لماذا ترفض "إسرائيل" تزويد "دولة قَطَر" بالـ(أف -٣٥)؟؟

                                              

    د. صبحي ناظم توفيق عميد ركــن متقاعد.. دكتوراه في التأريخ
                الإثنين... 12/أيلول/2020

   

لماذا ترفض "إسرائيل" تزويد "دولة قَطَر" بالـ(F-35)؟؟

تمهيد

من الطبيعي أن لا نستغرب حيال فَورِيّة "إسرائيل" برفضها رغبة "دولة قَطَر" إقتناء طائرات مقاتلة/هجوم أرضي من طراز (F-35) الأحدث في العالم والأعظم تطوّراً في كل تقنِيّاتِها، وبالأخص عدم إمكان رصدها بالراردارات المتاحة وأدائها الرائع، وذلك رغم كون "قَطَر" دولة صغيرة الحجم محدودة النفوس ولا يُعرَف عنها مطامع وطموحات سوى الدفاع عن ذاتها وديارها.
فلماذا هذا الموقف الإسرائيلي؟ وما الدافع وراءه؟؟
الـ"F-35" الأُعجوبة
قبل سنتين وتحديداً في (17/ديسمبر/2018) نشر لي هذا الموقع الأغر -مشكوراً- مقالتي الموسومة ((المقاتلة "أف- ٣٥" الأعجوبة الأقرب إلى المثال)) والتي أوضحتُ كونَها من الجيل الخامس الذي إنبثقت تصاميمه عام (2000)، ولم تُقحَم أولاها بالخدمة الفعلية إلاّ قبل سنوات بواقعها المَخفِيّ عن الرادار وسرعتها فوق الصوتية وأنظمتها التي تحقّق للطيّار كل ما يحلم به، مُضافاً إليها قابلية الإقلاع والهبوط العمودي.

     

      الـ"F-35" تهبط عمودياً على سطح حاملة طائرات

فالـ "F-35" هي المقاتلة -الشبح- الأحدث في العالم، ولم تُقحَم في الخدمة الفعلية لحد الآن سوى في سرب واحد لدى القوة الجوية الأمريكية ثم الإسرائيلية فالبريطانية وبأعداد محدودة فحسب، وقد حقّقت ثورة جامعة فاقت ما ظلّ عالقاً في خيال عُشّاق الطيران، ولربما سوف لا تُضاهيها -بالعديد من مواصفاتها الأخّاذة- أية مقاتلة/هجوم أرضي سبقتها، ولا ترقى لإمكاناتها وأدائها لعقود قادمات إلاّ بالتحديث والتطوير إبتغاء تجاوز سلبيّات ومَعايِب محدودة قد تُشَخَّص في إستخداماتها الميدانية بإستبدال معدات وإلكترونيات بأرقى مما متوفر في جيلها الأوّل الراهن.

   

        المقاتلة/هجوم أرضي (F-35) الأمريكية

من سيمتلك الـ(F-35)؟؟
قد يستغرب البعض من المتابعين للطيران الحربي أن معظم القيادات المسلّحة الأمريكية (القوة الجوية، القوة البحرية، قوات المارينز، طيران الجيش) أبرمت عقوداً بمبالغ هائلة لإقتناء (2,443) طائرة من هذا الطراز وعزمت على إستبدال جميع مقاتلاتها المستخدمة حالياً في غضون (ثلاثين) عاماً، فعُدَّت أضخم العقود التي تُبرَم في تأريخ الطيران الحربي بدفوعات مبدئية تربو على (330) مليار دولار، إذا إحتفظت الطائرة الواحدة بسعرها الحالي بواقع (135) مليون دولار المثبَّت بالوقت الراهن.

إسرائيل والـ(F-35)

لم تكلِّف "إسرائيل" ذاتها بتمويل مشروع الـ(F-35) ولو بدولار واحد، بل تكلَّفَ بها المليارديرية الصهاينة وأصحاب أعظم البنوك العالمية، ولم تُدَوِّخ رأسها وخبرائها في صناعتها، ورغم ذلك فقد أقدمت الولايات المتحدة الأمريكية على إهداء (4) مقاتلات من باكورة إنتاجها في أواسط عام (2016) لـ"إسرائيل" مقابل (540) مليون دولار دفعته منظمات صهيونية نقداً قبل أن تُجهِّزَها لأية دولة حليفة، وأتبعتها بـ(5) أخريات عام (2018) لتغدو "إسرائيل" صاحبة قوة نوعية متفوّقة في الشرق الأوسط، فيما تعهّدت "واشنطن" أن تستكمل الـ(48) مقاتلة لدى القوة الجوية الإسرائيلية بحلول عام (2022).

      

رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" لدى إستقباله (4) مقاتلات (F-35) إستلمتها "إسرائيل" بأسبقية عالية يوم (12/12/2016)، وكانت باكورة (48) طائرة متفقّ عليها.

وسارعت "إسرائيل" للتَيَقّن من الأداء الميدانيّ للـ"F-35" وتشخيص سلبياتها، فإخترقت أجواء "سوريا" ومارست قصف عشرات الأهداف المتنوعة ليلاً ونهاراً وفي أجواء مختلفة، وكذلك عملت في "العراق" رغم عدم إعلانها بوضوح، وأجرت إختراقاً أعمق في أجواء "إيران" بإستطلاع تصويريّ وإلكترونيّ إشتمل مواقع مُحَصّنة ومُدافَع عنها بإحكام، حيث إجتازت طائرتان الأجواء السورية والعراقية في وضح النهار قبل أن تعودا سالمتَين خلال ساعتين من دون إرضاع جوي بالوقود، حيث لم يستطع أي رادار رصدَهما ولم تُقاطِعهما ولو طائرة واحدة، ولم يستهدفهما أي سلاح أرضي لمقاومة الطائرات!!!
هل مانعت "إسرائيل" سابقاً؟؟
الأمثلة المُعلّنة في هذا الشأن عديدة ومتلاحقة، فـ"تل آبيب" تتحكّم بمعظم القرارات الستراتيجية الأمريكية، البريطانية، الفرنسية وكذلك الروسية ولو بدرجات متفاوتة، وكذلك الحال مع دول كبرى مِفصَليّة وذات سطوة في عموم العالم.
فعلى سبيل المثال القريب للغاية، فد مانعت قبل شهر ونصف طلب دولة الإمارات العربية في إقتناء الـ"F-35" رغم تطبيعها العلاقات الدبلوماسية معها... وفي عام (2017) كذلك وقتما طرحت المملكة العربية السعودية مجرّد رغبتها بإقتناء هذه الطائرة مقابل أثمان باهظة، حتى سارع رئيس لجنة الأمن والدفاع لدى الكونغرس الأمريكي بتصريحه المستغرَب:- ((أن على المملكة السعودية أن لا تحلم مجرّد حلم يقظة أن تمتلك ولوF-35 واحدة))!!!.
وثمّة حدثٌ ثانٍ تَمَثّل في حرمان "تركيا" من إقتنائها بحجّة شرائها منظومة "S-400" من روسيا الإتحادية، رغم كون "تركيا" عضواً في غاية الأهمية لدى حلف "N.A.T.O" وصاحبة علاقات دبلوماسية مع "تل آبيب"... ويحتمل أن تكون "إسرائيل" واللوبي الصهيوني وراء هذه الخطوة الأمريكية الجائرة حيال "آنقرة".
لماذا "قَطَر" هذه المرة؟؟
المعروف أن "دولة قَطَر" صديقة ومتحالِفة وطيدة مع الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وعموم الغرب، وتمتلك قوة جوية صغيرة نسبياً ولكنها ممتازة في طائراتها المتنوعة والحديثة للغاية، بعمودها الفقري من طراز "ميراج-2000" الفرنسية الأسرع من الصوت وعشرات الهليكوبترات الإيطالية والفرنسية والبريطانية، وعدد من طائرات النقل والتدريب المتنوعة، وقد تعاقدت على شراء الأحدث والأفضل والأعظم تطوراً لضبط أجوائها تجاه أيّ خصم بالعشرات من المقاتلات/هجوم أرضي طرازَي "رافال" الفرنسية و"يورو فايتر/تايفون" البريطانية، وإستلمت عدداً منها.

   

طائرة "ميراج-2000" الفرنسية -العمود الفقري الحالي للقوة الجوية القَطَرية-

    

طائرة "رافال" الفرنسية والتي تعاقدت للقوة الجوية القَطَرية على شرائها

    


المقاتلة/هجوم أرضي البريطانية "يوروفايتر/تايفون" وقد تعاقدت دولة قَطَر على إقتنائها

    


الهليكوبتر "أوكستا ويستلاند (AW- 139) -المُصَنَّعَة في إيطاليا بإمتياز بريطاني- والتي تمتلك "قَطَر" العشرات منها

وهنا مَربط الفرس لكون الـ"F-35" (الشبح) تُغري أية دولة وقوة جوية فتتمنّى إقتناءَها، لا سيّما إن توفّرت لديها أثمانها لتدفعها بالعاجل وليس بالآجل، وهي جاهزة لدى "الدوحة" نقداً بفضل الله، وذلك ما يسيل لها لُعابُ أية دولة منتجة للسلاح المتطوِّر فترضخ للشاري.
ورغم ذلك فإن رفض "إسرائيل" للرغبة القَطَرية لم تكن مستغرَبة بل هي مُتَوقّعة شأنها شأن سابقاتها... فرؤى "إسرائيل" البعيدة حيال "الدوحة" لا تختلف كثيراً عن نظرتها نحو السعودية والإمارات، لأن "تل آبيب" خطّطت منذ الخمسينيات، وستظلّ في ستراتيجياتها الناجعة في عدم قبولها نقل الحرب لبقاعها وأجوائها ومياهها فتُدَمَّر مدنها وعمرانها ومنشآتها، بل تنقلها إلى أرض أعدائها وأجوائهم ومياههم بإستثمار قوات مسلّحة متطورة نَوعِياُ وليست كَمِّياً، من حيث تمتّعها بتكنولوجيا عالية القدرات وتفوّق جوي يكتسح الخصم ولا يُرَدّ، وهذا ما لا يمكن تحقيقه إلاّ بطائرات أحدث وأقدر تتفوّق على ما بين يدَي أعدائها، فالقوة الجوية الإسرائيلية كانت رأس الحربة في حروبها الثلاث المتعاقبات (سيناء 1956، حزيران 1967، تشرين 1973)، وقد برهنت جدارتها على ما إستطاع العرب توفيرها بين أيديهم، وطوّرت ما لديها بإضطراد وإقتنت الأفضل ثم الأفضل للحفاظ على تفوّقها الجوي رغم الهدوء المشهود الذي ساد علاقاتها مع الجوار العربي بعد إجبارهم وفَرَض السلام عليهم بُعَيدَ حرب تشرين/1973.
أما الـ"F-35" تحديداً فقد كانت بمثابة طائرة أحلام وفّرت مواصفات مثالية وشبه خيالية في عالم الطيران، وبالأخص في قابلية إختفائها عن الرادارات، والذي يجعلها تخترِق وتجوب وتستهدِف وتقصف وتدمِّر عن بُعدٍ قبل أن تعود سالمة من دون أن تُقاطَع أو تُواجَه أو تُسقَط، وقد جَرّبَت ذلك في غضون ثلاث سنوات مُنصَرِمات بجدارة وإتقان، فتصاعدت ثقتها بهذه الطائرة غير المسبوقة في خصائصها وإمكاناتها.
لذلك يستحيل على "إسرائيل" أن تتقبّل مجرد إمتلاك أية دولة عربية أو إسلامية ولو طائرة "F-35" واحدة، ولو كانت تلك الدولة صديقة، لأن اليهود عموماً يحتسبون لأسوأ الإحتمالات ويفترضون أن تختلف معهم يوماً ما، أو يتبوّأ عرشَها من لا يُؤتَمَن، فيستثمر أجواء دولة متاخمة لـ"فلسطين" المسلوبة فيبلغ أهدافاً في أعماقها من دون أن يرصدها رادار إسرائيلي فتفلت عائدة بسلام.

إحتمالات التراجع الإسرائيلي
نعم يحتمل ذلك بعض الشيء مستقبلاً، ليس بخصوص الـ"F-35" بمفردها، بل حيال أيٍّ من طُرُز طائرات "الشبح" الأمريكية الأقدم أمثال الـ(F-117، وf-22)، ولكن شريطة تحقيق أحد الإحتمالات الآتية:-
• إذا رضحت "إسرائيل" للضغوط وإبتغت تحقيق أرباح بعشرات المليارات، ليس لصالح الشركة المُصَنِّعة "لوكهِيد مارتِن" فحسب، بل لإفادة أصحاب رؤوس الأموال بهذه الشركة العملاقة، وجُلُّهُم مليارديرية يهود وصهاينة، فتفرض عليها ضرورة تجريد الـ"F-35" المُباعَة لـ"قَطَر" وسواها من خاصِّيّة إخفائها رادارياً وتجعلها أشبه بطائرة مقاتلة إعتيادية، ومن المؤسف أن المُعتَمِدين على غيرهم لا يقتدرون كشف هذه الحقيقة الخبيثة... وهذا محتمل كثيراً وإجراؤه مُتاح ويُعَبَّر على المشترين بيُسر وسهولة.
• وقتما تحصل "إسرائيل" أو تطوِّر تكنولوجيا إستثنائية تُتيح لراداراتها رصد طائرات الشبح المعادية ومسكها ومعالجتها، إذْ تتحوّل "الشبح" إلى مجرد طائرة إعتيادية... وهذا الإحتمال وارد.
• إذا إنقضى عقد أو إثنان على الـ"F-35" وأضحت عتيقة وبالية ومتراجعة، وإنبثق طراز أحدث أو جيل لاحق ذو مواصفات تفُوقُها وتطغى عليها، فتستحصل عليه "إسرائيل" قبل الآخرين، عندئذٍ لا تمانع... ولكن هذا الإحتمال سوف لا يَتحقق إلاّ بعد إنقضاء (3-4) عقود من يومنا الراهن.

  

إذاعة وتلفزيون‏



الأبراج وتفسير الأحلام

المتواجدون حاليا

406 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع