تركيا وحملات الابادة العنصريه ضد الاقليات الاثنيه

                                                 

                       المهندس هامبرسوم اغباشيان

تركيا وحملات الابادة العنصريه ضد الاقليات الاثنيه

ان المتتبع للاحداث الاخيره على الحدود التركيه السوريه ، وخطط اردوغان وتصريحاته بعد اجتياح الشريط الحدودي في شمال سوريا، وافراغ المنطقه من سكانها الاكراد بذريعة دفع المقاتلين الاكراد بعيدا عن الحدود التركيه لخلق منطقه امنه ، لا بد ان يفهم الاهداف البعيدة التي ترمي اليها تركيا من هذا الاجتياح.

لا شك بان ابعاد المقاتلين الاكراد في سوريا الى مناطق بعيده عن الحدود بعشرات الكيلومترات ، سيمنع التواصل بينهم وبين اكراد تركيا ، وهذا ما تريده الحكومه التركيه، وسيزيد الخناق على الاكراد الذين تحاصرهم تركيا في شرق وشمال شرق البلاد من كل الجهات وتحاول منعهم من اي اتصال بالعالم الخارجي. في حين تختلف الحاله مع اكراد سوريا فهم اكثر انفتاحا على العالم الخارجي وبتواصلهم مع اكراد تركيا يخففون الضغط عليهم الى درجة ما وهذا ما لا يريده الاتراك.
ان الهدف النهائي من هذه الحمله هو افراغ المنطقه كليا وبصورة دائميه من الاكراد وتوطين عناصر تركيه بدلهم وتغيير الخارطه الاثنيه للمنطقة بحجة حماية الحدود علما بان سكان شمال سوريا ليسوا فقط من الاكراد ، فهناك العرب والسريان والاشوريون المسيحيون وغيرهم ، وكل هؤلاء من عرب واكراد ومسيحيين وغيرهم في خانة اعداء تركيا.
فالعرب بالنسبة للاتراك خونه منذ زمن بعيد ، فبمجرد مطالبة حقهم بالاستقلال والانفصال عن الامبراطوريه العثمانيه اثناء الحرب العالمية الاولى اعتبروا خونه ولصقت بهم هذه التهمه ، ويذكر المؤرخون الاتراك تلك الصفه دائما عند البحث عن اسباب سقوط الامبراطوريه العثمانيه دون ان يبحثوا عن الاسباب الحقيقيه للسقوط ومنها معامله ابناء الدول المحتله من قبلهم ومنهم العرب بتعالي وشوفينيه وممارسة سياسة التتريك التي مارسوها ضدهم ووقف عجلة التقدم في بلادهم. اما بالنسبة للمسيحيين فكلهم عملاء للغرب ويجب ابادتهم.
اضطر العرب للتعاون مع الغرب لتحرير اوطانهم من الاحتلال العثماني ، ولكن مع الاسف لم يكن الانكليز والفرنسيين الاوغاد صادقين معهم ولم يكونوا اوفياء في تنفيذ وعودهم. ان الاتراك هم الذين دفعوا العرب للبحث على حبل للنجاة من حمله التتريك والاهمال الذي حصل في البلاد العربية وكانت النتيجه التعاون مع الغرب للخلاص من الوضع السائد، فمن هو الخائن؟ الم يكن العثمانيون هم الذين خدعوا العرب باسم الدين واحتلوا بلادهم لستة قرون ؟ فماذا كانوا ينتظرون منهم؟
كذلك هو الحال بالنسبة للمسيحيين. لقد صادر جمال باشا السفاح خلال سنين الحرب العالمية الاولى قوت اللبنانيين لصالح الجيش التركي مما ادى الى نقص كبير في المواد الغذائيه وموت عشرات الالاف من المواطنين اللبنانيين بسبب الجوع والقحط الذي كان سببه الرئيسي الاتراك. فهل نلومهم عندما رحبوا بالقوات الفرنسيه التي حررتهم من الاتراك. هل تعتبر هذه خيانه؟ اما حملات الاباده التركيه ضد الاقليات المسيحيه من الارمن والسريان والاشوريين واليونان وغيرهم فهذه تشكل صفحات سوداء في تاريخ الامه التركيه وكذلك حملات الاباده التي تشنها الان ضد الاكراد.
كل هذا وما زال هناك البعض من العرب من الاخوان وغيرهم يثقون بتركيا ويضعون كل البيض في سلتها. ومن المؤسف والمخزي ان نرى دوله عربيه مثل قطر، وهي دولة عربيه صغيره بطموحات كبيره تقوم بمساعدة تركيا في حملة ابادة الاكراد في شمال سوريا حيث كشف عن ذلك وزير خارجية تركيا مولود جاويش اوغلوا عندما شكر زميله محمد بن عبد الرحمن آل ثاني وزير خارجية قطر على قيام قطر بتغطية تكاليف حمله اجتياح شمال سوريا وطلب منه ان ينقل شكر وامتنان وتحيات الرئيس اردوغان الى امير قطر. والمعروف ان قطر تساند تركيا وتغطي جرائمها دائما بكل الوسائل ومنها الاعلام عبر القنوات المتعدده لفضائية الجزيره ، ولكن يبدوا ان هذا الاعلام قد اخفق هذه المره باداء دوره بالشكل الذي يريده اردوغان. فلقد اعربت المصادر الاعلاميه التركيه عن استياء الحكومه من قيام قناة الجزيره باللغة الانكليزيه بتسمية المحاربين الذين تصفهم المصادر التركيه بالارهابيين باسم (المقاتلين الاكراد - The Kurdish fighters). ان قناة الجزيره باللغة الانكليزيه لم تستعمل هذه التسميه لترضية الاكراد وانما للتمويه على المتلقي باللغة الانكليزيه واظهار حيادية القناة بالنسبه للصراع الدائر بين الحكومه التركيه والمقاتلين الاكراد، ليصفى الجو بعد ذلك للقناة لبث سمومها ضد الاكراد .
وعلى صعيد اخر، مهما فعلت الحكومه التركيه فانها لا تستطيع اخفاء جرائمها حتى بعد مرور قرن من الزمن عليها، وليس بامكانها خنق الاصوات الحره في عالم اليوم ، فالعصر هو عصر المواصلات الحديثه والشبكات الاعلاميه العالميه الحره . ففي لقاء تلفزيوني في سويسرا قبل عدة سنوات ، ذكر المفكر والاديب التركي اورهان باموك الحاصل على جائزة نوبل للاداب بان الاتراك قتلوا مليون ارمني و300 الف كردي خلال سنين الحرب العالمية الاولى. قامت الدنيا في تركيا واعتبر باموك خائنا للوطن وتقررمحاكمته وسجنه وقام بعض المتعصبين الاتراك بتهديده بالقتل، ومنذ ذلك الحين يعيش باموك متخفيا في اوربا، وظهر اخيرا في الامارات العربيه حيث حضر مناسبة ثقافيه والقى فيها محاضره تحدث فيها عن حرية الرأي في تركيا وزج المثقفين في السجون وتحدث مرة اخرى عن الابادة الارمنية التي مر عليها اكثر من قرن حيث قال

     

   اورهان باموك الاديب التركي الحاصل على جائزة نوبل للآداب

(انني ببساطة اقول الحقيقة و انا حر طليق ، و اعلم أن في تركيا عشرات الآلاف من المعتقلين اللذين قرروا لوهلة ان يقولوا الحق و تعرضوا للإعتقال و اذا ما تسنى لهم الفرصة لقول الحق بحرية فغالبية الشعب سينطق بالحقيقة). واضاف باموك في محاضرتة أن الاعمال القسرية التي تعرض لها الأرمن ترتقي الى مستوى الإبادة لأنها كانت مخططة لإفناء هذه الأمة و إزالة أثارها من الوجود وذكر بعض التصريحات لزعماء اتراك آنذاك و أشهرهم كلمة طلعت باشا وزير الداخلية عندما قال ( سأبيد الأرمن واجعلهم في صفحات التاريخ بخبر كان و سأبقي على شخص واحد و احنطه وأضعه في المتحف لترى اجيالنا القادمة كيف كان شكل الأرمني).
ليس باموك وحده بل هنال العشرات من المفكرين مثله الذين هربوا من تركيا للحفاظ على حياتهم والمئات اودوعوا في السجون التركيه لمجرد ذكر موضوع اباده الاقليات او نشر مقال للدفاع عن حقوق الاكراد حتى لو كانت حقوقا ثقافيه. فالاديبه اليف شافاخ المعروفه عالميا بين الاوساط الثقافيه تعيش متخفيه في اوربا منذ سنين، والمؤرخ الدكتور تانير اكجام الذي كان اول من اعترف بوقوع الابادة الارمنيه، سجن وهرب من السجن واتتقل الى المانيا وهوالان رئيس قسم دراسات الاباده الجماعيه للشعوب والهولوكوست في جامعة كلارك الامريكيه، والدكتور أوميد كورد الذي بحث في التغيير العرقي الذي حصل في مدينة اورفا التركيه بعد مذابح عام 1915 يعيش حاليا في امريكا ويحاضر في جامعاتها وكذلك الدكتوره فاطمه كوجيك . اما الاديب رجب زاراك اوغلو فلقد سجن عدة مرات واحرقت مطبعته اكثر من مره بسبب نشره كتبا لمؤلفين اتراك واكراد تبحث في موضوع اباده الاقليات. وبالنسبة للكاتب الصحفي حسن جمال حفيد جمال باشا السفاح الذي نشر كتابا عن الابادة العنصريه التي وقعت عام 1915، والاديب الصحفي احمد التان واخيه محمد التان حامل شهادة الدكتوراه في الاقتصاد وغيرهم فلقد حكم عليهم جميعا بالسجن في تركيا.

             

الاديب رجب زاراك اوغلو - الدكتور أوميد كورد - المؤرخ تانير اكجام - الاديبه اليف شافاخ

          

الكاتب - الصحفي احمد التان - والصحفي أحمد جمال والحقوقيه فتحيه جيتين

والدكتوره عائشه كول التيني والمحاميه والناشطه في مجال حقوق الانسان فتحيه جتين والاديب والناقد السياسي علي بايرام اوغلوا والمؤرخ خليل بيركتاي والمؤرخ سعيد جتناوغلو وغيرهم اصبحوا خونه واهدافا في بلدهم ، والقائمه طويله جدا.
ان المفكرين والاحرار الاتراك ليسوا وحدهم المطاردين من قبل الحكومه التركيه ، فقائمة السياسيين الاكراد المنتخبين من قبل المواطنين الذين يتعرضون للسجن الواحد تلو الاخر بقرارات من اردوغان بحجة الخيانه وتاييد حزب العمال الكردستاني طويله وكذا الحال مع المفكرين الاكراد. ولقد نظم الاكراد تظاهرات في تركيا تزامنا مع الذكرى السنوية الثانية لاعتقال وسجن أحد عشر من نوابهم، بينهم رئيسا الحزب السابقين صلاح الدين دميرتاش وفيجن يوكس كداغ.

   

تظاهرات في تركيا في الذكرى السنوية الثانية لاعتقال وسجن أحد عشر نائبا كرديا

وحسب المصادر الكرديه يوجد نحو ستة آلاف من الناشطين السياسيين الاكراد داخل السجون التركيه في الوقت الراهن، ولقد اعتقلت السلطات التركيه اكثر من خمسين رئيس بلدية من الاكراد وفرضت الوصاية على عشرات البلديات في المناطق الكرديه. فهل من المعقول ان يكون هؤلاء كلهم خونه والاتراك المتعصبين وطنيين.
على الحكومه التركيه ان تفهم جيدا ان خطة ابادة الشعوب حلم يستحيل تنفيذه في عالم اليوم ، وعليهم ان يتعايشوا مع الاخرين وياخذ كل حقه ويعيش الجميع بسلام . قد تستطيع الحكومه حرق القرى الكرديه ونقل سكانها الى مناطق اخرى لتدمير النسيج الاجتماعي الكردي المتماسك ولكنها لا تستطيع تدمير ارادنهم في حياة حره كريمه.
اذا كان أردوغان او اي رئيس تركي اخر في المستقبل يريد حلا لقضية ابناء شعبه من الاكراد الذين يشكلون حاليا اكثر من 20% من سكان تركيا ، فلا حل غير المفاوضات السلميه على اساس الحفاظ على حقوق كل الاطرف واعطاء كل صاحب حق حقه والتعايش مع الجميع . اما اذا استمر النهج التركي على ما هو عليه بتهجير الاكراد وابادتهم وهو الاسلوب المتبع من ايام اتاتورك والى يومنا هذا واخرها قيام اردوغان بتهجير اكراد شمال سوريا ، فهذه الاساليب غير نافعه وتؤدي الى طريق مسدود وبالتالي الكفاح المسلح . فمثلما لم يستطع المجرم طلعت باشا ابادة الارمن عام 1915 فسوف لن يستطع اي رئيس تركي ابادة الاكراد مهما كان قويا وحتى لو ضمن صمت العالم على جرائمه وسيرمى بالتيجه في مزبلة التاريخ مثل الثلاثي المجرم طلعت وانور وجمال باشا السفاح .
لوس انجلس- كاليفورنيا
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

982 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع