عبدالكريم الحسيني
تعتبر الخمر من اكثر المواد استخداما وجدلا وتحريما وتحليلا من قبل البشر على مر العصور منذ رأت البشريه الحياة على وجه الارض والى يومنا هذا ومنذ اكتشافها صدفة والى تطورها اليوم مرت الخمر بالكثير من المفارقات والاحوال ولابد لنا في نبذه تاريخيه عنها وكما يرويها المؤرخون ..
يروى ان الملك ( جمشيد ) احد ملوك فارس القديمه كان في رحلة صيد ورأى شجرة كروم ولم يكن قد رآها سابقا وهي تحمل عناقيد العنب فتصور انها نوع من السموم القاتله فأمر بقلعها وجلبها الى القصر واثناء الطريق لاحظ ذبول اوراقها وخاف ان يتلف حملها فأمر ان يعصر عناقيدها وتفرز بذورها ووضعت بعد ذلك في اواني وبعد المسير ايام تخمر العصير وعند وصوله الى القصر أمر بان يجلب له رجل محكوم بالموت ليجرب عليه السم فسقاه العصير فنام الرجل ثم استيقظ بعد ساعات وهو فرح ويغني ويرقص فقال الملك لقد ذهبت بعقله وعندما استعاد وضعه سألوه فقال انها تسر وتسعد وبدأ اهل فارس باستخدامها وزرعت بكل مدنها وانتشرت ..
هناك روايه اخرى تقول ان احد ملوك السريان رأى ثعبان يقصد عش لفراخ طائر فرماه بسهم وقتله وجاء الطائر الى الملك ورما بين رجليه عنقود صغير من العنب فيه ثلاث حبات تعبيرا عن شكره لموقف الملك فامر بزرع البذور وجرب شرابها وصنع منها الخمر ..
يعتبر الخمر نوع من انواع الكحول المؤثره ورمزه الكيمياوي هو ( C2H5OH) وله استخدامات عديده جدا وخاصة في المجال الطبي والكيمياوي والصناعي والغذائي وغيره وقد اختلفت الاديان في تحريمه ولكن الاسلام حرمه وبموجب القرآن الكريم ( يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما اثم كبير ومنافع للناس واثمهما اكبر من نفعهما ) صدق الله العظيم \البقره 219 وللخمره تاريخ حافل في حياة الملوك والامراء والشعراء والشيوخ وغيرهم كثير ويضرب في قول الامام مالك في وصف الخمر ويقال ( اكثر مما قاله مالك في الخمر ) ويقال ذلك استدلالا على حكم الامام مالك في بائع الخمر باحراق داره عندما سألوه عن حكم الشرع في بائع الخمر قال (ارى ان يحرق بيت الخمار ) ..
يصف احد المؤرخين الخمر بمايلي :
( الاسود من الخمر بطيء الانحدار شديد الحراره والابيض منه قليل الحراره سريع الانحدار ,, شربها يسبب خلل في جوهر العقل ووجع في الكبد والطحال وقلة شهية للغذاء وضعف الباءه وفساد في الدماغ ويحدث النسيان ويغير رائحة الفم ويولد الرعشه وضعف البصر والسكته والصرع وموت الفجأه ,, وشربها على الريق يحث خفقانا وقساوه واوجاع .) ......
حلت امرأه اعرابيه ضيفه على بيت من بيوت العرب في قديم الزمان فسقوها خمرا فلما دارت برأسها قالت هل تشرب نسائكم منه قالوا بلى قالت فانتم قوم لايعرف احدكم من هو ابوه ...
يرى ابن المقفع وهو صاحب مبدأ الاعتدال في تناول الخمر فيقول :
سأشرب ما شربت على طعامي ثلاثا ثم اتركه صحيحا
فلست بقارف منه آثاما ولست براكب منه قبيحا
ويقول قائل آخر : الكأس الاول يكسر العطش والثاني يمرىء الطعام والثالث يفرح النفس ومازاد على ذلك فضل ....
اشتهر الكثير من الشعراء واقترنت اسمائهم بالخمر ونظموا القصائد والابيات في التغزل بها ووصفها ومن اشهرهم كان عمر الخيام وابو نواس وحافظ الشيرازي ومن القصص التي تروى عن ابو نواس انه لما مات جاء الى صديقه في المنام وسئله صديقه قال له كيف عذاب الله قال ابو نواس لقد اعفاني الله من كل الذنوب فقال له صديقه كيف ذاك ؟ قال ابو نواس بسبب ابيات من الشعر قلتها قال صديقه وما هي ؟ قال اذهب الى بيتي ستجد رقعه تحت وسادتي فيها هذه الابيات ,, فذهب صديقه الى البيت فوجدها ووجد فيها هذه الابيات :
يارب ان عظمت ذنوبي كثرة فلقد علمت ان عفوك اعظم
ادعوك ربي كما امرت تضرعا فاذارددت يدي فمن ذا يرحم
ان كان لايرجوك الا محسن فيمن يلوذ ويستجير المجرم
مالي اليك وسيلة الا الرجا وجميل عفوك ثم اني مسلم
وبالرغم من التحريم والتهديد والوعيد لشاربها في الاسلام الا انها ظلت ملازمه لكل العصور ولها ندمائها وجلاسها وشعرائها والكثير منهم تغزلوا بها من كثرة عشقهم لها وتولعهم بها ومن امثال الغزل في الخمر :
فقد تجلت ورق جوهرها حتى تبدت في منظر عجب
اشهى الى الشرب يوم جلوتها من الفتاة كريمة النسب
فهي بغير المزاج من شرر وهي لدى المزج سائل الذهب
كأنها في زجاجها من قبس تذكو ضياء في عين مرتقب
لقد اصاب الخمور من التطور في مجالات الحياة عامه ودخلت فيها الصناعه الحديثه اساليب التخمير الجديده حتى اصبح التخمير الحديث لايستغرق وقتا طويلا كما كان الحال في السابق ويقال ان التخمير في لبنان التي تعتبر من اكبر اماكن تصنيع الخمور في الشرق الاوسط انها تستخدم اسلوب الضغط البحري في تسريع التخمير وهو وضع العصير في خزانات حديديه تتحمل ضغط عالي وتنزلها الى اعماق البحر لعدة ايام بما يعادل اشهر من الحالات الاعتياديه وتعتبر بلدان الحوض الابيض المتوسط من اشهر المناطق في انتاج الخمور وخاصة ( العرق ) المشهور في العراق وتركيا ولبنان وسوريا والاردن وقبرص واليونان ..
وفي اوربا تمتاز اسكتلنده بمشروب الويسكي المشهور وتأتي بعدها ايرلندا ثم الفرنسيين في صناعة النبيذ والالمان والهولنديين في صناعة البيره والروس في صناعة الفودكا ولاتوجد دوله في العالم لاتتنتج الكحول اذا لم يكن للاستخدام كمسكر فيستخدم لاغراض اخرى ..
يقال ان في اليابان مسبح من خمر يسمح فيه بالسباحه والشرب في وقت واحد ...
ستبقى الخمره مرافقه للانسان وباشكال متنوعه واساليب متنوعه وانواع متعدده ففي بعض البلدان تراها مبذوله امام الناظر يغرف منها مايشتهي وفي اخرى محدودة تضمها عباءة الخجل وبعض آخر يعاقب عليها القانون ويجرم بائعها وشاربها وبعض الدول تفجر حاناتها واماكن بيعها وهكذا يجري الحال فالجميع يتناولها ويتداولها كل على طريقته وباسلوبه ونختتم مقالنا ببيت الشعر التالي الذي احتسب على عمر الخيام واتهموه بالزندقه من اجله ولكنه نكره بشده وتبرء من قائله..
يحكى ان الخيام كان يحتسي الخمر على رابيه ومعه الجواري يرقصن ويعزفن وهو متكىء يشرب نبيذه واذا بعاصفه قلبت كل شيء وتدحرجت الكؤوس والافرشه والزجاجات وهنا ضحك الخيام وقال :
أأسكر انا وتبدي انت عربدة ليت الثرى بفمي هل انت سكران
نستغفر الله من كل ذنب عظيم
والى اللقاء في موضوع آخر .....عبد الكريم الحسين
النديم : من الندامه
414 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع