د. صبحي ناظم توفيق
عميد ركــن متقاعد.. دكتوراه في التأريخ
١٢/أيلول/٢٠١٩
قوة جوية للحشد الشعبي... واقعها ودلالاتها
تمهيد
أثار الأمر الديواني الذي أصدره السيد "أبو مهدي المهندس" بتشكيل مديرية قوة جوية للحشد الشعبي العراقي، وإناطة إدارتها -بالوكالة- إلى العقيد "صلاح مهدي حنتوش المكصوصي" لغطاً واسعاً وآراءً متناقضة، ما بين مهلّلٍ ومُكَبّر للحشد وإمكاناته المتعاظمة بالإستناد على فتوى الجهاد الكفائي للسيد "علي السيستاني" عام 2014، وبين منتقِد بأن الأمر لا ضرورة له ولا موجِب، وهو تجاوز على صلاحيات القائد العام للقوات المسلّحة العراقية.
فما واقع هذا التشكيل؟؟؟ وما دلالاته على دولة العراق؟؟؟
رؤى منطقية
كل تلك الأمور نختصرها ضمن النقاط الآتية:-
• أن "أبا مهدي المهندس" هو القائد الحقيقي والرئيس المتنفّذ للحشد الشعبي العراقي وصاحب صلاحيات واسعة شبه مطلقة، بحيث يمضي على أمر ديوانيّ بمستوىً عالٍ وخطير يتضمّن إستحداث قوة جوية خاصة بالحشد ويتعدى صلاحيات رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلّحة.
• ليست رئاسة السيد "فالح الفياض" لهيأة الحشد الشعبي إلاّ بالإسم.
• لا إرتباط عضوياً لرئاسة هيأة الحشد الشعبي بالقائد العام (الدستوري) للقوات المسلحة العراقية سوى بالإعلام والشكل، ولا سطوة لرئيس الوزراء على الهيأة حتى على الورق.
• الحشد الشعبي العراقي يخطو خطوات ميدانية وجدّية ليكون نِدّاً لجيش العراق وقواته المسلّحة بعد إمتلاكه أسلحة ثقيلة أفضل وبأعداد أعظم مما لدى الجيش، ويتحرّك كما يشاء وينفّذ عملياته وفقاً لما يرتأيه قادته الأعلون، وليس بإستطاعة أحد إعتراضه وإيقافه.
• أية قوة جوية في عموم العالم هي مؤسسة إستهلاكية كبيرة، تكلّف خزينة الدولة صرفيات باهظة، حتى من دون إحتمالات الفساد ووقائعه... فهي ليست مجرد طائرات متنوعة بطيار أم بدونه فحسب -كما يتصورها الكثير من غير أصحاب الخبرة والمتابعين- بل هي قواعد جوية ومطارات واسعة وملاجئ محصّنة ومدارج وشوارع، وحراسات مشددة طوال 24 ساعة، ومخازن أعتدة وذخائر ووقود ومفارز إدامة وتصليح، وسيطرات جوية ووحدات إدارية وخدمات أساسية ومبانٍ وبُنىً تحتية، ومقرات يديرها طيارون أقدمون وضباط ركن يعملون نهاراً وليلاً، ورادارات ووسائل دفاعات جوية مُنذَرة على مدار الساعة،.... وكل هذه الأمور تضيف إرهاقاً بمئات الملايين من الدولارات تُرصَد من موازنة الدولة ليس عند إنشائها، بل في كل سنة.
• أن الحشد الشعبي في العراق يتصاعد تشكيلاته وأدواره ليغدو شبيهاً بالحرس الثوري الإيراني بمواقعه الرسمية والقانونية والميدانية والإعتبارية الأعلى من الجيش لدى النظام الإيراني، ولذلك ينبغي أن لا يُستغرَب وقتما يتم خلال المستقبل المنظور تحويل النظام السياسي العراقي الراهن تحت ذرائع الإصلاح والقضاء على الفساد المستشري إلى نظام ولاية الفقيه القائم لدى جمهورية إيران الإسلامية منذ أربعة عقود، سواء بتعديل الدستور وسنّ قوانين بل حتى بإستثمار النفوذ السياسي والقوة المسلحة المتاحة بين أيدي الحشد.
• كما يجب أن لا نستغرب أن تشكّل رسمياً رئاسة أركان منفصلة للحشد الشعبي توازي رئاسة أركان الجيش العراقي، ولربما وزارة خاصة بالحشد أسوة بوزارة الدفاع شبيهة بوزارة البيشمركة لإقليم كردستان.
رؤى الأصدقاء الأعزاء
تلكم النقاط بعثتها لأصدقاء أعزاء ذوي شأن، فأرسلوا مشكورين -ومن حيث لم أتوقّع- عشرات المداخلات جلّها إطراءات... في حين وردتني سواها من التي أفادتني كثيراً وذكّرتني نقاطاً لم تأتِ على بالي، فكانت رؤاهم جديرة بالإهتمام، أوجزها في نقاط:-
مدير القوة الجوية للحشد الشعبي "العقيد صلاح مهدي حنتوش المكصوصي" يتوسّط "أبو مهدي المهندس" نائب رئيس هيأة الحشد الشعبي و"الجنرال قاسم سليماني" قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.
• ما علاقة "العقيد صلاح المكصوصي" بـ"الجنرال قاسم سليماني" -وهو قائد فيلق القدس المرتبط عضوياً بقيادة الحرس الثوري الإيراني- بحيث تجمعهما صورة مع السيد "أبو مهدي المهندس" يوم صدور قرار تشكيل قوة جوية للحشد الشعبي العراق في "بغداد"؟؟!!
• أن تعيين "العقيد صلاح" -الذي يُقال أنه موصوف أمريكياً بالإرهاب- بهذا المنصب الرفيع ما هو إلاّ تَحَدٍّ جديد يُضاف إلى التحدّيات القائمة ضد "واشنطن" على أرض العراق.
• لقد تراجعت رئاسة هيأة الحشد عن إعلان تشكيل مؤسسة تحت مسمّى "قوة جوية" مثلما سبق وأن تراجعت عن تصريحات لـ"أبي مهدي المهندس" وتهديداته بعد قصف مستودعات الأعتدة للحشد، ما يشير إلى محدودية تماسك رئاسة الهيأة عند إصدار قراراتها.
• بما يخص موضوعة القوة الجوية، فقد أوضح أحد قادة الحشد والناطق السابق بإسمه، بإن الموجود الحالي ضمن المقر الأعلى لهيأة الحشد لا يعدو سوى شعبة أو دائرة تُعنى بأمور مئات الطائرات المسيّرة (درونز) الإستطلاعية والقتالية المتوفرة لدى تشكيلات الحشد منذ أربع سنوات على أقل تقدير... أما الكتاب الرسمي بتوقيع "أبي مهدي المهندس" والذي إنتشرت صورته في مواقع الإنترنت، فإنه ((مدسوس ومُفَبرَك)).
• ناهيك عن السلاح المنفلِت في الشارع العراقي، سواء لدى العصابات التي تعيث في "بغداد" خصوصاً وعموم المحافظات فساداُ وإرهاباً، وكذلك السلاح غير المرخص لدى ملايين المدنيين، ناهيك عن مجاميع الأسلحة الثقيلة والمرعبة التي تمتلكها العشائر المتنفّذة في مختلف بقاع الوطن حسب تصريحات أطلقها قادة شرطة وعمليات المحافظات، ويُضاف إليها عدد من الفصائل المسلّحة غير المسجّلة لدى أية مؤسسة للحشد الشعبي... فقد أضحى في العراق (ثلاثة) جيوش رسمية تتبع القيادة العامة للقوات المسلّحة قانوناً... فإضافة للجيش العراقي النظامي فهناك جيش "البيشمركة" النظامي الكردي التابع لحكومة الإقليم، قبل أن يُضاف إليهما "الحشد الشعبي" ويُطَوَّر ليضحى -حسب تصريحات قادته- أقوى بإمكاناته وأثقل في أسلحته من الجيش النظامي، وقد برهن البعض من قياديّيه الرسميّين أنهم لا يأتمرون بالعديد من الأوامر أو يلتزمون بتوجيهات قيادة الدولة سوى ما يتلاءم مع رؤاهم وتوجّهاتهم.
• ليس من المنطقي أن المرجع الأعلى السيد آية الله علي السيستاني قد إبتغى بفتواه الدفاعي الكفائي عام 2014 سوى حمل السلاح الخفيف لدرء الأخطار المحدقة بمراقد الأئمة العظام (ع) في حينه، ولم يكن مقصده تشكيل العشرات من الفصائل والأفواج والكتائب والألوية المدججة بالدبابات والمدرعات وعجلات القتال المدرعة والمدافع والطائرات تكون نِدّاً للجيش والشرطة الإتحادية ومكافحة الإرهاب... وأكبر الظن أن المرجعية لم تكن تتمنى أن تتصاعد الأمور إلى مواقف تؤثر على مسيرة الدولة وتتحدى القرارات الصادرة من سلطاتها الرسمية.
كلمة لا بدّ منها
وأخير نختتم مقالتنا أنه ليس من قبيل القدح لإيران مهما إختلفنا أزاء توجّهاتها أو كيل المديح لها، أو تطابقنا معها بقول الحق، فأنها حققت –حسب رؤيتنا وتصريحات كبار قادتها- إنجازات مشهودة في توسيع حدود أمنها القومي وإبعاد الأخطار عن أرضها وسمائها بإتباع خطط متقنة وخطوات ميدانية جريئة وقتما إخترقت "العراق" عنوة منذ عام 2003 أمام أنظار الإحتلال الرسمي وتمركز القوات الأمريكية في ربوعه، ثم إنطلقت إلى "سوريا" مع أحداث عام 2011، وذلك بعد سطوتها المُسبَقة على "لبنان" منذ ربع قرن أو يزيد.
وأن "طهران" لا تواجه "واشنطن" وحلفاءَها في مضيق هرمز وخليج عُمان وسواهما فحسب، بل تتحداها -ولو بشكل غير مباشر- وتُبعِد الأخطار عن بقاعها وأجوائها بإستثمار مؤيديها وأتباعها في العراق رغم التهديدات والتحذيرات الأمريكية... وهذه نقطة تسجّل لصالح قادة "طهران" في تحقيق غاياتهم الستراتيجية العليا التي لا ينكرونها، بل يفتخرون بها ويزهون ويُهَنَّأون عليها، بعد أن غدت دولتهم ذات سطوة وسط الشرق الأوسط ذي الأمواج المتلاطمة والمعضلات المتعاظمة حيث يُحسَب لها ألف حساب، مثلما كان عليه حال العراق لغاية غزو الكويت عام 1990.
544 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع