مثنى عبيدة حسين
تعودنا نحن أبناء الوطن العربي عموماً على الأحاديث السياسية الساخنة والتي قلما تكون هادئة نتيجة للموروث الثقافي منذ قرون ٍ عدة وأخذ بالتبلور والبروز منذ القرن الماضي الذي كان حافلاً بالمتغيرات الكبيرة على صعيد الفكري والإنساني لهذه المنطقة من العالم ومتأثرة بالأفكار والآراء والإحداث التي شهدها العالم خلال تلك الفترة .
ما أن يجتمع مجموعة من أبناء تلك الديار في أي مكان إلا وطرحوا قضاياهم ليتم البحث بالناظور السياسي وليس ناظور الطب ويباشروا التنظير وتناول الوضع السياسي وتعلوا الأصوات وتــُغيب كل المواضيع الثقافية والإنسانية الأخرى من أجل فسح المجال للحديث السياسي ونسمع ونشهد صراعاً بالأفكار والروىء ورسم خطوط الطول والعرض من الجميع سواءً كانوا مختصين أو باحثين أو بائعي خضار مع كل الاعتزاز بالجميع خصوصاً الصادقين منهم في صدق انتماءهم وإحساسهم الكبير بحب أوطانهم أو قضايا أمتهم .الحديث يطول وننسى الوقت والمكان أن كان في دائرة رسمية أو مقهى أو بستان...
أن ما دعاني إلى طرق هذا الموضع إننا نحمل أفكارنا معنا أينما ذهبنا ونحاول التعميم في طرحها بأعلى الأصوات وقوة الحجة والمنطق رغم أننا غالباً ما نفاجأ بحركات السياسيين واللاعبين الكبار والتي نجهلها أو لم نطلع عليها أو وهو الغالب لم يتم استشارتنا بها ولم يلتفت صانع القرار لكل أرائنا وصراخنا بل ومن خلال ماكينة إعلامية ضخمة أو متخلفة يستطيع توجيهنا وتوجيه أحاديثنا السياسية عند الصباح الباكر نحو ما يريده وتجدنا نردد نفس حديثه والمنطق الذي ينطلق منه ( أن كان ما يقوله فيه منطق يحظى بالاحترام ) .
أما إذا حصلت المفاجأة الكبيرة وتحرك الجيش المخلص من الأوهام الحالم لنا بالأحلام المحقق لنا ما كنا نتصوره الخلاص هنا تبدأ مسيرة جديدة عبارة عن صعود ونزول حكام لا يُحسنون الحكم إلا بالعصا والخيزران ومسك الصولجان وتدخين السكائر من العم سام وجارته الحسناء كوبا النائمة على الأفكار الصاحية على أمواج الهاربين إلى جنة الجار الهمام .
حين نصل إلى مشاعر البغض للشعارات وللكثير من السياسيين القوميين والإسلاميين والشيوعيين والامبرياليين وكل التسميات والأحزاب ننتظر المُخلص يأتينا من خلف الحدود عله يفرش الأرض بسجادة الديمقراطية التي نتوقعها بساط يطير بنا من البؤس والشقاء نحو العدل والحرية والرخاء فإذا بنا نغرق في وحل الهزيمة والخسران ونتفرق أشياعا وأطياف وكأنا لم نكن أشياع وأديان وأطياف ... ولا نعرف بأن أوطاننا تضم قوميات وأجناس تعايشت منذ قرون وأعوام على المحبة والصدق والوفاء وقد عمدنا وفدينا أوطاننا بالدماء والعرق الممتزج بكل ذرة تراب ولم يعرف هذا التراب قطرات الدماء التي تروي حباته هل هي من عمر أو علي أو جورج أو حتى شموئيل أبن إسحاق .
العيب هنا ليس بالديمقراطية والحرية والعدل وغيرها من مسميات أضحت أسس الحكم في العديد من دول العالم وأسست قوام مدنيته وتقدمه وسلوكه إلانساني والذي جاء كله نتيجة لتقادم الخبرة والعمل بها وإرساء الأسس الصحيحة لتبادل السلطة وخدمة المجتمع الذي أصبح الرقيب على المسئول وليس التابع الذليل له يحركه كيفما أراد أو متى ما شاء ...
طبعاً ليس العيب بهذه النظم أو النظريات القابلة للتحقيق أنما العيب كل العيب في الفهم الخاطئ لها وأساليب تطبيقها على أرض الواقع وهذا يحتاج إلى حديث طويل رغم أن العلة مشخصة لدى الجميع وطرق العلاج قد تكون معروفة لدى الكثيرين ولكن ... أعود إلى ما أريد أن أقوله وهو التنظير تحت التبريد خصوصاً ممن أبتعد عن الواقع مكاناً أي نحن الذين نعيش بعيداً عن الحدود الملتهبة ونقضي حياتنا وسط الحياة الرغيدة أو هكذا نتصور ويتصور الآخرون المهم نحن المغتربين مكاناً وزماناً عن الواقع الملتهب في الشرق تجدنا نتحدث بالسياسة ونحن نجلس في مكان آمن ونتمتع بحقوق الحرية التي تكفلها النظم الديمقراطية ونتجول في الحدائق العامة والبحيرات والمرتفعات الجميلة ونسبح في مياه نظيفة ونحيى حياة طبيعة وسط البشر يسودها الاحترام لقيمة الإنسان ودينه ومعتقده ونصطحب أطفالنا إلى وسائل الترفيه ومدن الألعاب وهم يلعبون ويمرحون بكل برأه مثل أي طفل من حقه الحياة الطبيعية الملائمة لطفولته وعائلاتنا معنا تحملنا سيارات حديثة لا نستطيع أن نفارق الهواء البارد ووسائل التبريد المركزي ونستظل بالأشجار هرباً من الشمس وحرارتها أو نجلس تحتها لكي ننعم بأشعتها مختارين لا مضطرين ، نعم إننا ندفع ضريبة كل ذلك ونعم أن الحياة ليست وردية وفيها من المنغصات الكثير الكثير والتحديات اليومية الصعبة جداً على كافة الصعد ولكن كل ذلك يجري في بيئة آمنة نعم آمنة ولكن ما أن نلتقي ونتحدث بالسياسة حتى يبدأ الحديث يأخذ منحى أخر حيث تجد من يـُقشر اللب ويأكل البطيخ البارد ويشرب الماء المعبأ وأمامه الحلويات وبعدما فرغ من آكل اللحم والدجاج مشوياً على الفحم أو بالأفران ترى هذا المتخم بالمأكولات يفرط في الحماسة ويأخذه العنفوان ويبدءا بالحديث عن سوء الأوضاع في بلده وسبل الخروج من هذه الأوضاع السيئة ويضع حلولاً أقلها تؤدي بأهل تلك البلاد إلى التهلكة وضياع الشباب في آتون العنف والقتال والحرب والاحتراب أو يدعوهم للتظاهر والاعتصام وبذل الغالي ( والمساكين بالوطن أغلى شيء عندهم لا يساوي ربع ربع ما يملكه هذا الثوري المحترم ) ويطالبهم ببذل النفس والتضحية بالأولاد والبنات والجهاد في سبيل الأوطان والإعراض والحرمات ( بينما أولاده يلعبون أمامه بالدرجات وكرة الطائرة أو يعومون ويسبحون بالماء وقد وضعوا المراهم على جلودهم لكي لا تتأثر بالحرارة وحين تسأله متى تزور أهلك وبلدك يقول لك أخاف على الأولاد من الأوضاع هناك أو أنهم غير متعودين على الأجواء أو نوع الطعام والماء ) ثم ينتقل الحديث للآخرين الذين وفي غمرة نشوتهم وتفاعلهم الوطني يطالبون بأكثر من ذلك وتتعالى الأصوات ليتم تغيب العقل تماماً في إيجاد حلول واقعية تأخذ في عين الاعتبار الواقع والمستجدات والتحديات الرهيبة والكبيرة التي يواجهها أهل بلدهم بدأً من لقمة الخبز التي أمست أكبر الهموم .. إلى كل ما تعرفون ...
ندعوهم للوحدة ونبذ الفرقة والاعتصام بالإخوة والمحبة والتراحم فيما بينهم على أن تكون حسب الطائفة والمذهب والدين حصراً أو أولاً ... ( رغم أن واقعنا لا يسر عدواً أو حبيب ونحن أولى بهذه النصيحة وهذه الرأي )...
بالمناسبة حين تدعو هؤلاء المتحدثين إلى الخروج بتظاهرة أو إرسال رسائل تضامن ومناصرة لقضايا بلدهم تراهم يتهربون منك ويتحججون بشتى الذرائع والحجج مدعين بأن هذا الطريق لن يجدي نفعاُ ولن يوصلنا إلى نتيجة ( طيب بالله عليكم بموقف ٍ مثل هذا تعتذرون فلماذا إذا تطلبون من الآخرين فوق ما يطيقون ؟؟ )
نعم هذا الطرح سائد عند أغلبنا نحن الذين تركنا أهلنا وأحبتنا وأوطاننا تواجه المصير المحتوم والمبتلية بالحديد والنار صباحاً ومساء والتي تواجه خطر التقسيم والانشطار إلى ألف بقعة وبقعة .
بلادنا التي أمست يوم بعد يوم تسير نحو الانتحار والضياع تحتاج منا إلى صوت وعقل يرحمها من الهياج والصراخ ويُضمد جراحها النازفات وليس تنظير فلسفي عبر شاشات الفضائيات والأخبار ( والهوا يلعب بالكضله ) حتى يضطر الأصلع فينا إلى مسك شعراته الباقيات أو تنظير فارغ لا يأتي بشيء جديد ونحن قد فرغنا تواً من رحلة صيد جميلة أو رحلة قضيناها في ربوع الطبيعة الخلابة في بلاد الاغتراب أو الأعداد لحفلة شواء .
نعم لنكن صادقين وصريحين جداً مع أنفسنا ونتوجه لها بالسؤال ( هل نحن الثوريون المتقاعدون المتنعمون بخيرات الغرباء هل نحن مستعدون لترك كل هذه الخيرات والذهاب إلى بلادنا لكي نخلصها من العذاب ) ؟
هل نحن مستعدون إرسال أولادنا إلى ما نشيعه من أفكار الهدم وليس البناء ؟
هل نحن مستعدون لترك التبريد والثريد ونذهب إلى حيث لا كهرباء ولا ماء ولا غذاء ؟
هل نحن قادرون على إصلاح الأمور بالخير والنماء وليس بنشر الرعب والخوف والانزواء ؟
إلا نستطيع إرسال رسائل تطمئن الناس هناك لا أن تزيدهم خوفاً وهلعاً وانحناء ؟
أليس علينا الأخذ بالحكمة والهدوء والاتزان بدل السطحية والعصبية وصب الزيت على النار ؟
أليس علينا أن نكون واقعين وليس منظرين بالخيال ؟؟
لا أدعو لترك الأوضاع تسير نحو المجهول أو عدم المساعدة والعمل من أجل الخلاص لأوطاننا وأهلينا لا والله لست أدعو لذلك .. أنما أتمنى على الجميع أن ينتبه لكل كلمة يقولونها ويصرحون بها لكي لا يضيع صوت العقل والمحبة ويعم الجهل والحقد والبغضاء حتى نـُمسي فلا نجد أهلاً ولا أوطان .
دعونا نكون إلى واقعنا أقرب لكي نفهم ما يجري هناك حقيقة وليس مطالعة الأخبار ونحن ننام على ريش النعام.
دعونا نغادر الازدواجية مابين الطرح والتطبيق ...
دعونا نترك التنظير تحت التبريد رجاءً..........
مثنى عبيدة حسين
1045 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع