلسطيني الكبير الاستاذ (معين بسيسو) عطلة تلك السنة في الموصل حيث كان يعمل مدرسا في قضاء الشامية جنوب العراق. ومعين بسيسو صحفي عمل مديرا لتحرير جريدة (الثورة) السورية قبل نكسة حزيران سنة 1967 وكذلك عمل رئيسا للقسم الثقافي في جريدة (الأهرام) المصرية ورئيسا لتحرير الطبعة العربية لمجلة (اللوتس) التي يصدرها أتحاد كتاب آسيا وأفريقيا وذلك من عام 1974 حتي وفاته رحمه الله سنة 1984.
ومن اعمال معين بسيسو الشعرية : (قصائد مصرية) 1954 و (الأردن علي الصليب) 1957 و (فلسطين في القلب) 1961 و (الأشجار تموت واقفة) 1964 و مسرحية (مأساة جيفارا) 1970 و مسرحية (ثورة الزنج) 1971 و قرابة عشرة أعمال أخري.
وعاش في الموصل في السنوات الأولى من سبعينات القرن الماضي الأديب المصري الدكتور سعيد عبده الذي كان يشرف على ( قسم طب وعلوم) في مجلات (دار الهلال) المصرية مثل (المصور) و (الهلال) .
وممن عمل في الموصل الأديبة والقاصة والروائية اللبنانية الكبيرة الاستاذة ( روز غريب 1909 -2006 ) ، كانت مدرسة في (ثانوية الموصل للبنات) وكانت نعروفة بعمق ثقافتها واتساع معلوماتها حتى انها كانت تسحر طالباتها بحيث صارت موضع اعجابهن واعجاب زميلاتها .
عملت (روز غريب) في الموصل قرابة ثلاث سنوات وعادت الي لبنان لتتولى رئاسة تحرير مجلة (الرائدة) النسوية ومن مؤلفاتها : (النقد الجمالي وأثره في النقد العربي) و (مي زيادة : التوهج والأفول) و (جبران في أثاره الكتابية) و (نسمات وأعاصير في الشعر النسائي المعاصر) وفي القصة تركت (خطوط وضلال) و (نور النهار) و (النار الخفية) ولها في الرواية (رواق اللباب) و (المعني الكبير) .
وقد عاش في الموصل الدكتور نايف حواتمة أحد القادة الكبار المؤسسين لحركة القوميين العرب وبعد ذلك اصبح ( الامين العام للجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين ) وهو من مواليد سنة 1935 ، وكان متخفيا تحت اسم مستعار ، وعندما كتب تلميذي الدكتور عبد الفتاح علي البوتاني معي في الماجستير والدكتوراه تطرق الى الدكتور نايف حواتمة وكتب عن فترة وجوده في الموصل وقال في رسالته للماجستير التي انجزها بإشرافي وظهرت في كتاب عنوانه ( الحياة الحزبية في الموصل 1926-1958 ) ان قيادة اقليم العراق في حركة القوميين العرب طلبت من نايف حواتمة ان يتولى بنفسه تنظيم الحركة ، وقيادة نشاطاتها في الموصل لاهمية الموصل في الحركة العربية القومية خلال الخمسينات من القرن فوصلها برفقة حسيب العمري في منتصف كانون الثاني سنة 1959ونزل في دار المرحوم شفاء العمري الكاتب والفنان المسرحي المعروف عدة ايام الى ان استأجر التنظيم له شقة في شارع الدواسة فوق مكتبة الحدباء وكلف الاستاذ سعيد حامد الحاج سعيد بالتردد عليه وتدبير اموره وللتمويه ادعى الحواتمة ان اسمه خالد وطلب من الذين كانوا يتصلون به او يترددون على شقته ان يدعوا اذا سأل الناس عنه بأن اسمه خالد وانه من منطقة هيت وعند اشتداد النشاط الشيوعي وانتشار عتاصر المقاومة الشعبية في شوارع الموصل ومقاهيها تمكن القوميون العرب في الموصل من ان يحصلوا على هوية للاحوال المدنية لنايف حواتمة عن طريق احد عناصرهم وكان يعمل في مديرية الاحوال المدنية وقد كان لنايف حواتمة دور كبير في تأسيس تنظيم حركة القوميين العرب في الموصل مع الاستاذ عبد الباري الطالب وحسين الفخري وسعيد حامد وعبد السيد فتحي وغازي مجدي وشفاء العمري وقيدار سليم الجلبي وكان نايف حواتمة يقضي معظم اوقاته بالتجوال في المدينة والجلوس في مقهى مصطفى داؤد الفركاحي المعروفة بمقهى صفو في باب العراق .
وعمل في الموصل عدد من رجال الدين والمشائخ وقراء القرآن الكريم ...كانوا يأتون الى الموصل في شهر رمضان المبارك وكانت الدولة تأتي بهم خلال الستينات من القرن الماضي 1963-1968 ليتولوا الوعظ والخطبة وقراءة القرآن في مساجد الموصل وجوامعها ومن هؤلاء الشيخ محمود مصطفى البرشومي والشيخ عبد الرشيد صقر والشيخ راتب الكلحي والشيخ محمود عبد الحكم .
هذه هي قصة الموصل وهي تحتضن الشخصيات العربية المبدعة في كل مجالات الحياة .... عملوا فيها ....واحبوها ...واحبتهم وكتب بعضهم عنها في سيرته وذكرياته .
3217 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع