إعداد/دكتور محمد السقا عيد
استشاري طب وجراحة العيون
من إبداع الخالق في العين البشرية ميكانيكية التكيف وقمة الإبداع ..
خلق الله تعالى العين لوظيفة هامة وهي الإبصار، وقد زوّد الله هذه العين من الإمكانيات ما يجعلها تؤدي دورها في الرؤية على أكمل وجه، من هذه الإمكانيات عملية التكيف البصري، وهي عملية هامة تسهم في تكوين صورة واضحة للجسم المرئي القريب دون أي إحساس بإجهاد أو تعب في العين.
يعرف التكيف البصري أو المواءمة البصرية بأنها هي "مقدرة العين في التركيز علي الأشياء التي توجد علي مسافات مختلفة من العين، وتبدأ من أقرب نقطة للبؤرة إلى ما لا نهاية للنقطة البعيدة". وتتم عملية المواءمة بتغير شكل عدسة العين لكي تصبح أكثر سمكا وانحناء كلما قرب الجسم المرئي من العين، والعكس تماما، أي ضيق وصغر الانحناء، كلما بعد الجسم المرئي عن العين.
من المعروف أن جميع الأشياء التي تقع علي مسافة 6 أمتار من العين تقع في البؤرة تماما بدون أن تبذل عضلات العين جهدا في مواءمة عدستها، وكلما قرب الجسم المرئي من العين عن هذه المسافة كلما زاد الجهد العضلي المبذول للحفاظ على العدسة في التحدب الملائم.
و تسمى أكبر مسافة يمكن معها رؤية الأجسام بوضوح بالنقطة البعيدة، "والنقطة البعيدة للعين السليمة هي ما لا نهاية. كما تسمى أصغر مسافة يمكن معها رؤية الأجسام بوضوح بالنقطة القريبة. والنقطة القريبة بالنسبة للعين السليمة هي 25 سم. ويسمى التغير في قوة العدسة من الرؤية البعيدة للرؤية القريبة بقوة مواءمة العين" Accommodation
ولكي نفهم منظومة التكيف هذه لابد أن نتعرف في البداية على الجزء التشريحي الخاص بهذه العملية. ففي الوقت الحالي، ومع التقدم العلمي والتقني، أصبحت الرؤية القريبة جزءاً لا يتجزأ من حياة الإنسان، فالمهام التي يؤديها على مسافات قريبة هي الآن أكثر من أي وقت مضى.... منها مثلاً القراءة، الأعمال المكتبية، العمليات الجراحية للجراحين، الإلكترونيات الدقيقة، وغيرها.
قزحية العين
يتم تغيير فتحة العين(انسان العين) بواسطة مجموعتين من العضلات موجودتين في جدار القرنية. المجموعة الأولى مرتبة أليافها بصورة دائرية تسمى (العضلة المضيقة للحدقة) ، المجموعة الثانية مرتبة أليافها بصورة شعاعية وتسمى (العضلة الموسعة للحدقة). كما يحتوي الجسم الهدبي أيضاً على عضلات تعمل تلقائياً، تنقبض عندما يريد الإنسان أن يرى شيئاً قريباً وتنبسط عندما ينظر الإنسان إلى شيء بعيد.
يزيد هذا الانقباض من تحدب عدسة العين، أي من قدرتها على تجميع الضوء القادم من المرئيات القريبة، وهكذا تتكون الصورة بوضوح على شبكية العين. وكذلك فإن الانبساط يساعد على رؤية الأشياء البعيدة بوضوح. وتسمى هذه القدرة على رؤية الأشياء البعيدة والقريبة بوضوح باسم "تكيف الإبصار" ... وتكون هذه القدرة كبيرة عند الأطفال.
العدسة البلورية
تحاط العدسة البلورية بحافظة شبه بلاستيكية فائقة المرونة والتشكل، ولها المقدرة علي الانكماش والانبساط ، ومثبت بهذه الحافظة آلاف الألياف الدقيقة التي تحافظ علي وضع العدسة البلورية في ثبات خلف حدقة العين. وتستطيع في الوقت نفسه التحكم في قوة شد وانكماش وانبساط وارتخاء عضلة الجسم الهدبي الدائرية بالترتيب.
وهذه الألياف المعلقة بالعدسة البلورية تأخذ منابتها من النسيج الطلائي غير الصبغي المغطي لأهداب الجسم الهدبي وتنتهي مرابطها عند خط استواء حافظة العدسة البلورية وكذلك أمامه بقليل.
فعند القراءة أو الخياطة أو فحص شيء قريب من العين تنقبض عضلة الجسم الهدبي الدائرية مما يؤدي إلي ارتخاء الألياف المعلقة للعدسة، فيقل الشد على حافظة العدسة، فتنكمش فيزيد تكور وتحدب سطح العدسة البلورية ، وبالتالي تزيد قوتها الانكسارية ويقل بعدها البؤري فترى الأشياء القريبة بوضوح. وعلى عكس ذلك فعند النظر إلى بعيد يحدث ارتخاء لعضلة الجسم الهدبي الدائرية فيزيد قطر دائرته ويزيد شد الألياف المعلقة للعدسة البلورية على حافظة العدسة فيحدث شد لها فيقل تكور العدسة ويقل تحدب سطحها وتقل قوتها الانكسارية فيبعد بعدها البؤري فيرى الإنسان الأشياء البعيدة بوضوح.
يصاحب هذه التغيرات حدوث ثلاثة تغيرات وظيفية متزامنة هي:
- ضيق حدقة العين لزيادة عمق البؤرة.
- دوران العينين ناحية الأنف لتلاقي المحاور البصرية على الشيء القريب المنظور.
- زيادة قوة عدسة العين لتصير بؤرتها عند موقع ذلك الجسم القريب المنظور.
كذلك يشترك في هذه المنظومة عضلات الجبهة والحواجب وتسمى عضلات تكيف العين الخارجية المساعدة والتي تؤدي عند انقباضها إلى تقوس الحواجب وضيق فتحة العين مما يؤدي إلى تقليل شدة الإضاءة حول العين ووضوح الشيء المرئي.
تتحكم العضلات الهدبية (Ciliary muscles) في عدسة العين المرنة ودرجة انحنائها ، وبتغير درجة انحناء العين فمن الممكن أن يركز الشخص على الأشياء التي توجد على مسافات بعيدة عنه وهو ما يسمى بـ تكيف العين (Accommodation).
كما أن العدسة البلورية تعمل مع القرنية على تركيز الضوء على الشبكية، وهى نفس وظيفة العدسة البصرية التي يصنعها الإنسان. وهكذا رأينا كيف تشترك أنسجة العين في أداء منظومة تكيف العين بل كيف تعمل معا في تناغم وتوافق وانسجام .
فحين تنظر عين في حالتها الطبيعية إلى جسم يبعد عنها بمقدار اللانهاية البصرية (6 أمتار أو أكثر)، فسوف تسقط صورة ذلك الجسم على الشبكية في نقطة واحدة و دون أي جهد مبذول من العدسة، حيث تكون في حالة ارتخاء تام.
وعند تحريك ذلك الجسم باتجاه العين، فإن صورته تتحرك تباعاً خلف الشبكية، ولكي تُعاد تلك الصورة إلى موقعها الطبيعي (على الشبكية)، يجب أن تزيد العدسة من سمكها وفق آلية معقدة (ميكانيكية التكيف) وعلى هذا الأساس، يجب أن تكون العدسة شفافة ومرنة، ولها القدرة على التغيير السريع لشكلها كي تتمكن من أداء التكيف دون أي إجهاد.
وهكذا، فإن عملية التكيف تحدث فقط حين تسقط صورة الجسم خلف الشبكية، كما في حالة طول النظر، أو في العين الطبيعية حين تركز على جسم يبعد عنها بأقل من 6 أمتار.
أما حين تسقط صورة الجسم أمام الشبكية كما في حالة قصر النظر، فلا تحدث عملية التكيف، وتبقى الصورة مشوشة وغير واضحة ما لم يصحح وضعها بالعدسات الطبية.
في العين الطبيعية، تسقط صورة الجسم على الشبكية في نقطة واحدة دون أي جهد مبذول من العدسة.
الخط المتصل: قبل وبعد عملية التكيف.
ولتعلم عزيزي القارىء أن الوقت المستغرق من بداية الاستثارة إلى بداية الاستجابة يقدر بحوالي 370msec وتستغرق استجابة التكيف للمهام القريبة من البداية إلى النهاية حوالي 0.6sec ؛ كما يستغرق إرخاء التكيف حوالي 0.8sec، وهذه الفترات بالطبع لا يشعر بها الإنسان، وبالتالي فهو لا يشعر بهذه التغيرات الحاصلة داخل العين ولا يعاني من أي إجهاد أو تعب. أليس في هذا قمة الإعجاز؟.
المصادر:
- الموسوعة الحرة (ويكيبيديا).
- كتاب أسرار العيون ا.د. محمود صلاح الدين .
-تكيف العين أ. د. صلاح أحمد حسن -أهرام الجمعة 31أكتوبر 2003- 6من رمضان 1424 هـ -السنة 127 العدد42697.
-التأثيرات الفسيولوجية للضوء على الإنسان-مركز معلومات أرجنومية التصميم.
812 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع