ما مدى دستورية الحكومات التي حكمت العراق منذ بداية الاحتلال ولحد الان؟ وهل المرجعية الدينية هي المسؤولة عن الاصلاح السياسي؟

                                              

                       د. سعد ناجي جواد

ما مدى دستورية الحكومات التي حكمت العراق منذ بداية الاحتلال ولحد الان؟ وهل المرجعية الدينية هي المسؤولة عن الاصلاح السياسي؟

اثار الحديث الذي ادلى به المرجع الديني الاعلى في النجف الاشرف قبل ايام، سماحة السيد علي السيستاني، حول الاوضاع في العراق ودعمه لفكرة الانتخابات المبكرة والمطالبة بمعالجة الفساد وبمعاقبة قتلة المتظاهرين وامور اخرى، الكثير من ردود الافعال المؤيدة له، والمفارقة الاهم ان اكثر من اندفع في تاييد هذه التصريحات هم السياسيون الذين كان يفترض بهم ان يكون ما قاله السيد هو صلب عملهم وجهدهم، (يقف على راس هولاء رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس واعضاء البرلمان)، وهم بالاساس من اعتبرتهم المرجعية، حتى وان لم تذكرهم بالاسم، مسؤولين مسوولية كاملة عن تدهور الاوضاع. ويدخل تاييد اغلبهم في دائرة النفاق السياسي بسبب فسادهم. كما اندفع صحفيون واكاديميون ومحللون في التأييد بطريقة تجعل المراقب يتساءل هل اصبح اصلاح الامور السياسية ووضع الخطط الاصلاحية هو من واجب المرجعية الدينية في النجف الاشرف؟ وهل العمل على الاصلاح يجب ان ينتظر تصريحات من المرجعية؟

بالتاكيد فان المرجعية قد وصلت الى قناعة ان الفساد والتخبط الذي آلت اليه الامور في البلاد قد وصل الى درجة اجبرتها على الخوض بالامور السياسية التي حاولت وتحاول ان تنأى بنفسها عنها قدر الامكان. وربما تكون هذه التصريحات هي نتيجة لشعور المرجعية بان سكوتها عن استغلال السياسيين الجدد لإسمها وتسلطهم على رقاب الناس بدعوى ان المرجعية تدعمهم، هو احد الاسباب التي اوصلت البلاد الى هذا المنحدر الخطير ، (وفي الحقيقة ان شخصيات متقدمة في المرجعية خرجت للعلن داعمين لبعض السياسيين الذين تحوم حولهم شبهات فساد). والعراقيون ينتظرون ماذا سيكون رد فعل الطبقة السياسية، خاصة بالافعال وليس الاقوال لمعرفة مدى تاثير هذه التصريحات عليهم، ولو ان التجارب السابقة اثبتت ان لا احد يلتزم بهذه التصريحات، (رغم التاييد الشفهي لها).
كما يجب ان لا يغيب عن بالنا ان اغلب الكتل المتنفذة وقيادات في الحشد الشعبي كانت قد شنت هجومات في السابق على المرجعية وعلى السيد السيستاني بالذات لانه طالب بعدم تجربة المجرب ولانه ايد الحراك الشعبي المنتفض وطالب بمعاقبة قتلة المتظاهرين. ومع ذلك تبقى المرجعية مطالبة بما هو اكثر لعزل الفاسدين والمليشيات المنفلتة التي تدعي بانها وجدت بموجب دعوة المرجعية.
من ناحية اخرى فان التركيز في العراق بدا منذ مدة يدور حول مسالة الانتخابات المبكرة وكانها المنقذ للعراق من الحالة المزرية التي وصلت اليها البلاد. وتناسى الجميع ان العراق خاض تجربة اربعة انتخابات واستفتاء واحد على الدستور شهدت جميعها عمليات تزوير ونتج عنها تدوير نفس الوجوه التي جاءت مع الاحتلال وفشلت فشلا ذريعا في ادارة البلاد. والاهم عدم احترام لاراء الناخبين.
كثيرا ما يتردد على لسان قادة الكتل السياسية واعضاء مجلس النواب الحاليين والسابقين، وخاصة عند الحديث عن الانتخابات، عبارات مثل ضرورة الالتزام بالدستور او ان هذا العمل مخالف للدستور وان ذلك القرار يمثل خرقا للدستور، وكل هذا التصريحات يريد مردودها ان يظهروا انفسهم بانهم متمسكون بالاساليب وبالقواعد الدستورية وبالنهج الديمقراطي.
بغض النظر عن الموقف من الدستور الحالي والذي تم تثبيته في اكثر من مرة، والذي يقول ان هذه الوثيقة هي بالاساس مزورة ومررت بالتزوير وتم التلاعب بالاصوات الرافضة لها والتي كانت ستسقط عملية تمريره، وانه لم يكن للعراقيين اي دور في كتابة بنوده الاساسية، وبغض النظر عن موقف الكاتب من السياسين الذين اتوا مع الاحتلال او بسببه والذين كان لسياساتهم اثار مدمرة على العراق، فان الامثلة التي ستذكر لا تعني بانها دفاعا عن احدهم، فان هناك ثمة حقيقة اخرى تقول ان كل الحكومات التي تشكلت بعد الاحتلال او بعد اقرار الدستور هي حكومات قد اتت نتيجة ارادات ومصالح خارجية، وانها مطعون في شرعيتها بموجب نفس الدستور، شانها شان الحكومات التي شكلها الاحتلال قبل اقرار الدستور، ولسبب بسيط هو ان الاحتلال نفسه كان غير شرعيا ولم يحصل على تفويض من الامم المتحدة، وان الاخيرة أُجبِرَت على القبول بالاحتلال بعد ان اصبح امرا واقعا. ناهيك عن ان القانون الدولي يحرم على الدولة المحتلة تغيير قوانين ودساتير الدول التي تحتلها، او تشكيل اية حكومة فيها.
واذا ما عدنا الى الانتخابات التي شهدها العراق وما نتج عنها، وبموجب الدستور الذي وضعه المحتل وليس استنادا الى اراء شخصية، نجد ان كل الحكومات التي تشكلت بعدها كانت اما غير دستورية او انها مثلت خرقا للدستور او لارادة الناخبين، وبالتالي فهي غير شرعية. فبعد الانتخابات الاولى، واستنادا للدستور الذي ينص على ان القائمة الفائزة تقوم برفع اسم شخص من اعضائها الى رئيس الجمهورية لكي يكلفه بتشكيل الوزراة، فان الولايات المتحدة ضغطت باتجاه ازاحة من تم اختياره من قبل الكتلة الفائزة (السيد ابراهيم الجعفري)، مما ادى الى اختيار السيد نوري المالكي بدلا منه. ( بالمناسبة فان المالكي لم يكن معروفا، بل وانه كان حتى لحظة اختياره يستخدم اسمه الحركي (جواد المالكي) ولا يفصح عن اسمه الحقيقي خوفا على حياته!!). المهم ان المالكي، ورغم التمنع الظاهري الذي ابداه في البداية الا انه قبل بالمنصب واستخدمه أسوأ استخدام. وشهدت فترة حكمه كوارث كثيرة مثل تفشي الفساد وتعاظم اللغة الطائفية، وانتهت باحتلال ثلث الاراضي العراقية من قبل تنظيم داعش الارهابي. وكل هذا الفشل والكوارث لم تجعله يفكر في الاستقالة حفظا لوحدة البلاد او لماء وجهه، وظل متمسكا بالمنصب.
في الانتخابات الثانية (2010) فشلت كتلة المالكي بالفوز باكبر عدد من المقاعد في البرلمان، وتفوقت عليها كتلة السيد اياد علاوي، الا ان المالكي استعان بطرف خارجي (ايران) واخر داخلي (مجلس القضاء الاعلى) لكي يفوز بولاية ثانية. في كل الديمقراطيات المحترمة فان رئيس الدولة، سواء كان ملكا او رئيسا، يقوم بتكليف رئيس القائمة او الحزب الفائز بتشكيل الوزارة، واذا ما فشل في ذلك ضمن المدة القانونية يكلف الفائز الثاني وهكذا. الا ان ايران تدخلت لثني رئيس الجمهورية انذاك (المرحوم جلال طالباني) عن الطلب من رئيس القائمة الفائزة بالعدد الاكبر من المقاعد، في نفس الوقت الذي تمكن فيه المالكي من جعل مجلس القضاء الاعلى يصدر قرارا يقول ان الكتلة الاكبر هي تلك التي تتشكل بعد الانتخابات داخل البرلمان، وهكذا تم تجاوز اصوات غالبية الناخبين وتم تكليف الشخص الذي لم يفز بالانتخابات.
اما في الانتخابات الثالثة (2014) والتي حاول فيها المالكي الفوز بولاية ثالثة مدعيا ان الاصوات التي حصلت عليها كتلته تؤهله لذلك تدخلت الولايات المتحدة هذه المرة ومنعته من تشكيل حكومة ثالثة. وبناءا على الضغط الامريكي قام رئيس الجمهورية (السيد فؤاد معصوم) بتجاوز المالكي وكلف السيد حيدر العبادي، الذي كان المالكي قد رشحه نائبا لرئيس البرلمان. ورغم اعتراضات المالكي وهجومه العنيف على رئيس الجمهورية واتهامه اياه بخرق الدستور وتهديده باللجوء الى القضاء، الا انه في النهاية سكت ورضى بالنتيجة.
اما الخرق الدستوري الاكبر فلقد حدث بعد الانتخابات الرابعة (2018) والتي وان كانت قد سجلت ادنى مشاركة على الاطلاق (18%)، وصاحبتها اكبر عمليات تزوير، فلقد جاءت النتائج متقاربة، ولم تفلح اية كتلة في الحصول على اغلبية في داخل البرلمان. وفي اثناء التداولات لتشكيل تحالف يمكن ان يدعي انه الكتلة الاكبر لعب المبعوثين الامريكي والايراني الى العراق الدور الاساس في هذه التحركات والنقاشات. ولم تكتف الكتل بالتفرج على ما يجري وانما قبلت بما نتج عنه وهو اختيار السيد عادل بعد المهدي لتشكيل الوزارة، وفي خرق واضح للدستور. حيث ان عبد المهدي لم يشترك في الانتخابات ولم يتم انتخابه لمجلس النواب ولم يكن عضوا في اية كتلة برلمانية. ومع ذلك صوت مجلس النواب على القبول به وبوزارته. وعندما فشل عبد المهدي فشلا ذريعا في القيام بمهامه، واجبرته التظاهرات الشعبية على الاستقالة، بعد ان فشل في اسكاتها بالقوة المفرطة، قام رئيس الجمهورية، وبدون الرجوع للبرلمان الى تسمية شخصين اخرين لمنصب رئيس الوزراء. ثم تدخلت الولايات المتحدة مرة اخرى وفرضت السيد مصطفى الكاظمي كمكلف لتشكيل الوزارة. والكاظمي هو الاخر لم يشارك في الانتخابات وليس عضوا في اية كتلة برلمانية.
خلاصة القول ان تكليف رؤوساء الوزراء منذ بداية الاحتلال ولحد اليوم جرى بعيدا عن رغبة الناخبين وعن نتائج الانتخابات (الديمقراطية) التي يزعم الاحتلال انه اقامها في العراق، وبالتالي فان ذلك يجعل منها حكومات غير شرعية استنادا الى الدستور الذي تفخر به الكتل السياسية التي اتى بها الاحتلال، وهذا الامر يجب ان ينسحب على كل القرارات التي اتخذتها تلك الحكومات. وهذا يعني ايضا، وهذا هو الاهم ان اختيار الشخص الذي يكلف بتشكيل الوزارة يتم بعيدا عن اصوات الناخبين، واستنادا الى تدخلات خارجية، وهذا الامر لابد وان يثير السوال الذي يقول لماذا الحرص على اجراء الانتخابات اذا كانت تنتهي بالتزوير والاتيان باشخاص غير منتخبين؟

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

1346 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع