أحمد العبدالله
المقاومة العراقية؛الضوء الساطع في دياجير الظلام
المقاومة العراقية ضد الاحتلال الأمريكي؛(2003-2011), التي قامت على أكتاف سُنّة العراق العرب حصرا وتحديداً, كانت الصفحة؛ الأكثر اشراقا, والأشرف موقفا, والأعمق تأثيرا, والأنصع تاريخا, والأغلى تضحية, والأعلى منزلة, والأبهى صورة, والأشجع بطولة, والأشدّ عزيمة, والأصعب مسارا, والأسمى فداءاً. شارك فيها عسكريون سابقون ومن الأجهزة الأمنية ومن التصنيع العسكري وبعثيون, وحتى أفراد من الشرطة الذين التحقوا في مؤسسات ما بعد الاحتلال.
ولكن الثقل الأساسي للمقاومة كان من الناس العاديين غير المنتمين للبعث وليسوا من المقربين للنظام, بل وكثيرون منهم مصنّفون في الضفة الأخرى. وكان الدافع والمحرك الأساسي لغالبيتهم؛ هو الوازع الديني بالدرجة الأولى, وكان لشباب المساجد الدور الأكبر في المقاومة.
وبذلك لا يمكن تجيير المقاومة لحزب بعينه, أو شخص بذاته, فهي أكبر من ذلك وأوسع وأشمل. والدليل انها ازدادت بالكم والنوع بعد أسر الرئيس صدام حسين. وكان تمويلها البسيط ذاتيا, وبلا أيِّ إسناد أو دعم خارجي, بل كان الخارج وجزء كبير من الداخل ضدها, وتآمروا عليها بأخس الطرق وأكثرها خبثا. وقد انطلقت الشرارة الأولى من الفلوجة, ثم عمّت محافظات الأنبار وبغداد ونينوى وصلاح الدين وديالى والتأميم وشمال بابل.
كانت المقاومة في ابتدائها عفوية ولم تكن بتخطيط مسبق قبل الاحتلال, ولكن لاحقا تطورت نوعيا, وازدادت خبرة مقاتليها وتمرسوا على القتال. ولكن قرار القيادة العراقية قبل 2003, بتدريب الشعب وتسليحه, والشروع بالحملة الإيمانية وحملة بناء المساجد ابتداءاً من عام 1992, وفّر البيئة المناسبة والبنية التحتية لنشوء المقاومة وانطلاقتها, بزخم كبير.
ولكن للأسف الشديد, كما فرّطت السياسة بالنصر العظيم الذي تحقق على الفرس المجوس في 8-8-1988, فقد تم التفريط سياسيا بالنصر الكبير والمبين والتاريخي الذي حققته المقاومة العراقية(السٌنيّة) على الغزاة المحتلين بعد قتال ضروس وملحمي استمر لـ 8 سنوات, و 8 أشهر, و8 أيام !!!, وكأن القدر الإلهي, أراد الربط بين النصر العظيم المتحقق عام 1988, وسحق القوة العظمى الغاشمة والتي جرّت أذيال الخيبة والهزيمة المٌرةّ في 17-12- 2011. فما أجمل تدابير القدر هذه !!.
كان قادة المقاومة وغيرهم, عن قلّة معرفة أو بحسن نيّة, يتوقعون إن العدو الأساسي هم الأمريكان, وإنه بمجرد هزيمتهم وخروجهم, سيلحقهم ذيولهم وحثالاتهم الذين جلبوهم معهم وسلّموهم حكم العراق بالتواطؤ مع العدو التاريخي الأول للعرب والمسلمين, وهو؛ إيران. وكان يتم استحضار مشهد هزيمة الأمريكان وعملائهم في فيتنام سنة 1975!!.
وكان سوء التقدير الخاطئ والقاتل هذا, سببا بمزيد من الكوارث والمصائب والنكبات التي ألقت بكلكلها الثقيل على المحافظات العربية السُنيّة, والتي كان آخر فصولها تدمير المدن والحواضر السُنيّة وتهجير أهلها باستغلال صنيعتهم (داعش). فالعدو الأول ليس أمريكا أو اسرائيل, فهذان عدوّان ثانويان, مقارنة وقياساً بالعدو الأول والألعن والأخطر, وهو إيران وحثالاتها وامتداداتها داخل العراق. فأن تواجه ثعلبا ماكرا, ليس كما تواجه ذئبا غدّارا.
والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن؛ هل كان من الممكن إن المقاومة كانت ستتصاعد وتثخن أكثر في الغزاة المحتلين لو لم يتم القبض على صدام حسين بعد وقت قصير من احتلال بغداد؟.. فأقول؛ إن الرئيس صدام حسين, بما يتمتع به من رمزية و(كاريزما) وصفات قيادية نادرة, كان يمكن أن يفعل شيئاً بهذا الإتجاه, كأن يكون, بعد حين؛عنوانا ومرجعا للتفاوض مع الغزاة. ولكن ذلك محكوم بسقف معين من الصعب تجاوزه, فصدام حسين خلال فترة اختفائه كانت خططه أقرب للارتجال منه للإعداد المسبق, وقد اختار المكان الخطأ كمخبأ له, وظل يعتمد على الوجوه المعروفة نفسها من حمايته الخاصة ومرافقيه, مما مكّن الأمريكان من تعقبهم واعتقالهم, حتى وصلوا له في النهاية.
الأمر الآخر؛ إن صدام حسين قد فقد بزوال الدولة, امكانيات كبيرة؛ مادية واعتبارية, فالأموال التي وزعها, مثلا,على المقربين منه, أملاً في استثمارها لاحقاً لإدامة زخم العمل المقاوم, هرب بها أولئك الانتهازيون واستغلوها لحسابهم الخاص. فالخيانة والنكوص ابتدأتا من بعض(عظام الرقبة), فما ظنك بالآخرين. كما إن المناطق الشيعية والكردية كانت مرحّبة بالاحتلال بأغلبيتها الساحقة, وتركزت المقاومة في المناطق العربية السُنيّة حصراً, مما سهّل على المحتلين وأتباعهم من محاصرتها وتشويهها وسحق حاضنتها الشعبية؛ قتلاً واعتقالاً وحصاراً وتدميراً. فكان الثمن المدفوع من قبل تلك المناطق باهضاً جداً. والأنكى والأمرّ من كل ذلك؛ إن من قطف الثمرة واستحوذ على (البيدر) بعد هزيمة الأمريكان واندحارهم بفعل المقاومة السُنيّة وليس غيرها, هي الاحزاب الشيعية الطائفية الفارسية الهوى والولاء.
إن شمس الحقيقة الساطعة لايمكن حجبها بغربال مهلهل, وهي؛ لقد قاومنا الغزاة لوحدنا, يوم تركنا الشقيق والصديق بين شامت ومتفرج, وقدّمنا تضحيات غالية, ولكننا بعون الله, طهّرنا أرضنا من رجس الاحتلال, يوم كان(الآخرون) مطايا وسماسرة وخدماً أذلاّء له. وكانت الحكومات الشيعية الطائفية الإيرانية المتسلطة على بغداد, أقسى وأجرم على المقاومين من الاحتلال الأمريكي نفسه, وقضى الكثيرون من رجال المقاومة الأبرار نحبهم غدرا على يد ميليشياتها, أو في معتقلاتها, أو على أعواد المشانق, بموجب المادة الرابعة من(قانون مكافحة الإرهاب) سيئة الصيت, والتي اشتهرت بتسمية؛(4 سُنّة)!!, لأنها صُنعت وطُبّقت (خصّيصا) لهم وعليهم.
الآن يحاول بعض الثعالب وبنات آوى التشبّه بالأسود, من خلال رفع شعار (المقاومة)!!!. ولا أجد أبلغ من قول الإمام الشافعي في وصف هؤلاء القرود:
لا تأسفن على غدر الزمان لطالما *** رقصت على جثث الأسود كلابا
لا تحسبن برقصها تعلو على أسيادها *** تبقى الأسود أسوداً والكلاب كلابا
3147 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع