بسام شكري
صفقة القرن الـعراقيــة الأوروبيــة
ما ان دخلت القوات التركية الى الأراضي السورية حتى هاج العالم وماج وخلال 48 ساعة قام وزير خارجية فرنسا بزيارة خاطفة للعراق وارتبكت الأوساط الأوروبية في تناقل اخبار تداعيات الغزو التركي للشمال السوري فما الذي حصل؟ بدأت قصة الرعب الأوروبي فقط عندما سادت الفوضى الشمال السوري وهروب الاف المقاتلين الدوعش من المعتقلات باتجاه الحدود التركية وفي نفس الوقت هربت عائلاتهم من معسكرات النازحين باتجاه تركيا أيضا , في الوقت الذي تعمل القوات التركية على اعادة تنظيم مقاتلي داعش وتسليحهم من جديد لإعادتهم الى مسرح الاحداث هناك مجموعات أخرى من الدواعش وعائلاتهم ما يزالون داخل العراق في معتقلات ومخيمات نازحين ومن جانب اخر تمكن الاكراد السوريين من الإبقاء على اعداد غير قليلة من الدواعش في معتقلاتهم لا بل وتم إعادة الكثيرين منهم الى العراق وهذا ما أعاد ملف المقاتلين الدواعش الأوروبيين الى واجهة الاحداث بحيث تسببت في ارتباك كبير داخل الاتحاد الأوروبي الذي عقد مداولات صعبة بين الدول التي ينتمي اليها المقاتلين الدواعش وبدأت تسريبات عن تلك الاجتماعات تخيف المجتمع الأوروبي وتداركا للموقف فقد طار وزير خارجية فرنسا للعراق واجتمع مع وزير الخارجية العراقي وتم لفلفة الموضوع بسرعة قبل افتضاح الامر وعقد معه صفقة تعد بمثابة صفقة القرن بالنسبة الى الاتحاد الأوروبي بشكل (غير رسمي) منذ تأسيسه في الخمسينات , فما هي صفقة القرن تلك ؟
في غمرة الفوضى الخلاقة وخلط الأوراق كواحدة من صفحات الغزو الأمريكي للعراق فقد ظهر تنظيم داعش الإرهابي بعد تعاون سوري إيراني مع الجانب الأمريكي بإخراج المتشددين من السجون العراقية وقد قام نوري المالكي بتلك المهمة في حينها في مسرحية هزلية ولكي يتم التوسع في تنظيم داعش فقد تم تجميع اعداد كبيرة من المقاتلين من معظم دول العالم وخصوصا من الدول الأوروبية وكانت فرنسا من اكبر الدول الأوروبية المصدرة للمقاتلين تليها بريطانيا فبلجيكا وتونس من اكبر العربية المصدرة للمقاتلين بسبب المجهود الكبير الذي بذلته حركة النهضة التي تحكم تونس في تجنيد الشباب التونسي وبالتعاون مع تركيا في اعمل جسر جوي بين تونس وتركيا .
ان مقاتلي داعش قد تم تدريبهم وتنظيمهم في بلدانهم أولا وارسالهم كمجموعات الى العراق وسوريا عن طريق تركيا وقامت تركيا باستلامهم وتنظيمهم كفصائل وتوزيع المسؤوليات القتالية فيما بينهم وادخالهم الى العراق وسوريا وبدأت لعبة سرقة البترول العراقي والسوري واغراق الأسواق بذلك البترول عالي الجودة ورخيص السعر مما أدى ومع أسباب أخرى الى انهيار أسعار البترول العالمية وتضرر الدول المنتجة للبترول وفي مقدمتها دول الخليج العربي حيث كان اردوغان يقوم بتسويق البترول المنهوب الى كل دول البلقان وبعض الدول الأوروبية وكانت أمريكا تمتنع عن ظرب اساطيل الشاحنات التي تنقل البترول والتي تسير علنا وفي وضح النهار في طوابير طوال اليوم باتجاه تركيا بحجة ان هناك مدنيين في تلك المناطق وكان المخطط ان يتم تدمير كل منطقة الشرق الأوسط بواسطة الدواعش لكن اللعبة لم تنجح لأسباب لا مجال لذكرها الان , وبعد انهيار داعش ظهرت مشكل خطيرة في أوروبا وهي المقاتلين الذين تم ارسالهم للمنطقة بقي منهم اكثر من تسعة الاف مقاتل وأصبحت لديهم عوائل وزوجات وأطفال فماذا يفعلون بهم ؟ خلال السنتين الماضيتين نشرت الصحف الأوروبية الاف المقالات حول الموضوع وشهدت برلمانات الدول الأوروبية نقاشات حادة واهتز الراي العام الأوربي كله بسبب تلك المشكلة وتنوعت الاقتراحات والحلول فبريطانيا مثلا اقترحت ان تنزع الجنسية عن البريطانيين الدواعش دون ذكر مصير أطفالهم ونسائهم وألمانيا رفضت اعادتهم الى أراضيها كليا وانقسم برلمانها بين محاكمتهم في المانيا او في الدول التي ارتكبوا الجرائم فيها وفي النهاية اكتفت المانيا بأخذ أطفالهم فقط وقد قامت بعدة صفقات مع حكومة بغداد واخذت اعداد كبيرة من الأطفال ولا احد يعرف لغاية الان كم دفعت المانيا لحكومة بغداد ثمنا لتلك الصفقة واما فرنسا فقد سادتها الفوضى كعادتها في الفوضى الدائمة التي تعيشها فرنسا ونظامها الرسمي واما تونس الدول العربية الأكثر توريدا للمقاتلين فقد اقترح برلمانها ان تنزع الجنسية التونسية عن مقاتليها المتبقين على قيد الحياة والبالغ عددهم سنة 2016 ستة الاف وخمسمائة مقاتل وقد عاد منهم في ذلك التاريخ 1800 ودخلوا تونس ومازالوا بدون محاكمة وكأنهم كانوا في رحلة سياحية , كثير من الدول اجرت مباحثات مع حكومة بغداد ومع حزب العمال الكردستاني الماركسي التركي الذي كان يسيطر على شمال سوريا لكن ليس هناك دولة واحدة وصلت الى اتفاق مع أي طرف والذي فجر تلك الازمة الخطيرة هو الغزو التركي لشمال سوريا حيث خرج المقاتلين الدواعش من المعتقلات واصبحوا يمثلون تهديدا لدولهم. وهنا صح المثل الشعبي الذي يقوم طلعت الشمس على الحرامية.
لا أحد يعرف تفاصيل صفقة القرن بين وزيري خارجيتي فرنسا والعراق وكم دفعت فرنسا ومن ورائها أوروبا لحكومة بغداد ثمنا لتسوية ذلك الملف فقد نشرت وكالات الانباء خبر وصول وزير خارجية فرنسا للعراق وفلما قصيرا عن لقائه مع وزير خارجية العراق بدون ذكر أي شي عما دار في ذلك الاجتماع ومن باب المسؤولية الأخلاقية والإنسانية ومن اجل ضحايا حروب داعش فاني هنا افتح الملف القانوني للعملية بالنقاط التالية:
أولا – حسب القانون الدولي واتفاقيات جنيف الموقعة سنة 1949 وملحقاتها فانه يجب ان تتم محاكمة مجرمي الحرب في الدول التي قاموا بارتكاب جرائمهم فيها وفق قوانين تلك الدول (وهذا يعني ان العراق يجب ان يحكم بالإعدام على كل مجرمي داعش وهذا ما يساعد أوروبا على التخلص من المجرمين لان قانون الإعدام غير معمول به في أوروبا) وخلال الفترة الماضية لم يتم اجراء أي محاكمة للدواعش في العراق او سوريا فهل من المعقول ان يقوم جيش من المقاتلين باحتلال ثلث مساحة العراق وربع مساحة سوريا لمدة تزيد على اربع سنوات وتدمير تلك المناطق وقتل وتشريد سكانها ولم يتم محاكمة مقاتل واحد منهم ؟
ثانيا – حسب اتفاقيات جنيف الخاصة بجرائم الحرب فانه يجب على الدول التي ينتمي اليها مجرمي الحرب ان تقوم بتعويض الخسائر البشرية وإعادة اعمار المدن التي تم تدميرها من قبل هؤلاء المجرمين وهذا يعني ان تقوم أوروبا بتعويض كل من فقد حياته في العراق بسبب الدواعش وتقوم بإعادة اعمار كل المدن التي تم تدميرها ودفع التعويضات المالية للعراق جراء قيام الدواعش بتدمير المواقع الاثرية التي لا تقدر بثمن ودفع تعويضات أخرى للمجتمع المدني لما قام به الدواعش من تغييرات ديموغرافية على الأرض وعمليات الاغتصاب وزرع أفكار متطرفة بين السكان المدنيين وتخريب عقولهم.
ثالثا – يجب القيام فورا وقبل ان يتقادم الزمن على القضية بتشكيل فريق من القانونيين من العراق وسوريا وبقية الدول المتضررة من حرب الدواعش "واقصد هنا دول الخليج العربي التي تضررت بانهيار أسعار البترول جراء عمليات تركيا في البيع خارج سوق البترول العالمي “بإعداد ملفات القضية وتشكيل محكمة دولية خاصة للنظر في تلك الجرائم وفي نفس الوقت تشكيل لجان تحديد الخسائر البشرية والمادية في سوريا والعراق حتى تقوم الدول التي جاء منها مجرمي الحرب بدفع التعويضات.
لم يتم التطرق من قبل الحكومتين السورية والعراقية للنقاط الثلاثة لان تلك الدول مشاركة في عمليات داعش وسوف لن يتم محاكمة الدواعش لأن مقاتلي داعش سيعترفون على كل من جمعهم ودربهم في بلدانهم الاصلية " والأوروبية منها طبعا " ويعترفون على من قام بتسليحهم في تركيا وقدم الدعم اللوجستي والأغذية والذخائر والوقود لهم (دولة عظمى + قطر). وسيعترفون على من اخرجهم في بداية الامر من السجون في العراق وعلى من تحالف معهم.
ان زيارة الوزير الفرنسي لبغداد يوم أمس 16-102-10 تعتبر زيارة تاريخية لأنه قد عقد صفقة القرن والتي تمت بسرية تامة وانقذت أوروبا من دفع التريليونات للعراق وسوريا وبقية الدول المتضررة وحفظت نفسها من العار الذي كان سيصيبها من شعوبها وسوف لن يتم محاكمة أي مجرم قام بجريمته ولو تمت المحاكمة ستتم خلف أبواب مغلقة او ستتم محاكمة اشخاص غير مباشرين قد ساعدوا مجرمي داعش وليس هم المجرمين الحقيقيين وذلك ذرا للرماد في العيون.
الباحث
بسام شكري
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
https://cutt.us/kXcA8 مقالي الاخير كتبته قبل ساعات من وقف الهجوم التركي على سوريا وما جاء من تحليل في المقال قد حصل فعلا نتيجة للرعب الذي اصاب اوروبا والذي على اساسه تمت صفقة القرن بين اوروبا والعراق يوم امس
https://cutt.us/kXcA8
1768 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع