ذاكرة المدينة / مقهى الميثاق أمام المحكمة القديمة .. وجوه وحكايات

                                                   

                          محمد سهيل أحمد

   

ذاكرة المدينة
-------------

كانت ملتقى ثقافيا بدء بالستينات
مقهى الميثاق أمام المحكمة القديمة .. وجوه وحكايات

مستلات 

- لم تعد هذه المقهى قائمة في يومنا هذا فقد حلت محلها بضعة دكاكين ومحلات للحلاقة واخرى تحولت الى مكاتب عقارية حتى ألف الناس غيابها .


تتمتع مقهى الميثاق التي ازدهرت بالرواد مابين عقدي الستينات والسبعينات بموقع فريد ، فبالإضافة لوقوعها في الركن الآخر من الزقاق الداخل لمحلة القطانة بالقرب من المبنى القديم لبلدية البصرة ، فإنها تتمتع بموقع فريد قبالة جسر المحكمة القديمة اضافة لمجاورتها لحي ( السيمر ) الشعبي العريق .
وقد امتازت تلك المقهى برحابة صالتها الداخلية حيث كانت تحتشد بالرواد ناهيك عن دكتها الخارجية المرتفعة التي اتخذت شكل حدوة حصان تطل بطاولاتها على مدخل الزقاق وكذلك على الطريق العام حيث المركبات القادمة من جهة البصرة القديمة وما ابعد من ذلك .

الزيارة الأولى
المناسبة الأولى التي قادتني الى تلك المقهى ترتبط بحكاية ذات طابع أدبي ثقافي ، و حصريا في عام 1964 او 1965 حين كتبت ردا انطباعيا على قراءة نقدية نشرت في احدى الصحف البصرية ــ الثغر في اغلب الظن ــ لكاتب بصري هاجم قصة قصيرة منشورة على صفحات تلك الجريدة البصرية

   

بقلم الشاعر والاعلامي ( محمد صالح عبد الرضا ) حملت عنوان ( فتاة الشاطئ ) واذكر أنني انبريت مدافعا عن تلك القصة بحرارة لتكون مقالتي المناسبة الأولى للتعرف على الكاتب وبالتالي التعرف على مقهى كانت بعيدة عن خارطة نشاطي الأدبي في نشاطه نظرا لأنني كنت من سكنة محلة ( المناوي باشا ) وكنت أتحرك في الغالب في سوق الهنود وشارع الوطني نظرا لقربهما من محل سكناي واكتظاظهما بالمكتبات ودور السينما والمقاهي كمقهى ( ابي مضر ) الأقرب الى جسر الهنود ، حينئذ .
الآن ، ومع احتشاد الذاكرة بمئات الأمكنة لم اعد اتذكر من تلك الزيارة سوى انني تعرفت الى الصديق محمد صالح ( ابي ايلاف )
في جلسة خاطفة بالمقهى تناولت مناسبة اللقاء . ومن ثم انقطعت صلتي من جديد بالمقهى لحين وقوع مناسبة ادبية اخرى قادتني لأن أصبح واحدا من رواد المقهى عام 1967،وكنت وقتها طالبا في قسم اللغة الانكيزية بجامعة البصرة .

شاعر الطرقات
في عام 1967 التقيت زميلا رافقني رحلة الابتدائية والإعدادية والجامعة وهو التربوي الراحل كاظم زاير راضي فاخبرني بأن صديقا لديه يود اللقاء بي وحدد مقهى الميثاق مكانا للقائي بالصديق الراحل حسين عبد اللطيف .

       

وفي البدء كانت لقاءتنا متقطعة نظرا لانهماكي بالدراسة الأكاديمية ولكن دعائم صداقتي بالراحل تعززت عام 1969 وكان عام تخرجي من الكلية حيث كان يصر على انني سأكون الأول على دفعتي في الوقت الذي لم اكن بمثل وثوقه من النتيجة .وحينها تأخرت النتيجة بسبب فيضان تلك السنة والذي أجلت امتحانات الكلية بسببه ليحلٍّ الدور الاول محل الثاني زمنيا أي في شهر ايلول ، وجاءت النتيجة مثلما توقع الراحل فقدت كنت الأول على دفعتي ، ولكن تلك حكاية اخرى. 
ومع الأيام توطدت صداقتنا فصرنا نلتقي في مقهى الميثاق كي تكون منطلقا لنا الى مكتبة الراحل فيصل حمود ــ في موقع بوابة جامع البصرة الكبير الحالي ــ وما ان حل عام 1970 حتى عزم الراحل حسين عبد اللطيف على اتخاذ ( الميثاق ) بمثابة ملتقى أدبيا ومن خلاله وعن طريق الراحل تعرفت على أسماء اخرى صاروا من رواد المقهى ولو لبعض الوقت اذكر منهم الصديق المغترب الكاتب والصحفي عبد الحسين الغراوي ، الرائد عبد الرزاق حسين ، الاعلامي والمدرس صباح الربيعي ، مزيد جاسم ، والمرحوم القاص الدكتور مهدي جبر فيما بعد ، المربي الراحل حكيم الجراخ وآخرين .واذكر ان الشاعر الراحل محمد طالب زارنا في المقهى مرتين او ثلاث مرات في احدى زياراته للبصرة قادما من مقهى هاتف القريبة ، على حسب الظن .وفي احدى المرات دخلت المقهى لأجد الراحل حسين يشرب الشاي مع وجه لم اتعرف اليه من قبل حيث قدم لي مادة قام ذلك الصديق بترجمتها وكانت عن فوكنر فطلب مني حسين تقييمها وحين اطلعت على تلك المادة ألفيت نفسي في حضرة مترجم ذي قدرات غير اعتيادية وبالفعل نشرت المادة في مجلة الاقلام
وكان ذلك اول عهدي بالصديق الأستاذ حسين عبد الزهرة مجيد ، والامر نفسه حصل مع الكاتب المغترب مصطفى ياسين السواد الذي كان من رواد المقهى ولو لبعض الوقت ،عرض خلاله نتاجه القصصي على الراحل حسين فأبدى ملاحظاته القيمة لينشر السواد قصصه في مجلة ( الأديب المعاصر ) وفي صحف ومجلات اخرى .ومن بين من التقيت في تلك المقهى ترد اسماء اخرى لم تواظب على الحضور مثل القاص سامي الكنعاني والملحن الراحل ذياب خليل والمغني رشاد احمد والاكاديمي الدكتور عبد الحسين عبد الله .
ولا شك عندي ان لمقهى الميثاق اثرها الايجابي في بلورة تجربة حسين عبد اللطيف الشعرية والتي دفعته لاصدار ديوانه الاول ( على الطرقات ارقب المارة )والذي سيعد بمثابة العلامة الفارقة لشاعر كبير في قامة الراحل حسين .
لايدوم اغترابي
المعروف عن الراحل حسين انه كان صارما في أحكامه النقدية فمع ايمانه الذي لا يتزحزح بموهبتي القصصية ، كثيرا ما أشار عليّ او على مجموعتنا الادبية المؤلفة من صباح الربيعي والغراوي بتمزيق ما لدينا من قصص كان يعتقد بأنها لا تخدم مسارنا الكتابي ، كالرأي الذي ابداه في مخطوطة روايتي الاولى ( عيون الميدوزا ) والتي لم أقدمها للنشر بل قمت بالتخلص منها مشعلا فيها النار بعد عشرين عاما من ذلك التاريخ . واذكر انه أبدى رأيا قاسيا في قصيدة للشاعر السوري فايز خضور نشرتها له مجلة ( الآداب ) واصفا اياها بالنص الرومنتيكي التقريري فلم اعد لقراءة هذا الشاعر الذي اصدر فيما بعد عددا كبيرا من المجموعات الشعرية لكنني فوجئت به مؤلفا لقصيدة (لايدوم اغترابي ) والتي قام بتلحينها الاخوان رحباني وغنتها مطربة الأرز فيروز !
باختصار يمكن القول ان مقهى ( الميثاق ) لعبت دورا كبيرا في المشهد البصراوي . ولو كانت باقية الى يومنا هذا لأستحقت ان تسمى ( مقهى حسين عبد اللطيف ) !
مقهى ( الميثاق ) لم تعد قائمة في يومنا هذا فقد حلت محلها بضعة دكاكين ومحلات للحلاقة وأخرى تحولت الى مكاتب عقارية حتى ألف الناس غيابها مثلما ألفوا غياب العديد من العلامات الفارقة التي طبعت المدينة بطابعها .

   

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

989 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع