بقلم / علاء المعموري
تغيير فكر العقل السياسي العراقي
ينطلق العقل السياسي العراقي من منطلقات يسلم بها تسليما وكأنها بديهيات ، في حين ان الواقع السياسي متحرك ومتغير وهو خاضع للنسبية والتجريب ، ويفترض بحركة الوعي أن تتبع له وليس محاولة قولبته بقوالب جامدة والتشبث بمنطلقات ثبت فشلها بالتجربة لكننا لازلنا متمسكين بها دون جدوى ، فعبر التاريخ المعاصر للدولة العراقية تلوث العقل السياسي بعدوانية ومغالطات الايديولوجيات والطروحات العشوائية الغوغائية ، والمؤسف دائما ماتغيب الحكمة عن العقل العراقي فهو لا يستفيد من التاريخ ، ولايراكم الخبرات ، والسبب لأن الفكر السياسي الأيديولوجي السائد في العراق مبتلى بمرض الجمود ( وعبادة الشعارات والأفكار ) ولايتفاعل مع الواقع المتحرك ومتطلباته ، ويتجاهل مصالح البلد والناس ، طبعا هذا المرض كان قبل دخول العراق مرحلة الموت وحلول الفساد والإجرام والعمالة والتدمير الشامل الحالي .
فلايصح أبداً ان يتجاهل العقل السياسي العراقي معطيات تجربة الواقع ، ويبقى متمسكاً بأوهامه وخيالاته وأمنياته .. وبهذه المناسبة كم نحن الآن بحاجة الى حكمة المرحوم الشيخ زايد عندما شعر بالضعف وغياب الطاقم المحلي الكفؤ القادر على إدارة الدولة … فما كان منه إلا ان تخلى عن الكبرياء وشعارات السيادة والإستقلال وإستعان ببريطانيا وأميركا ونجح في بناء أفضل نظام سياسي ودولة مزدهرة في الوطن العربي : دولة الامارات الجميلة.
من المنطلقات الخاطئة هي أوهام قدرة العراقيين على إدارة شؤونهم ، حيث ثبت بالتجربة منذ تأسيس الدولة عام 1921 ولغاية الآن فشل العراقيين الذريع في إدارة شؤونهم بأنفسهم ، فقد سادت الفوضى والإضطرابات والإنقلابات والحروب حياتنا السياسية ، وأُهدرت ثروات البلد ، وتأخرنا في الصناعة والزراعة والتعليم وغيرها من المقومات الأساسية للدولة ، بل أكثر من هذا فشلنا خلال عمر الدولة في أبسط المهمات وهي حفر المجاري في المدن ، وإيجاد نظام للبلديات يساعد في رفع ( الزبالة ) عن الشوارع ، فأي فشل كارثي هذا وقع على أيدي العراقيين الذين حكموا بلدهم خلال 99 عاما .. فقد تعاملوا مع التجربة الحزبية ، والسلطة ، والدولة بعقل غريزي بدائي فردي يسعى لإفتراس الغنائم ، وغاب عنه الشعور بالمسؤولية نحو الجماعة وكانت المشاعر الوطنية : اما ضعيفة أو معدومة !والمنطلق الخاطئ الآخر للعقل السياسي هو :أوهام المطالبة بالديمقراطية :وهذه كارثة ، لو جئنا بأشد أعداء العراق لما تمنى أسوأ من هذه الورطة للبلد ونعني بها ورطة الديمقراطية وفتح المجالات للحياة الحزبية وإجراء الإنتخابات وتشكيل برلمان وسلطة … فنحن في العراق وجميع الشعوب العربية ، لاتتوفر لدينا البنية النفسية والعقلية والحضارة لتطبيق الديمقراطية ، فعلى الصعيد الفردي والجماعي لايوجد في حياتنا مبدأ ( إحترام حق الإختلاف ) بإعتباره حقا بديهيا للبشر ، لأننا في الأصل يغيب عنا الإيمان ( بوجود الفروق الفردية ) ، لذا نحن نبحث عن التطابق وليس التنوع ، وعلاقتنا الإجتماعية تجري على تراتبية حيث يغيب عنها مبدأ المساواة وتقوم على أساس الراعي والقطيع ، مجتمع يقوم على القهر بكل أنواعه من قبل المؤسسة الدينية والعشائر وسلطة القوى الإجتماعية وسطوة الموروث الخاطيء للتقاليد والأعراف والأفكار والأخطر من هذا غياب الشعور بالمسؤولية ومشاعر الإنتماء الوطني الحقيقي لدى (غالبية ) العراقيين ونزوعهم للفوضى وتدمير الذات .. ومن الطبيعي ان هذا الواقع مضاد تماما للديمقراطية التي حولها العراقيون مؤخرا الى وباء قاتل إجتاح بواسطتها اللصوص والمجرمون والعملاء ميدان السياسة وصنع القرار ، وليس كل شيء منطقي ومفيد يصلح للعراق ، فالزهور الجميلة لا تستطيع العيش في الصحراء!
لقد ذهبت حضارات العراق، والعنتريات الفارغة لاتنفع ، لسنا الأفضل بين البشر … ونحن أبناء هذا اليوم الذي يعتبر فيه العراق دولة فاشلة بمعنى الكلمة .. دولة لا تستطيع توفير رواتب الموظفين ، وتوفير الكهرباء ، ولاحتى تنظيف المدن من الزبالة ، دولة الميليشيات والقتل وسرقة المال العام وجعل ضعفها ألعوبة بيد إيران التي أدخلت لنا الخراب الشامل … وقد حان الوقت لتغيير منطلقات العقل السياسي على ضوء هذا الواقع المؤلم .
665 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع