د. علي محمد فخرو
الجواب العربي على التغيرات الكبرى
اذ تطرح مختلف دول العالم وتكتلاته تصوراتها وآمالها بشأن مستقبل ما بعد وباء فيروس كورونا الكوكبي، فانها تطرحها في شكل مكونات فكرية وعقائدية وتغييرات في واقعها هي، بالدرجة الأولى. فالولايات المتحدة الأميركية وأوروبا والصين وبقية دول الشرق الأقصى وروسيا وغيرهم يطرحون تصورات مختلفة، بل وأحياناً متناقضة، ستخدم مصالحهم ومكاناتهم العالمية الذاتية في المقام الأول، حتى ولو ذكروا بين الحين والآخر اهتمامهم بالمصالح الانسانية المشتركة. فهم حتماً معنيون قبل أي شيء آخر بمجتمعاتهم وأوطانهم وشعوبهم.
من هنا الأهمية الكبرى لطرح السؤال التالي: وماذا عنا نحن العرب؟ هل ستكون لنا رؤية مستقبلية قومية عربية مشتركة، أم ستكون لنا رؤى تعددية متباعدة، وبالتالي بصوت ضعيف وبوزن لا يعيره العالم أي اهتمام أو مبالاة؟
في الخمسينيات من القرن الماضي، عندما وضعت الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية تصوراتها حول ما يجب أن يكون عليه العالم، وتقاسمت النفوذ الأممي فيما بينها، كان رد الوطن العربي كله شبه رد واحد في مكوناته الفكرية والاستراتيجية النضالية وتعاضده. كان رد الدول العربية الرازحة تحت الاستعمار اشعال حروب التحرير من أجل الاستقلال. وكان كل شعب عربي يجد نفسه غير قادر للقيام بعملية التحرير بامكاناته الذاتية يجد عند كل الشعوب العربية الأخرى دعماً معنوياً ومادياً وأحياناً مشاركة في النضال المسلح. وكان هدف الاستقلال الأساس عند الجميع هو استعادة كرامة وحرية الانسان العربي واخراج المجتمعات العربية من تخلفها التاريخي.
وكان لا بد من طرح فكر ووسيلة نضال للمحافظة على الاستقلال الوطني، وذلك كتمهيد للاستقلال القومي الشامل لكل الوطن العربي، فطرح البعض الطليعي الفكر القومي العروبي المنادي في السياسة بوحدة الأمة العربية وحريتها وفي الاقتصاد باعطاء أهمية كبرى للعدالة الاجتماعية وتوزيع الثروة. وقد تمخض عن ذلك المد العربي تغيراً جذرياً في عمل وكفاءة الجامعة العربية لتصبح مؤسسة عربية يحسب لقراراتها في الخمسينيات والستينيات ألف حساب. كما تمخض عن انخراط الجزء الطليعي من الأمة العربية في حركة عدم الانحياز وفي قيادة العالم الثالث ككتلة مستقلة عن المعسكرين المتصارعين: المعسكر الغربي الرأسمالي والمعسكر الاشتراكي. هكذا كان رد الأمة العربية على التغيرات العالمية الكبرى التي أعقبت الحرب العالمية الثانية.
الآن، والعالم مقبل على تغيرات كبرى والسير في مسارات جديدة، نحتاج أن نطرح السؤال الآتي: بأية ثوابت ووسائل تنظيمية عربية مشتركة وممثلة للأمة العربية سيسهم العرب في التغيرات العالمية من جهة وفي التغيرات التي سيرضاها العرب لمجتمعاتهم؟ الجواب على ذلك السؤال سيكون له تأثير بالغ على مدى دخول العرب ونوعه في العالم الجديد الذي سيخلق، عالم ما بعد وباء فيروس كورونا.
ومن المؤكد أن ذلك الجواب سيكون ضعيفاً وبائساً اذا لم يواجه العرب مجتمعين الجحيم الذي تعيشه الأمة العربية حالياً: جحيم الدمار الهائل في عديد من الأقطار العربية، جحيم الانقسامات والصراعات الطائفية والعرقية والقبلية، جحيم الجنون الجهادي التكفيري العابث بمكانة وقيم الاسلام، جحيم الجهالات المشبوهة عبر طول وعرض شبكات التواصل الاجتماعي العربية، جحيم التخلي عن الاخوة العرب الفلسطينيين في كفاحهم ضد الاستعمار الصهيوني وعنصريته، وأخيراً جحيم الاعتقاد بوجود خلاص فردي لكل قطر عربي، مستقلاً عن أمته وقادراً على الابحار في العواصف الاقتصادية والأمنية والسياسية القادمة.
مواجهة التغيرات العالمية الجديدة ككتلة عربية واحدة متعافية هو الجواب، والا فسنواجه الطوفان، وقد يغرق بعضنا.
741 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع