قصة قصيرة - الرحيل

التفاصيل

تم إنشاءه بتاريخ الجمعة, 21 أيار 2021 15:33

كتب بواسطة: عبدالرزاق الأسدي

                        عبد الرزاق نعمة الأسدي

قصة قصيرة - الرحيل

رفض ابي مغادرة البستان بعد ان غمرته مياه الفيضان وجلس فوق دكة بناها، متنقلا في ارجاء البستان الكبير،مما يضطرنا الى الوصول اليه في كل يوم من اجل توفير الطعام والماء وما يحتاج اليه وقلوبنا معه خائفين ان يصاب بمكروه .ذهبت توسلاتنا له بترك البستان أدراج الرياح . قال : " هنا روحي وهنا سعادتي، لا تتعبوا انفسكم فلن اغادر!"

مكث هناك ثلاثة اشهر حتى بدأ الماء ينحسرفرمم البيت وعدنا جميعاً بفرحٍ غامر الى البستان . كان يوما مشهوداً جمع بين فرحتنا بالعودة ومشاهدة البستان .
تلاشت تلك المحنة وأطلت تباشير السعادة .واستمرت الحياة على منوالها وبدأ الناس يعودون الى منازلهم فرحين وراح أبي يزرع الأرض ويعتني بأشجار النخيل وأنشغل بإصلاح ما خربة الفيضان .
اندلعت الحرب بين العراق وإيران ، كان الوضع مخيفاً .. ازيز الطائرات،
، اصوات المدفعية تزرع الرعب في النفوس ، وأضواء التنوير تشق عنان السماء . بدأت بعض عوائل المنطقة بالرحيل، وبقي ابي يحاول تهدئتنا بكلماتٍ متفائلة : " أيام وينتهي كل شيء، اصبروا "
واستمر يحث الآخرين من الجيران على البقاء.
وفي يومٍ تعيس فوجئنا بثلة من الجند تقتحم البساتين ويأمرون أصحابها ان يغادروا فقد أصبحت المنطقه عسكريةً . امهلنا بضعة أيام بعدها بدأت الجرافات باجتثاث النخيل وأشجار التوت والعنب دون ان تنفع اعتراضات المعترضين.
رأيت الحزن يكلل وجه ابي !
كانت عيناهُ غائرتين لا تستقران على مكان فأشجار النخيل تحولت الى جذوعٍ مبتورة تملاُ المكان . تلك الأشجار التي أفنى العمر من اجل ان تمنح ثمرها بعد ان زرعها فسائل صغيره حتى أثمرت . والآن ها هي بقايا النخيل خالية من كل حياة . لم يطق أبي رؤية ذلك المشهد وبدا غير قادرٍ على التعبير وضاعت منه الكلمات!
وجب علينا مغادرة أرضنا وبيتنا والذهاب الى المدينة فقد أصبح المكان ساتراً ! لقد هدم بيتنا وضاعت أرضنا !
ها هو آبي أراه أول مرة يتوكأ على عصا مضطرب الفكر يحاول جهده ان يتمسك بالصبر بلا فائدة فالمأساة اكبر من قدرته على الصبر. استأجرنا شقةٍ صغيرةٍ لا تكفينا. جلس آبي امام باب الشقة وقد حشر رأسه بين ركبتيه مطرقاً يحاول عبثا إخفاء دموعه التي تسللت من عينيه يمسحها بكفه دون ان يراه احد !