جائحة كورونا.. ودرسها البليغ

                                          

          الأستاذ الدكتور باسل يونس ذنون الخياط

جائحة كورونا.. ودرسها البليغ

لقد غزا كوكبنا كائن غريب مجهول الهوية هو فيروس كورونا، ولا نعلم لحد الآن هوية هذا الفيروس: هل قد انتشر من مختبرات جرثومية مُصنِّعة له أو أنه قد وفد من مخلفات كائنات حية. وقد أسقط هذا الفيروس الأقنعة وأظهر عورات الدول وكشف حالات الوهن فيها وعجزها عن التصدي الفاعل له وأدخل العالم المعاصر في مرحلة جديدة. 

لقد كشف ظهور جائحة كورونا حقائق مُروعة كانت غائبة عن أ ذهان أغلب سكان الأرض، وفي مقدمة هذه الحقائق ضعف وهوان البشر أمام الطبيعة وتحدياتها على الرغم من التقدم العلمي والحضاري الهائل الحاصل.

ويجب على كل إنسان أن يعي الدرس البليغ ويستوعب دلالاته: كائن مجهري حجمه 150 نانومتر يُهدد الكرة الأرضية التي مساحتها تزيد عن 550 مليون كم2 ويُرعب سكانها الذين يزيد عددهم عن 7 مليار نسمة، ويتسلل إلى كل البقاع ويقتحم القصور الملكية والرئاسية ومكاتب وقصور كبار المسؤولين في أرجاء العالم ويفعل بهم ما لم يخطر ببال أحد.

وبمرور الساعات تتسع وتتسع دائرة الإصابات والوفيات، وتقف أقوى وأغنى دول العالم عاجزة وفي حيرة من أمرها أمام هذا المارد المجهري، فتهتز أمريكا وتتهاوى إيطاليا وإسبانيا وتتأرجح فرنسا وألمانيا، وفي بريطانيا يصيب الوباء ولي العهد ويعقبه رئيس الوزراء جونسون ثم وزير الصحة.

الصدفة والعشوائية:
لقد بدأ فيروس كورونا رحلته المرعبة من سوق "هونان" للمأكولات البحرية في مدينة ووهان الصينية، ثم انتشر انتشار النار في الهشيم في معظم أرجاء الأرض ليفتك بأهلها ويدمر اقتصاد العديد من البلدان. والسؤال المطروح الآن: هل كان ظهور فيروس كورونا بالصدفة by chance؟

يقول دونالد نث Donald Knuth، وهو من كبار علماء الحاسوب في جامعة ستانفورد الأمريكية وأحد المشاهير في مجال علم المحاكاة Simulation ( توليد الأعداد العشوائيَّة): "إن العشوائيَّة قد تكون لغرض السماح (للإرادة الحرة: أي القدرة على الاختيار) لدرجة معينة". ومن خلال فهمه لحوسبة الكم Quantum Computing والتشابك Entanglement يستنتج نث: أن الله تعالى يمارس سيطرة حركية Dynamic Control على العالم من دون أي انتهاك لقوانين الفيزياء، مما يوحي أن (ما قد يبدو أنه عشوائي للبشر قد لا يكون في حقيقته عشوائيا)".

ومن الملاحظات التي فطن إليها البعض ظهور وباء في الأرض كل مائة عام خلال القرون الأخيرة يفتك بالبشرية مخلفا آلاف الضحايا: ففي العام 1720م انتشر وباء (طاعون مارسيليا العظيم) وقتل فيها حوالي 100,000 شخص. وفي العام 1820م انتشر وباء (الكوليرا) في تايلاند وإندونيسيا والفلبين وتم تسجيل أكثر من 100,000 حالة وفاة. وقبل قرن في سنة 1920م ظهرت (الأنفلونزا الإسبانية) نتيجة (لطفرة جينية) وقتلت أكثر من 100 مليون شخص، وكان ذلك الوباء الأكثر دموية في التاريخ. فهل هذه التوقيتات جاءت بالصدفة: 1720، 1820، 1920، 2020؟ وهل ظهور كورونا الجديد كان حدثا عشوائيا؟

ومما لا ريب فيه فقد كان ظهور كورونا بإرادة من رب السماوات والأرض (وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) (يونس: 61). والأوبئة ما هي إلا أدوات يسخرها الله تعالى لحكمة يريدها لعل الناس يعتبرون ويذكَّرون ويرجعون إلا الطريق القويم.

الغرور والابتعاد عن نهج الله:
لقد أفرز التطور الحضاري للبشرية الغرور عند الكثيرين وظنوا أنهم سادوا الأرض وملكوها ولا توجد قوة تستطيع أن توقف تطورهم. كما ظهرت العديد من الفلسفات الوجودية التي تُنكر وجود الخالق العظيم.

لقد عشتُ عدة سنوات في ثمانينيات القرن العشرين في بريطانيا ووجدتُ أن هناك نسبة ليست قليلة من الشعب البريطاني لا تؤمن بالله تعالى، وعندما تسأل الواحد من أولئك عن مُعتقده يجيب " أنا لا أؤمن I do not believe". وابتعد الناس عن منهج الله تعالى، وساد الظلم العالم المعاصر، وسالت أنهار من الدماء البريئة ولا زالت، وهُجمت البيوت على رؤوس ساكنيها، وهُجِّرت الألوف المؤلفة من الأبرياء ولا أحد من أولئك المساكين يعرف الذنب الذي ارتكبه. فأرسل الله تعالى هذا الجندي لتخويف الناس وردعهم لكي يفيقوا من سكرتهم (وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا) (الإسراء: 59)، (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَۚ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ) (المدثر: 31).

لقد دب الهلع في كل مكان، وشعر الإنسان مقدار وهنه وضعفه، وأدرك أن هذا الأمر من رب العالمين ليرينا قوته وعظمته وحكمته وعجز الإنسان أمام هذا الكائن البسيط. فالأحرى بكل واحد أن يعيد حساباته مع الله تعالى ومع نفسه وأهله ومعارفه، وليتذكر الإنسان أنه خليفة الله في الأرض وأن الله تعالى قريب منه مجيب لدعائه (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) (ق: 16).

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

608 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع