لم يعد هناك ما يثير الاستغراب في الوضع العربي المزري اللاهثون وراء رضا الولايات المتحدة و التطبيع مع اسرائيل

                                          

                   بروفيسور سعد ناجي جواد*

لم يعد هناك ما يثير الاستغراب في الوضع العربي المزري اللاهثون وراء رضا الولايات المتحدة و التطبيع مع اسرائيل

شخصيا لم يعد هناك ما يثير استغرابي حول ما يجري في الكثير من الأوساط العربية. خاصة بعد فاجعة احتلال العراق قبل حوالي ستة عشر عاما عندما تم الكشف عن العدد غير القليل من الأشخاص الذين تعاونوا مع الاحتلال بل و شجعوا هذه العملية الحمقاء من عراقيين وعرب وإيرانيين. وزاد من هذا الشعور المُحبِط مشاهدتي اشخاصا، كانوا قبل ايام قليلة من الاحتلال قياديين في حزب البعث والدولة، يتهافتون على الترحيب بالمحتل او بمن جاء معه. ولا كيف فلسف بعضهم موقفهم هذا بانهم كانوا قد تعرضوا لظلم النظام، في حين كان اغلبهم يذهبون الى هذه اللقاءات بالسيارات التي منحهم إياها النظام السابق، عدا الامتيازات الكبيرة، او من علل عمله بانه زيارات صداقة لرفاق قدماء!!! الى غير ذلك من التبريرات الواهية. ولا حتى انقلاب مواقف كثيرين كانوا يَدّعونَ معارضة بل ومقاومة الاحتلال الى لاهثين وراءه او وراء عملاءه من اجل المناصب او المشاركة في الفساد.

ومع تصاعد التدهور في القيم والمباديء والاخلاق الوطنية لم يكن خبر قيام وفود عراقية (رسمية) بزيارة (اسرائيل)، مستغربا، ولا الأخبار عن تقارب بعض الأنظمة معها مما حدا بنتنياهو وغيره من المسؤولين الاسرائيلين للتصريح بان العلاقات الإسرائيلية مع بعض الأنظمة العربية الان أقوى وأمتن و أوسع واشمل من اي وقت مضى. كما أني لم افغر فاهي من صدمة مشاهدة صور لمجموعة من الصحفيين (العرب) وهم في زيارة لاسرائيل، ولا للعد القليل من الاعلاميين ( العرب) الذين يدعون جهارا للتطبيع مع اسرائيل. ولا عندما سمعت بزيارات بعض الأشخاص والمسؤولين لفلسطين المحتلة، او عندما قرأت ان مسؤولين اسرائيلين كبارا وصغارا زاروا دولا عربية، (ولو ان ما يواسي النفس ان غالبية هذه الامور لازالت تحدث سرا لان من يقوم بها يعلم ماذا سيكون مصيره وكيف سينبذ من أهله وشعبه). ولا من دعوات وسائل إعلام كثيرة لنزع سلاح المقاومة الذي تمكن من وضع حد للغطرسة الإسرائيلية. و اخيراً لم أُدهٓش لتصريح وزير الخارجية الامريكي الأخير بان (شخصيات رسمية عراقية) طلبت منه، بعضها خطيا، بإبقاء القوات الامريكية في العراق. ولا من تبرير بعض المتحدثين في الشأن السياسي العراقي الذين من على الفضائيات بداوا يفلسفون مسالة هذا الطلب بحاجة العراق للدعم الامريكي في الوقت الراهن لكي يستعيد مكانته!!!!. كل هذه الامور، وغيرها كثير جدا، أصبحت بالنسبة لي، ولكثيرين جدا غيري بالتأكيد، مسائل متوقعة في هذا الزمن الرديء.
اذكر انني قبل الاحتلال، وعندما كانت الاستعدادات له قائمة على قدم وساق، كنت أجادل من يقول ان خلاص العراق و تحقيق ديمقراطية و رفاهية فيه، و إقامة دولة تحترم حقوق الانسان و الحريات، سيتم على يد الولايات المتحدة. كنت اقول لهم ان هذه الأهداف السامية لا يمكن ان تحققها دولة مثل الولايات المتحدة، التي حتى وإن تناسينا تاريخها الأسود في كل المناطق التي تدخلت فيها، فلا يمكن ان ينسى العراقيون دورها في حصار بلدهم لمدة ثلاثة عشر سنة، و التسبب في مقتل اكثر من مليون و ثمنمائة الف عراقي بينهم اكثر من نصف مليون طفل، وكان ساستها يتبجحون بذلك، وتسببت في تلويث البيئة العراقية لأجيال قادمة. وان من يفعل مثل هذه الجرائم لا يمكن ان يفكر بمصلحة شعب ما. وازداد إيماني بهذا الرأي بعد ذلك و نتيجة لما اقترفته الولايات المتحدة من جرائم اثناء الاحتلال و بعده، وكيف انها قتلت او تسببت في قتل اكثر من مليون ونصف عراقي في الأقل، و رَمَّلَت و يَتَمَت الملايين، ناهيك عن تدمير دولة العراق بالكامل، ولا تزال مستمرة في ذلك، و فتحت الأبواب لكل من هب ودب في ان يتدخل فيه، وجعلته ساحة يلعب فيها الاٍرهاب والفساد كما يشاء، كل ذلك خدمة لاسرائيل التي يتهافت ضعاف النفوس على كسب رضاها، اسرائيل التي تعتبر تدمير العراق من اهم أهدافها، اسرائيل التي شكر رئيس وزرارائها الأسبق أولمرت الرئيس الامريكي الأسبق بوش الابن على تدمير العراق و (إنهاء خطرا كان يتهدد اسرائيل، كما قال في كلمته بعد انتهاء ولاية بوش)، اسرائيل التي احتلت فلسطين و شردت شعبها بالكامل، وارتكبت من المجازر ليس بحق الشعب الفلسطيني فقط وإنما بحق الشعب العربي من مشرقه الى مغربه، و بدعم من الولايات المتحدة التي لا يزال البعض يامل منها خيرا وإصلاحا. لا بل ان اصحاب هذه المواقف لم يسألوا انفسهم السؤال البسيط وهو اذا كانت الولايات المتحدة حريصة على بناء عراق قوي فلماذا حرصت على تدميره وتسليط الفاسدين والطائفيين والفاشلين على مصيره؟
ليس الغرض من هذه الكلمات، وهي قليل من كم هائل من الحقائق التاريخية والحوادث التي عاشتها الأجيال العربية واكتوت بها، هو جعل الداعين الى التطبيع المذل واللاهثين وراءه، بثمن او لمواقف طائفية او سذاجة، ان يعودوا لصوابهم، لان هذا امر بعيد المنال، خاصة مع نفوس جُبِلَت على العمالة والخيانة والمصلحة الذاتية، ولكنه محاولة متواضعة وامل يراود النفس وحُلم في ان تكون الأجيال القادمة أوعى من الجيل الذي امتهن بعض افراده الخيانة و الذل و الفساد. وان لا يكون هذا النفر القليل الضال نموذجا لهم.
*كاتب عراقي واستاذ العلوم السياسية في جامعة لندن

أطفال الگاردينيا

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

955 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع