عيد بأي حال عدت ياعيد
تهديتكم مجلة الگاردينيا مقال للدكتور عبدالمحسن حماده ،لمناسبة حال الشعوب العربية والشعب العراقي خاصة في عيد الاضحى المبارك
ما اشبه اليوم بالبارحة و هذه حال الامة ، ان التاريخ في احوالنا دائما يعيد نفسه ما دمنا في عقولنا متشبثين بالبقاء في المربع الاول الذي هو الاصرار حد الاستماتة من اجل البقاء في الماضي و عدم الرغبة في التفكير في التقدم مواكبة الحاضر و المستقبل ، في تقدم ركب الحضارة الانسانية التي ديمومتها التغيير ، وهي ارادة الخالق الازلية.
مع التقدير
الدكتور عبدالمحسن حماده
عيد بأي حال عدت يا عيد *** بما مضى أم بأمر فيك تجديد؟
هذا مطلع قصيدة قالها المتنبي في هجاء كافور. وعاش المتنبي ما بين 354-305 وقد قال هذه القصيدة أثناء تهيؤه للهرب من مصر سنة 350هـ وصادف ليلة عيد الأضحى. وعدد أبياتها 28 بيتاً. خصص الأبيات العشرة الأولى لوصف نفسه التي امتلأت بالهموم والأحزان والكآبة. بدأها يسأل العيد متجاهلاً بماذا عاد عليه: هل بالهموم والأحزان التي تعود عليها منذ تواجده في مصر أم بشيء آخر جديد يغير حالته السيئة التي يعيشها؟ ثم يذكر سبب حزنه أنه بعيد عن أحبائه بيني وبينهم صحراء طويلة. ثم يخاطب العيد قائلاً ليتك أيها العيد بعيداً أضعاف بعدهم لأنني لا أستمتع بك وأحبابي بعيدون عني. ولعل أحباءه هم آماله وطموحه الذي شعر أنه بدأ يتلاشى.
لذلك نراه في الأبيات الثالث والرابع والخامس يشير بصراحة إلى أن أطماعه وطموحه هم أحباؤه ويلقى المصاعب لتحقيق تلك الآمال.
لولا العلى لم تجب بي ما أجوب بها، وجناء حرف ولا جرداء قيدود. وكان أطيب من سيفي معانقة، أشباه رونفه الغيد الأماليد. لم يترك الدهر من قلبي ولا كبدي، شيئا تتيمه عين ولا جيد.
فهو يعترف بأن سعيه لتحقيق آماله هو الذي فرض عليه أن يمتطي وجناء حرف أي ناقة ضامرة قوية، أو يمتطي جرداء قيدود أي فرس قصيرة الشعر طويلة العنق كناية عن سرعتها. ليجوب بها هذه الصحراء الطويلة سعيا لتحقيق آماله العريضة في الحياة. ولولا تلك الآمال لما اضطررت لمعانقة سيفي وتركت النساء الجميلات اللاتي يشبهن بياض السيوف ورونقها. حبه للمجد صرفه عن الاستمتاع بملذات الحياة. ثم يسأل صاحبيه هل تسقياني أم تقدمان لي الهموم والأحزان؟ ثم بدأ يتساءل عن نفسه هل تحول إلى جماد بلا مشاعر لا يطرب ولا يستمتع بسماع الأغاني؟ ثم بدأ بهجاء كافور يعيره بلونه وسوء خلقه، وأكتفي بهذا البيت الذي وجه فيه اللوم للمصريين قائلاً: نامت نواطير مصر عن ثعالبها ... وقد بشمن وما تفنى العناقيد
ففي هذا البيت يخاطب الشعب المصري يخاطب قياداته والذين وصفهم بالنواطير أي المسؤولين عن حراسة أموال الدولة وثرواتها، فقد نام هؤلاء السادة وتركوا الثعالب يأكلون ثروات الدولة حتى بشمن أي بلغ به الشبع أكثر من طاقتهم. لكن لأن خيرات مصر كثيرة لم تتأثر بتلك السرقات.
ونحن في هذه الأيام نستقبل عيد الاضحى المبارك فعلينا أن نستقبله بفرحة كما يأمرنا ديننا. على الرغم من أن الأوضاع محزنة في الدول عربية
عيد بأية حال عدت يا عيد
عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ
بِما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ
أَمّا الأَحِبَّةُ فَالبَيداءُ دونَهُمُ
فَلَيتَ دونَكَ بيداً دونَها بيدُ
لَولا العُلى لَم تَجُب بي ما أَجوبُ بِها
وَجناءُ حَرفٌ وَلا جَرداءُ قَيدودُ
وَكانَ أَطيَبَ مِن سَيفي مُضاجَعَةً
أَشباهُ رَونَقِهِ الغيدُ الأَماليدُ
لَم يَترُكِ الدَهرُ مِن قَلبي وَلا كَبِدي
شَيءً تُتَيِّمُهُ عَينٌ وَلا جيدُ
يا ساقِيَيَّ أَخَمرٌ في كُؤوسِكُما
أَم في كُؤوسِكُما هَمٌّ وَتَسهيدُ
أَصَخرَةٌ أَنا مالي لا تُحَرِّكُني
هَذي المُدامُ وَلا هَذي الأَغاريدُ
إِذا أَرَدتُ كُمَيتَ اللَونِ صافِيَةً
وَجَدتُها وَحَبيبُ النَفسِ مَفقودُ
ماذا لَقيتُ مِنَ الدُنيا وَأَعجَبُهُ
أَنّي بِما أَنا باكٍ مِنهُ مَحسودُ
أَمسَيتُ أَروَحَ مُثرٍ خازِناً وَيَداً
أَنا الغَنِيُّ وَأَموالي المَواعيدُ
إِنّي نَزَلتُ بِكَذّابينَ ضَيفُهُمُ
عَنِ القِرى وَعَنِ التَرحالِ مَحدودُ
جودُ الرِجالِ مِنَ الأَيدي وَجودُهُمُ
مِنَ اللِسانِ فَلا كانوا وَلا الجودُ
ما يَقبِضُ المَوتُ نَفساً مِن نُفوسِهِمُ
إِلّا وَفي يَدِهِ مِن نَتنِها عودُ
مِن كُلِّ رِخوِ وِكاءِ البَطنِ مُنفَتِقٍ
لا في الرِحالِ وَلا النِسوانِ مَعدودُ
أَكُلَّما اِغتالَ عَبدُ السوءِ سَيِّدَهُ
أَو خانَهُ فَلَهُ في مِصرَ تَمهيدُ
صارَ الخَصِيُّ إِمامَ الآبِقينَ بِها
فَالحُرُّ مُستَعبَدٌ وَالعَبدُ مَعبودُ
نامَت نَواطيرُ مِصرٍ عَن ثَعالِبِها
فَقَد بَشِمنَ وَما تَفنى العَناقيدُ
العَبدُ لَيسَ لِحُرٍّ صالِحٍ بِأَخٍ
لَو أَنَّهُ في ثِيابِ الحُرِّ مَولودُ
لا تَشتَرِ العَبدَ إِلّا وَالعَصا مَعَهُ
إِنَّ العَبيدَ لَأَنجاسٌ مَناكيدُ
ما كُنتُ أَحسَبُني أَحيا إِلى زَمَنٍ
يُسيءُ بي فيهِ كَلبٌ وَهوَ مَحمودُ
وَلا تَوَهَّمتُ أَنَّ الناسَ قَد فُقِدوا
وَأَنَّ مِثلَ أَبي البَيضاءِ مَوجودُ
وَأَنَّ ذا الأَسوَدَ المَثقوبَ مِشفَرُهُ
تُطيعُهُ ذي العَضاريطُ الرَعاديدُ
جَوعانُ يَأكُلُ مِن زادي وَيُمسِكُني
لِكَي يُقالَ عَظيمُ القَدرِ مَقصودُ
إِنَّ اِمرَءً أَمَةٌ حُبلى تُدَبِّرُهُ
لَمُستَضامٌ سَخينُ العَينِ مَفؤودُ
وَيلُمِّها خُطَّةً وَيلُمِّ قابِلِها
لِمِثلِها خُلِقَ المَهرِيَّةُ القودُ
وَعِندَها لَذَّ طَعمَ المَوتِ شارِبُهُ
إِنَّ المَنِيَّةَ عِندَ الذُلِّ قِنديدُ
مَن عَلَّمَ الأَسوَدَ المَخصِيَّ مَكرُمَةً
أَقَومُهُ البيضُ أَم آبائُهُ الصيدُ
أَم أُذنُهُ في يَدِ النَخّاسِ دامِيَةً
أَم قَدرُهُ وَهوَ بِالفَلسَينِ مَردودُ
أَولى اللِئامِ كُوَيفيرٌ بِمَعذِرَةٍ
في كُلِّ لُؤمٍ وَبَعضُ العُذرِ تَفنيدُ
وَذاكَ أَنَّ الفُحولَ البيضَ عاجِزَةٌ
عَنِ الجَميلِ فَكَيفَ الخِصيَةُ السودُ
935 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع