الأستاذ الدكتور باسل يونس ذنون الخياط
وسائل الإعلام ودورها في المعركة ضد كورونا
يعيش العالم أجمع هذه الأيام ظروفا عصيبة بسبب جائحة كورونا، وقد أفرز هذا الظرف العديد من الإفرازات المؤثرة؛ أحدها الخوف واهتزاز الوضع النفسي. وفي هذا الظرف العصيب يجب أن يكون إيماننا راسخا بالله جلت قدرته ونتسلح بقوله تعالى (قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (التوبة: 51).
وسائل الإعلام ودورها المؤثر في الحرب النفسية:
لقد لعبت وسائل الإعلام المختلفة من صحف وفضائيات وإنترنت وشبكات تواصل اجتماعي دورا كبيرا ومؤثرا في المعركة الشرسة التي تخوضها البشرية ضد فيروس كورونا. وأما الدور الإيجابي لوسائل الإعلام فواضح وجلي في التنبيه والإرشاد وتتبع أخبار هذه الجائحة.
كما لعبت بعض وسائل الإعلام دورا سلبيا في الحرب النفسية ضد جائحة كورونا. وفي الوقت الذي يُسابق الزمن كل المعنيين من أطباء وباحثين وقوات أمنية لمكافحة الجائحة واحتوائها، تواصل جهات أخرى نشر وبث معلومات مُضللة عن الفيروس القاتل عبر الفضائيات وشبكات التواصل الاجتماعي مما يؤدي إلى اهتزاز المعنويات وبث الرعب في النفوس.
ومما يؤسف له أن الكثيرين يقومون بدور الوسيط بتسعير نيران الحرب النفسية (عن حسن نية)، فلا يتحقق من مصدر المعلومة أو تأثيراتها النفسية، فيقوم على الفور بتحويل الفيديو أو المعلومة إلى أصدقائه، فتفعل فعلها السلبي وتؤدي إلى الرعب وإحباط المعنويات.
لقد وصلني عدد من النماذج السلبية من هذا النوع فقمت بكتابة رسالة لكل مُرسل على الخاص: (كونوا أدوات إيجابية ولا تكونوا أدوات سلبية.. أرسلوا المعلومة الحلوة والجميلة للأصدقاء ولا تُرسلوا أي شيء يخدش الخواطر لأن العالم يعيش الآن حرب نفسية وحرب أعصاب وهناك جهات مشبوهة تقوم ببث هذه المعلومات ثم تقومون أنتم بنشرها وبثها وترويجها لهم بين الناس).
الطابور الخامس (Fifth Column):
الطابور الخامس مصطلح مُتداول في أدبيات العلوم السياسية والاجتماعية نشأ أثناء الحرب الأهلية الإسبانية (1936- 1939). وأول من أطلق هذا التعبير هو الجنرال اميليو مولا أحد قادة القوات الوطنية الزاحفة على مدريد وكانت تتكون من أربعة طوابير من الثوار، فقال حينها "إن هناك طابورًا خامساً يعمل مع الوطنيين لجيش الجنرال فرانكو ضد الحكومة الجمهورية من داخل مدريد"، ويقصد به مؤيدي الجنرال فرانشيسكو فرانكو (1892-1975) من الشعب، وبعدها ترسخ هذا المعنى في الاعتماد على الجواسيس في الحرب الباردة بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي.
يصف مصطلح (الطابور الخامس) مجموعة من الناس تعمل غالبًا على محاولة محاصرة المدينة من الداخل، ويمكن لأنشطة الطابور الخامس أن تنطوي على أعمال تضليل للناس. وقد أدركت دول العالم خطورة الشائعات وأنشأت هيئات متخصصة لمكافحتها. وقد وجه الرئيس الأمريكي ترمب يوم السبت 5/4/2020 نداءً إلى وسائل الإعلام طالبا إياها بالتوقف عن نشر الأكاذيب عن فيروس كورونا وبث الرعب بين الناس.
قصة "الخريطة المرعبة":
بعد قرابة الشهرين من ظهور فيروس كورونا، وتحديدا في شباط 2020، نشر باحثون في جامعة ساوثمبتون البريطانية، بحثا عن الأماكن التي سافر إليها أشخاص من مدينة ووهان الصينية قبيل أسبوعين من فرْض الحجر الصحي على المدينة، حيث ظهر الفيروس.
وقد رجع الباحثون إلى بيانات الرحلات الجوية والهواتف المحمولة لسكان ووهان في سنوات سابقة. وقَدّرت الدراسة أن نحو 60 ألف شخص ربما قد سافروا إلى نحو 400 مدينة حول العالم قبل أن تفرض السلطات في ووهان حظرا على السفر.
ونشر الباحثون سلسلة من التغريدات عن العمل الذي يقومون به على موقع تويتر، ومن بين ما نشره الباحثون خريطة توضح مسارات الخطوط الجوية عالميا، دون توضيح أن هذه الخريطة لم تكن جزءا من الدراسة. وقد امتلأت الخريطة بالخطوط الحمراء والتي توضح مسارات الخطوط الجوية حول العالم بقصد إظهار مدى اتساع شبكة الطيران العالمية.
لقد تفاعل بعض الناس مع التغريدة، وتلقفت بعض المواقع الخريطة ونشرتها، كما استخدمت قناة " News 7" التلفزيونية الأسترالية الخريطة في فقرة نقاشية، ونشرت مقطع فيديو لهذه الفقرة، والذي حظي بدوره بأكثر من سبعة ملايين مشاهَدة. كما ظهرت الخريطة في النسخ الإلكترونية لعدد من الصحف البريطانية مثل الصن، والديلي ميل، ومترو.
ونشأت عن هذه التغريدة قصة غير صحيحة انتشرت سريعا عبر الإنترنت. ويقول التقرير الذي أذاعته القناة الأسترالية: (إن الخريطة تتحدث عن تفشي الفيروس حول العالم، حيث يقول المذيع أن الخطوط الحمراء تشير إلى خمسة ملايين من السكان الفارّين من مدينة ووهان الموبوءة)!!.
أما حقيقة الأمر، فهي أن الخطوط الحمراء إنما تمثل مسارات الرحلات الجوية حول العالم. وأما رقم (خمسة ملايين) فقد أتى من مصدر منفصل تماما؛ حيث كان عمدة مدينة ووهان قد أعطى هذا الرقم لدى حديثه عن إجمالي المسافرين من المدينة لقضاء عطلة العام القمري الجديد، ومعظمهم لم يغادر الصين.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (الحجرات: 6)، فتبيَّنوا بمعنى: أمهلوا حتى تعرفوا صحته، لا تعجلوا بقبوله.
وما مِن شِدَّةٍ إلا سَيَأتي ... لها مِن بعدِ شِدَّتِها رَخاءُ
فلا والله ما في العَيشِ خيرٌ ... ولا الدُّنيا إذا ذَهَبَ الحَياءُ
577 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع