د. علي محمد فخرو
هذا التجاهل المريب لأوضاع الأمة
كل الدلائل تشير إلى أن النظام الإقليمي القومي العربي يمر الآن في محنة، وأن الأنظمة الإقليمية العربية الفرعية، من مثل مجلس التعاون الخليجي أو مجلس الاتحاد المغاربي، هي الأخرى تمر في محنها الخاصة بها. وكل الدلائل تشير إلى أدوار، ظاهرة وباطنة، تخططها قوى صهيونية عالمية وتنفّذها قوى استعمارية، وبالأخص نظام الحكم الأميركي الحالي. وتتمثًّل تلك الأدوار في أشكال من الابتزاز الاقتصادي والمالي، ومن اختراقات أمنيًّة، ومن خلال الإشعال المستمر والمتنامي لنيران الجنون الجهادي التكفيري داخل وخارج الأرض العربية، ومن إيقاظ لأحلام وهمية وادًّعاءات نرجسية في بعض دوائر الحكم العربية، ومن خلط للأوراق وحبك صراعات مذهبية وقبلية وقطرية عبثية عبر شبكات التواصل الاجتماعي العربية.
وبالطبع فان ذلك كله ماكان لينجح ويحقق أهدافه الشيطانية لولا وجود نقاط ضعف شديدة في المجتمعات العربية المدنية من جهة وفي أنظمة الحكم العربية من جهة أخرى.
ما يؤلم ويحيًّر ليس وجود تلك الموجه الهائلة المتعاظمة من المؤامرات، إذ أن التاريخ العربي، قديماً وحديثاً، وعلى الأخص بعد زرع الكيان الصهيوني في قلب الوطن العربي وبعد قيام شتًّى محاولات التمرٌّد على الوجود الاستعماري الغربي في الكثير من الأقطار العربية، ويؤكد بأن مؤامرات الخارج لتمزيق هذه الأمة وهذا الوطن وإدخالهما في حالات العجز والتخلُّف الحضاري لن تتوقًّف، بل ولن تتراجع.
ما يؤلم ومايحيًّر هو الصًّمت المريب الذي تمارسه كل المؤسسات العربية، القومية منها والمناطقية، تجاه مايجري.
فالجامعة العربية، ومؤسسة القمًّة العربية، والمجالس المناطقية العربية، ومعهما منظمة التعاون الإسلامي، يرون التدخلات الفاضحة أمامهم، ويرون التراجعات المعيبة في الالتزامات القومية، ولكنهم يقفون عاجزين أو مهملين أو حتى راضين.
هل يعقل أن تقبل كل تلك الجهات بأن يدار الموضوع العربي السوري من قبل روسيا وإيران، وأن يدخل العساكر الأتراك الأرض العربية السورية ويتصرًّفوا وكأنهم هم الذن يملكون ويحكمون الشمال الغربي السوري، وأن تصل الصًّراعات الجنونية في ليبيا إلى قرب مرحلة تفتًّت ذلك القطر العربي ونهب ثرواته والتدخل في شؤونه من قبل كل من هبًّ ودبًّ، وأن يواجه عشرون مليون من الإخوة اليمنيين الجوع والمرض والدًّمار الشامل لكل ما بُّني عبر عشرات القرون، وأن يواجه القطر العربي اللبناني إمكانية الإفلاس والانهيار الاقتصادي، وأن يشاهدوا الاحتقار الأميركي لكل حقوق وآمال وأهداف الشعب العربي الفلسطيني وتسليم كل فلسطين العربية إلى كيان صهيوني استعماري اجتثاثي، وأن يسمعوا يومياً عن شتى فضائح التطبيع المجنون المخزي فيما بين هذا البلد العربي أو ذاك وما بين الكيان الصهيوني، ولأسباب انتهازية ضيًّقة مؤقتة، ومن أجل استدرار الرًّضى الأميركي الذي يقهقه ساخراً وهو يرى التخبًّط العربي والتسابق البليد للحصول على كلمة مباركة أو ابتسامة ساخرة من رئيس نرجسي جاهل تحركه وتسيطر على عقله أوهام توراتية أسطورية؟ هل يعقل أن تقبل كل تلك الجهات بكل ذلك؟
إذا كانت هناك جهات في تلك المؤسسات العربية المشتركة تعرف الجواب على هذا التساؤل المحيًّر الموجع فلم لا تشير إلى مسبًّبيه الحقيقييًّن في إحدى جلسات تلك المؤسسات وتطالب بالعمل الجمعي لإيقاف من يعبثون بمصير هذه الأمة؟
بجانب كل العلل التي أصيبت بها أمتنا عبر العصور هناك الآن مرض سرطاني مميت يعيش في الجسم العربي ويهدًّده بالموت المؤكًّد . كما أنه توجد أياد عربية تمنع معالجة ذلك المرض، لأنًّها تقتات على وجوده.
لن ندخل اليوم في موضوع النًّوم العميق لمؤسسات المجتمع المدني السياسية، في خارج الحكم، وهي تشاهد كل ذلك. ولايمكن لأحد أن يقنعنا بأنها تحرًّك ساكناً مفيداً، غير إصدار البيانات المعادة المملًّة.
نعلم أننا نمارس الصًّراخ في وادٍ لا يسمع ولايشعر، لكننا نعلم يقيناً بوجود قوة في هذا الوادي المقفر، قوة ستسجيب لنداء التاريخ، وستبهر العالم كلًّه.
1128 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع