علي عرمش شوكت
عبد المهدي .. عبداً للمنصب ولمن نصبه
مضى اكثر من اربعين يوماً على انفجار " ثورة اكتوبرالعراقية " التي غايتها التغيير وقلع الفساد وانقاذ البلد. منطلقة بقيادة شباب الحراك الذي ترعرع في ساحات التظاهر، منذ ما يقرب من عقد مضى بسنواته العجاف. ان ايقاع التظاهرات الحالية في مختلف المدن العراقية، يتعاظم متصاعداً بصورة طردية مع العنف السلطوي، بمعنى كلما زاد البطش كلما اتسع الحراك الجماهيري، مسجلاً خطى ناهضة نحو الانفجار الكبير المتمثل بالعصيان المدني المنتظر، الذي سيمثل البيان الاول الذي سيعلن سقوط الطبقة الحاكمة ونهجها السياسي المدمر، ورموزها الفاشلة الفاسدة.
هذه هي بنوراما الانتفاضة، التي تهيكلت في حراك الشارع،وتبلورت ارهاصاتها الاخيرة باعتصامات مهنية متعددة. للمهندسين والكوادر الطبية والزراعية والحقوقين والمعلمين ومختلف المهن الاخرى مثل اصحاب الاكشاك وعمال المساطر وكسبة البسطيات. ثم اختمرت بهبة الاول من تشرين الاول القادحة. نرجع للقول : هذه مفاعيلها فماذا ستكون تفاعلاتها التي تلتهب في قلب ساحات الاحتجاج؟؟ لاشك ان الترقب الساخن تعتمل فيه اجابة ساخنة يقرأها القاصي والداني، بان الحراك وبعزم الشباب الثوار لاينتظر من قوى فاسدة ماسكة بالسلطة ان تستجيب لمطاليبه، وبخاصة رئيس الحكومة الذي اتضح للملأ انه يعبد المنصب، اذ انه كلما مضى يوم ببقائه على راس السلطة، ذهبت ارواح عديدة اخرى، وهو غير أبه. ولا نذيع سراً بان عبد المهدي يصرعلى تمسكه بالمنصب بل متعبداً في محرابة حتى لو اباد مئات اخرى من الاحرار المنتفضين.
ان الدلالة على ذلك تتمثل بقيامه قتل اكثر من اربع مئة شاب ثائر وجرح اثني عشر الف متظاهر، وهو يردد بقوله اللامسؤول: {انه تعامل بابسط الاساليب مع المتظاهرين !! }. كما خرج علينا احد امثاله " عزت الشابندر" وبعد لقاءه مع عبد المهدي " "ليتحفنا" بقوله المستنكر{ بان الوطن اغلى من الدم} وكأنه يقاتل غزاة اجانب . جاهلاً او متجاهلاً أن الاديان واعظم الفلاسفة اكدوا بان الانسان + اثمن رأس مال +. كما ان عبد المهدي قد جرد نفسه من الاتزان وعزة النفس، مهرولاً لاهثاً ومنصاعاً خلف ارادة الذين نصبوه في رئاسة الوزراء. حيث صار كالرجل الذي يقوم باداء" لعبة الجنبازعلى حافة الهاوية ".وهنا لا مناص من ان يخسر تأريخه السياسي مقابل بقائه في المنصب الذي لايحسد عليه بعد ان تلطخ بدماء احرار الانتفاضة.
قبل عبد المهدي المنصب وهو لم يمتلك كتلة نيابية خاصة به، انما رُشح على قاعدة توافق كتلتين، وكان عليه ان يكون محايداً او منصفاً بينهما، غير انه وحينما شعر بان احداهما اقوى من الاخرى سرعان ما مال متكئاً على متنها. وبذلك توغل عميقاً في نهجه الذي يمتلك باعاً طولاً به. فهو ذلك" السندباد" الرحالة المتنقل بين انتماءاته ووظائفه شغوفاً بتحقيق حلمه ّ رئيساً للوزراء "، كان سرعان ما يستقيل من وظيفته حينما لا يرى فيها وسيلة نافعة يمكن ان يمتطيها، حتى وان كان ذلك على حساب المصلحة العامة، ترك حزب البعث عندما سقط حكم الحزب المذكور في تشرين عام 1963، عقب ذلك هرب من انتمائه الماركسي الجديد، بعد الهجمة السلطوية الشرسة على الشيوعيين واليساريين، صار اسلاموياً وبعد سقوط النظام الدكتاتوري تبوء اكثر من وظيفة رسمية وعندما وجدها لن توصله الى حلمه بمصب رئيس الوزراء كانت استقالاته مجردة حتى من التبريرات المنطقية ما عدا الذي يعتمل في نفسه.
ولما وصله المصب على طبق ذهبي ودون عناء تشبث به بعتباره عروته الوثقى ومبتغاه وهدفه الاخير وهو في نهاية عمره الثمانيني.. فلعب لعبته، فانشأ " سوراً صينياً " للحفاظ على هذا المصب، بانفتاحه على الاكراد لكسب تأييدهم بصورة اقل ما يقال عنها: كانت خارج النص، اذا جاز هذا التعبير، تنصل عن حياديته بميله الى الكتلة الاقوى كما رأها، متحملاً عواقب تردي الوضع الذي تجلى بدكتاتورية دموية قذرة باتت في مهب الريح.
991 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع