الأحلام المفقودة في ديوان "الدرويش في رحلته الأخيرة" للشاعر "مصطفي محمد غريب"

                                              

           بقلم د/ السيد الزرقاني ناقد وكاتب صحفي

   


الأحلام المفقودة في ديوان "الدرويش في رحلته الأخيرة " للشاعر "مصطفي محمد غريب"

- " ابحث عن شجرةْ

تورق أغصاناً من نجمات تنويريةْ

ابحث عن قارب

يبحر لا يتوقف

ابحث عن بيتٍ

بنوافذ مفتوحةْ

حتى استنشق فيه الأجساد البشريةْ "

من هنا كانت انطلاقة الحلم المطلق في ديوان "الدرويش في رحلته الأخيرة" للشاعر العراقي "مصطفي محمد غريب" في رحلته مع الذات والوطن والأخر في فضاءات كونية ، يتعايش معها بقصائده المتنوعة التي تحمل في طياتها، كل المعاني السامية للحلم البشري في كل مرادفته.

فهو شاعر خاضعٌ لقيود الوزن – الكلاسيكي والتفعيلة ، وهو متمكن من اللغة العربية بشكل رائع ، ومتمكن من أدواته الشعرية والفنية ، وبكونه له سنوات طويلة على ميادين الأدب ، أصبحت لديه تجربة خصبة ومتميزة ورائدة في هذا المضمار ، ولكن شعره يتفاوت من حيث المستوى ، فلا يستطيع الدارسُ أن يحكم عليه من خلال قصيدة أو اثنتين .

بل على كل من يريد الكتابة عنه أو ليفهم ويدرس شعره بعمق ، عليه أن يقرأ الكثير من دواوينه الشعرية المتعددة التي نوه عنها في ختام ديوانه هذا وسيرته الذاتية ، وللشاعر "مصطفي غريب" قصائد مميزة وخاصة التفعيلة منها فهي على مستوى راق ٍ وعميقة حافلة بالمعاني والرموز والمرادفات البلاغية الجديدة وبالصور الشعرية الحديثة.

فهو كثيرا ما يأتينا بالجديد المبتكر ولا يكتفي بالقوالب الجاهزة، القديمة بيد أننا نجد لديه كثيرا من المعاني المألوفة والمعهودة في الكثير من قصائده خاصة الكلاسيكية ونجد بعض العبارات والمعاني والصور المتفردة.

أما شاعرنا "مصطفي غريب" فقد تميّز وانفرد في بعض الجوانب والمواضيع عن معظم الشعراء العرب، وخاصة في وصف الطبيعة وسحرها وجمالها ، فهو من الشعراء العرب القلائل الذين تعمّقوا وتوسعوا في وصف الطبيعة وجمالها وبهائها فتغنى بالسهول والجبال والسواقي والأزهار والطيور والشفق الوردي من منطلق وطني ، عكس الكثير من الشعراء الوطنيين ممن جاء شعرُهم الوطني والسياسي مجرد شعارات وهتافات رنانة مفتقرا إلى الصور الشعرية والإيحاءات الجمالية مثل قوله:-

 

هل هذه بغداد؟

يلفها السواد

يخافها العباد

يأكلها الجراد

من كثرة الفساد

ولعبة القراد

يسرقها أوغاد!..

 

***

هل هذه بغداد

بدجلة جدباء

وغبرة البطحاء

والناس في الفلاة

كأنهم أغراب

والركض في السراب

برحلة العذاب

يذلها أوغاد

 

- فشعر "مصطفي غريب" حافل بالصور الشعرية المدهشة وتكريس وتوظيف عناصره ورموزه للمعاني والأهداف التي يريدها ، حافلٌ بالمعاني العميقة وبالرؤى الفلسفية والمستقبلية الشاملة.

حيث نراه في صدر الديوان جاءت قصيدته الأولي بعنوان " الدرويش في رحلته الأخيرة" والتي اتخذها عنوان لديوانه الذي بين أيدين،واستخدامه للفظ " الدرويش"ذات دلاله بلاغية في موضعها أي خبرة السنين بعد رحله كبير فالشاعر يتعايش مع الحدث بصورة بلاغية عميقة المغري والمعني علي السواء ،فقط امتلكه الحنين إلي الوطن المسجي في الدماء.

وهنالك الصحاب والرفاق قد طواهم الكفن لا فرق عنده بين كفن ابيض أو احمر أو حتي اسود ، الوطن الذي يعيش داخله غير الوطن الذي عاد الية يبحث فيه عن شاعره القديم " بدر شاكر السياب" الذي رسم يوما حدود الوطن شامخا بين الأوطان ، فنراه يقول :

 

-

وقف الغريبْ

على مشارف بيتهِ

عند المداخل في البقاع

تلك التي حشرتْ على وجه الجدار

ليدخل الحي القديم

متعجباً.. يا رؤيتي

مستغرباً.. يا ويلتي

متدراكاً.. من حيرتي

 

مستفهماً.. صعب المحال

الناس في كل مكان

ولا صراخ

ولا هتاف

بل أدمعاً حمراء تسقط من سماء

صفراء مثل وجوههم

كقشور ليمون البساتين القديمة

أحياء في أقمشةٍ

سوداء من نفث الدخان

حشرٌ من الأنفاسِ تحشر في الفخار

سلالةٌ تمايزتْ من أصلها

أهذه دروشة؟

ويمضي شاعرنا في قصيدته بنهج الاستفهام الاستنكاري الذي أضاف دهشة وإبهار لدي المتلقي ، ليعلن أن ما سكن بداخلة من شغاف العشق السرمدي لأركان هذا الوطن قد تلاشي أما ما نزل به من نكبات ربما بفعل من بعض أبنائه ، ولجاء الشاعر هنا إلي الأسلوب الاستنكاري ليوقظ بداخلنا نحن العرب ، الشعور بالذنب فيما آلت إليه بلانا التي كانت مهدنا لحضارات أرخت إبداعها وتقدمها علي العالم شرقه وغربه حيث يقول :-

أهذه دروشة؟

أم أنه الدرويش قد ضاق الطريق

وأضاع قلبهُ الحنين

يا أنت من سأل القبور

ورأى السياب في سفر الغياب*

ثم اغتنى الباقون من رهصاتهِ

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1081 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع