تحدى السيادة: توغل إيران وقوات الحشد الشعبي في العراق

                                      

                             هيثم نعمان*

تحدى السيادة: توغل إيران وقوات الحشد الشعبي في العراق

مع استمرار تصاعد التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، يجد العراق نفسه يكافح من أجل الحفاظ على التوازن، ففي محاولة لكبح النفوذ الإيراني والاستجابة للضغوط الأمريكية، تحرك رئيس الوزراء عادل عبد المهدي لدمج قوات الحشد الشعبي في القوات المسلحة العراقية. ومع ذلك، وعلى الرغم من اتخاذ بعض الخطوات لدمج الحشد الشعبي، إلا أن المهدي قد تراجع عن الموعد النهائي الطموح الذي حدده بحلول 31 للانتهاء من عملية الدمج بشكل كامل. واستنادا للسياق التاريخي والحقائق الحالية، يبدو أن احتمال النجاح غير مرجح.

أدى الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق والقرارات الإدارية اللاحقة للحرب إلى خلق أرضا خصبة ساهمت في زيادة النفوذ الإيراني ليس فقط في العراق ولكن في جميع أنحاء المنطقة. واليوم، أصبح وجود مجموعات الميليشيات المدعومة من قبل إيران ووكلاءها داخل قوات الحشد الشعبي يمثل تهديداً متزايداً لبقاء الحكومة العراقية وللمصالح الإقليمية الأمريكية، حيث بات إيران تمثل خطر وجودي يهدد مكونات وقوميات عراقية أخرى من خلال وكلاءها حيث سيطروا على محافظات كاملة متلاعبين بديمغرافيتها وهويتها الدينية بالقوة بعد نشر عقيدتهم الأيديولوجية والتوسعية على كل دول المنطقة العربية وخلق منظمات إرهابية تهدد السلم والأمن الدولي. كما أصبح وكلاء إيران يسيطرون على مفاصل الدولة العراقية والتي تتمثل في أجهزة الاستخبارات وأجهزة متابعة الفساد وأجزاء مهمة من البنك المركزي وعملية تصدير الغاز والنفط وحتى أجزاء كبيرة من القضاء.

هذه "الدولة العميقة" المتمثلة في وكلاء إيران تعزز الفوضى وتهدد المصالح الأمريكية وتقدم المصالح الإيرانية على المصالح العراقية وتجعل الإدارة الأمريكية دائما تشعر أنها تحت الإرادة الإيرانية داخل العراق. عملت إيران على تمكين رجالها ودعمهم في جميع مفاصل الدولة من خلال إظهار المكون الشيعي على باقي مكونات الشعب العراقي سياسيًا واقتصاديًا، وعسكريا، وعملت على استغلال الإعلام لشيطنة الأخر وتصفية المعارضين تحت ذريعة مكافحة الإرهاب.
عمل وكلاء إيران أيضا في العراق على تكريس سلطتهم بشكل أساسي من خلال جهودهم العسكرية. عسكريا، بعد قرار حل الجيش العراقي في 2003 انقسمت الكتلة البشرية للجيش العراقي إلى قسمين: القسم السني الأول ويضم الجنرالات الذي لجأوا لدول أخرى، والجزء الثاني ارتبطوا بالعنف وأصبحوا عناصر من تنظيم "داعش" والذين تبنوا أيدلوجية متطرفة. أما القسم الثاني فهو يشمل الجنود الشيعة الذين انضموا إلى المليشيات الموالية لإيران، حيث قامت الأخيرة بتعين قادة موالين لها وللحرس الثوري الإيراني بدلا من الجنرالات السنة السابقين. وفى هذا الصدد، دعمت إيران "فيلق بدر" التابع للمجلس الأعلى الإسلامي في العراق، ثم وسعت من دعمها ليشمل جيش المهدي التابع لمقتدى الصدر، وظهرت كتائب فرعية جديدة كعصائب أهل الحق وحزب الله العراقي 2011، حيث اختفت تلك المليشيات ثم ظهرت فجاءة بعد سيطرة تنظيم "داعش" على الموصل، وأصبحت تنضوي تحت لواء ما أصبح يطلق عليه "الحشد الشعبي". وعلى الرغم من أنّ هذه الميليشيات تخضع من الناحية الفنية لقيادة بغداد منذ العام 2016، إلا أنها في الواقع تتبع أهواء داعميها في طهران.

سياسيا، عملت مليشيات الحشد الشعبي على ترجمة شعبيتها التي حصدها جراء انتصارها على التنظيم إلى مكاسب سياسية خلال الانتخابات البرلمانية التي أجريت في مايو عام 2018، وخاضت الانتخابات تحت كتلة "الفتح المبين ". وبالنظر إلى نتائج تلك الانتخابات نجد لن الفائزين الرئيسين في الانتخابات كانت جهتان هما كتلة "سائرون" الذي تمثل التيار الصدري بالمرتبة الأولى بـ54 مقعدا وهم الطبقة العمالية التي تتأثر بعائلة الصدر عاطفيا ودينيا والجهة الثانية هي تحالف "الفتح" الذي يتزعمه هادي العامري ويضم فصائل الحشد الشعبي والذي حلّ ثانيا على مستوى العراق بـ47 مقعدا والذي يمثل وكلاء ايران في العراق والمصوتين هم من المستفيدين والمنتمين لهذه المليشيات وعوائلهم ويبدوا لنا هنا أن الأغلبية العراقية مغيبة وان وكلاء ايران اخذوا الدور الرئيسي للسيطرة على إدارة الحكم وليس أغلبية المجتمع العراقي والتي لم تعترف بنزاهة الانتخابات فكيف يمكننا اعتبار من يحكم العراق اليوم ويدين بالولاء لإيران يمثل الأغلبية .
وعلى الجانب الاقتصادي، عمل وكلاء إيران في العراق على فرض نفوذهم الاقتصادي في العراق بهدف السيطرة على الدولة العراقية والتخفيف من حدة العقوبات الأمريكية. فبعد تطبيق المرحلة الثانية من العقوبات الأمريكية على إيران، عمدت الأخيرة إلى إتباع نهج اقتصادي جديد في العراق يعتمد التوسع في العلاقات الاقتصادية بين البلدين بغية التخفيف من الحصار الأمريكي على إيران. ومن الجدير بالذكر أن أول المتضررين من تلك العقوبات التي شملت وقف تصدير النفط ومصادر الطاقة لإيران، هو العراق الذي يستورد الغاز والطاقة الكهربائية من إيران بكميات كبيرة لسد احتياجاته. وخلال عام 2017، أصبح الشركات الإيرانية تقدم 80 في المئة من الخدمات التقنية والهندسية في العراق. كما أسس أيضا وكلاء إيران عدد من البنوك وشركات عقارية لتحويل الأموال وشراء العقارات من المهجرين بأرخص الأسعار تحت التهديد والتهجير.

وقد تجلى النفوذ الإيراني بعد دخول كتائب حزب الله ووكلاء ايران لمدينة جرف الصخر شمال مدينة بابل أثناء القتال مع داعش في ، حيث حولوا المدينة لمركز اقتصادي للحرس الثوري الإيراني ، واستغلوا مصفاة نفطية طور الإنشاء بنسبة 35% ونسقوا مع وزارة النفط العراقية لاستثمار النفط وحولوا ضفتي نهر الفرات مواقع لتربية الأسماك، وصادروا 100.000 دونم زراعي من بساتين عشائر الجنابين ،وحولوها لمشاريع زراعية تمول الوكلاء واستوردوا الأبقار ومعمل البان إيراني ومشروع للدواجن لتمويل هذه المليشيات حيث تم تحويل مدينة جرف الصخر بالكامل لمعسكر اعتقال واقتصاد كبير يدار من قبل الوكلاء.

ومن الضروري أن نلاحظ أيضا أنه في مدينة جرف الصخر، كان وكلاء إيران، أي (كتائب حزب الله) هم أكثر المستفيدين من هذه المكاسب، حيث تدير هذه القوات شبكة من السجون وتتمتع بتأثير كبير في المنطقة. وتمثل تلك الخصوصية ضررا كبيرا بالنسبة للولايات المتحدة التي أدرجت كتائب حزب الله في قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية بالولايات المتحدة، ومن بين أكثر المجموعات التي تسيطر عليها إيران بشكل مباشر.

صارت القبضة المالية والسياسية التي تفرضها إيران على قطاعات كبيرة من الشعب العراقي كبيرة للغاية. ونتيجة لهذا الواقع، فإن الجهود المبذولة لدمج الميليشيات التي تدعمها إيران في الجيش العراقي ستثبت في النهاية عدم فاعليتها. ومن غير المحتمل أن يتمكن العراق من كبح جماح العديد من الميليشيات بسبب الولاءات المتضاربة لقيادته وأتباعه.

وفى النهاية، فإن إضعاف وكلاء إيران ووكلائها في سوريا يعتمد على عدة عوامل إقليمية وليس دور الدولة العراقية فقط. وهنا يأتي الدور الأمريكي الذي يجب أن يعمل على تفعيل خارطة طريق لبناء علاقات مع المجتمعات المحلية وقادتهم السياسيين وخاصة في المدن التي حررت من قبضة "داعش" والتي تعتبر نقطة اتصال عسكري جغرافي سوري عراقي.

يضاف إلى ذلك ضرورة أن تعمل الإدارة الأمريكية على بناء علاقة مع النخبة العراقية بكافة أشكالها وذلك نظرا لأنها تمتع بنفوذ كبير وأنها ستكون صاحبة الدور الرئيسي القادم في ملئ الفراغ السياسي الحاصل في العراق والذي أظهرته نتائج الانتخابات البرلمانية الماضية. كما يجب أن تعمل الإدارة الأمريكية على استمرار فرض العقوبات واستنزاف إيران اقتصاديا، وقطع طرق الإمدادات الخاصة بها في سوريا وذلك لإضعاف الوكلاء والضغط على الحكومة العراقية لسحبهم.

ومع ذلك، فإن تفويت تلك الفرصة يمكن أن يؤدي إلى تحول العراق إلى "دولة فاشلة" وقد يفتح الباب أمام الحكم الإيراني الفعلي، وقد يؤدى في المستقبل إلى زيادة خطر الحرب، والإسهام في نمو المنظمات الإرهابية، وتعزيز الأحزاب المتطرفة في جميع أنحاء المنطقة. وبالتالي، فاذا كانت الولايات المتحدة ترغب في كبح وتخفيض النفوذ الإيراني في العراق، فعليها أن تدرك أن الجهود الأخيرة التي بذلها المهدى لم تعد تكفي للحد من نفوذ إيران ووكلاءها داخل العراق.

*الدكتور هيثم نعمان هوكاتب وباحث عراقي مقيم في الولايات المتحدة

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

968 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع