د. منار الشوربجي
الطلاب الأمريكيون بين العنصرية والرأسمالية
الهدية الثمينة التي قدمها الملياردير الأمريكي الأسود، روبرت سميث، لدفعة التخرج لعام 2019 في كلية مورهاوس، لها دلالة رمزية وواقعية قوية، ولكنها مثيرة للجدل، إذ تتعلق بكيفية التعامل مع المسألة العرقية بالولايات المتحدة.
في خطابه الذي ألقاه في حفل التخرج الذي أقامته كلية مورهاوس، وهي إحدى كليات السود العريقة، فجر الملياردير الأسود روبرت سميث مفاجأة حين أعلن أنه سيتحمل، نيابة عن دفعة الخريجين بأكملها، وقوامها أربعمائة طالب، ديون تعليمهم المستحقة للحكومة، عبر منحة تقدر بحوالي 40 مليون دولار.
ومنحة سميث كانت مفاجأة سارة بلا شك. الطلاب الأمريكيون، يتخرجون، وهم محملون بأعباء سداد ما اقترضوه لتغطية نفقات تعليمهم. وهي القروض التي يسددونها من مرتباتهم بمجرد الحصول على وظيفة. وحسب الإحصاءات الرسمية الأمريكية، فإن ديون الطلاب المستحقة بموجب دراستهم الجامعية وصلت اليوم لما يقرب من 1،5 تريليون دولار.
وتؤثر تلك الديون على مقدرات الشباب الأمريكيين، إذ تظل تثقل كاهلهم لأعوام كثيرة تالية. وهي أثرت بالسلب على رغبة الشباب في الالتحاق بالجامعات أصلاً. وفق الإحصاءات الرسمية، انخفضت نسبة الملتحقين بالجامعات بحوالي 9% في السنوات القليلة الماضية.
لكن الشباب السود يكونون في وضع أكثر تأزماً من أقرانهم البيض. بسبب التمييز العنصري في الالتحاق بالوظائف فإنهم الأقل حصولاً على الوظائف، والأكثر حصولاً على وظائف ذات مرتبات متواضعة مقارنة بالبيض.
ولأن الكثيرين منهم يأتون من أسر لا تملك رصيداً مالياً أصلاً، فليس بإمكانهم الاعتماد على مساعدة الأهالي للوفاء بجزء من تلك الديون. وكل تلك الأوضاع تؤدي إلى تأخرهم كثيراً في تحقيق ذواتهم وفي قدرتهم على شراء مسكن وبناء أسرة مستقرة ذات دخل معقول.
وروبرت سميث ليس أول الأثرياء السود الذين قدموا بسخاء لمساعدة الطلاب السود. فهو ضمن سلسلة طويلة من نجوم الإعلام والفن والرياضة الذين يقدمون منحاً دراسية، بل والمساعدات المالية للكليات والجامعات السوداء التي ثبت من خلال قضية تم رفعها أمام القضاء الأمريكي أنها تحصل على نسب منخفضة للغاية من المساعدات الفيدرالية حتى بالمقارنة بجامعات القمة، مثل هارفارد، التي تملك أصلاً وقفاً خاصاً بالملايين.
لكن الاعتماد على الأثرياء السود لحل معضلات المسألة العرقية يظل مثيراً للجدل. وهو جدل قديم قدم العنصرية ذاتها. عبر التاريخ، ظل هناك دوماً تيار فكري بين السود يدعو لاعتماد الجماعة السوداء على نفسها للخروج من أزماتها. وهو تيار يمتد من المفكر بوكرتي واشنطن الذي عاش في نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين.
فهو تحرر من العبودية ليصبح واحداً من أهم المفكرين السود في ذلك الوقت. وكانت أفكار واشنطن تقوم في جوهرها على ضرورة قبول السود لأوضاعهم السياسية طالما بإمكانهم التقدم اقتصادياً عبر التعليم الفني، إلى أن يقتنع البيض بأن السود جديرون بالمساواة.
782 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع