الاستاذ الدكتور عبدالرزاق محمد الدليمي
الى متى يستمرتدمير العراق؟
قبل اسبوع وتحديدا في يوم الاثنين الثاني من مايو الجاري علقت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، على دعوة الرئيس الأمريكي جو بايدن لتنظيم محكمة بشأن أوكرانيا.
وكتبت زاخاروفا على قناتها في "تيليغرام": "يا لها من فكرة رائعة، لكن دعوهم يبدؤون من الغارات على يوغوسلافيا واحتلال العراق. ويمكن أيضا العثور على كبار المخرجين في تمثيليات سربرنيتسا (البلدة في البوسنة والهرسك، حيث قام عسكريون صرب في يوليو 1995 بقتل آلاف من مسلمي البوسنة، واستخدم الحادث من قبل الناتو لاحقا كذريعة لقصف يوغوسلافيا السابقة). وبالطبع الإتجار بالأعضاء البشرية في كوسوفو تحت حماية المسؤولين الأمريكيين ،وتابعت: "وبمجرد الانتهاء، دعهم يبدؤون التحقيق في قصف اليابان النووي.. اركض يا فورست اركض!.
وفي وقت سابق من نفس اليوم ادعى الرئيس الأمريكي أن روسيا ارتكبت جرائم حرب في أوكرانيا، ودعا إلى إنشاء محكمة لمقاضاة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باعتباره "مجرم حرب".
في كتاب محو العراق لمؤلفيه مايكل اوترمان و ريتشارد هيل وبول ويلسون للخطة الامريكية الكاملة لاقتلاع عراق وابادة مجتمعه وزرع مجتمع آخر بدلا عنه انه السيناريو الذي تم وضعه في مراكز الابحاث الامريكية والغربية بعد دراسة معمقة لطبيعة المجتمعات التي يراد تمزيقها وتفتيت الدولة التي يعيش فيها افراد مجتمعها في تآخي ووئام ، من خلال تغيير مناهج حياته وحضارته وتاريخه ثم العمل على هدمه وابادته وهذا ما يحصل في العراق منذ احتلاله عام 2003.
تم تفكيك الدولة بحل الجيش العراقي والقوى الأمنية الداخلية ونهبت بشكل منظم ثروات العراق المالية والتراثية ، وعين الاحتلال مجموعة من عملائه تحت مسمى مجلس الحكم وهم مجموعة شخصيات بائسة فاشلة جاء اغلبهم من خارج العراق ، وبعد ذلك تم تشكيل أدارة الدولة من قبل المحتل ، للبدء في تمريرمشروع الدستور الملغوم الذي سبق وان اعده الاحتلال وجرى تعريبه وشكلت لجنة صورية من أناس من الاحزاب المتأسلمة ربطوا انفسهم بالاحتلال ومحسوم ولائهم للنظام الحاكم بطهران ليس لديهم تخصص في مجال كتابة دستور من تجار الدين وهكذا فرض دستور المحاصصة.
لقد عمل الاحتلال وعملائه على هدم كل قيم التضامن وعلاقات الجوار والأحياء السكنية والمذاهب وبناء نظام الحواجز المادية والنفسية والدينية ،وسيطرة الشكوك والخوف بين ابناء الوطن الواحد ، وغياب المعايير بحيث يصبح الذكي غبيا ، والشجاع مستضعفا لأنهم لا يشاركون في النهب والسلب والسرقة ويصبح اللص سيداً، والشريف منحرفاً ، وغيرها من التناقضات التي قلبت منظومه القيم والأخلاق وقلبت موازين السياسة السوية لصالح نقيضها بأساليب منظمة لانجاز الهدف وهوتدمير العراق.
ان عمليات التدمير المنظمة القذرة التي قامت به الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وحليفاتها وفي مقدمتهم نظام طهران منذ حرب الخليج 1991لاسيما حقبة العقوبات الدولية الظالمة غير المسبوقة ،وما اعقبها من غزو غير مبرر لدولة العراق واحتلاله في نيسان 2003 بدون تفويض اممي ، وعمليات الابادة للشعب وانهاء أي وجود للدولة العراقية رغم التاريخ الطويل لهذه الدولة وتعايش ابناء شعبها ، لكن كيف تحقق ذلك خلال 19 عاما من استمرار الصراعات والدمار والارهاب والنهب وتغيير القيم والمفاهيم والمعتقدات التي لابد وان تترك آثارها على سلوك الافراد التي اصبح قسم منهم يقدمون الولاءات الثانوية على حساب الوطن والمواطنة وشجعت البعض على مغامرات الانفصال دون أي رد فعل صحيح من النظام المتهرئ الفاسد والحكومة الضعيفة المغيبة والشعب المغلوب على أمره وكم التناقضات والمشاكل المتزايدة مع استمرار عمليات القتل سواء بفعل الارهاب من المليشيات وداعش الذي اصبح امرا طبيعيا وكذلك تنامي الرشوة والسرقة والاستيلاء غير الشرعي على املاك الدولة وتدخل الدول الأجنبية السافر بشؤون العراق واقتطاع اراضيه ومياهه وتشرد الملايين من مناطق النزاع وهجره ملايين العراقيين وهم من خيرة كفاءات العراق خارج الحدود ،كل ذلك وغيره من مخرجات تحقيق الديمقراطية الأمريكية في العراق.
ان عمليه تمزيق الجسد العراقي وسيادة مشاعر الاغتراب واليأس والكأبة والقلق والمشاعر السلبية التي اصبحت سائدة بين المواطنين العراقيين الذين تحولت حياتهم بصورة عاصفة ، واصبحوا يعيشون غرباء في وطنهم ، لأنهم خدعوا اضافة الى ان نظرتهم للحياة تغيرت تماما وانتهت بالنسبة لهم كل الاسس الاجتماعية والثقافية والصحية والاخلاقية وروابط اللغة والتاريخ والقرابة والصداقة وقُلبت رأسا على عقب ، وعمل الاحتلال وعملائه على نشر مشاعر الحقد والخوف والنقص والكراهية بين العراقيين ،واستهدفوا تدمير البنية العضوية للمجتمع وروابطه وزعزعة الثقة بالنفس والبناء الداخلي للمواطن العراقي وتم تحويله الى مخلوق ساخط على كل شئ في الحياة ،يعيش بوهم التحرر من كل القيود التي لاتزال تقضم قواه، وهو يحارب شقيقه بالوطن ويتهم بعضهم الاخر بالعمالة لهذه الجهة اولتلك وغيرها في حين تستمر العمليات المنظمة لاستنزاف ثروات البلد ونزيف الدم للالاف من ابنائه في صراعات فئوية داخليه تهيأ المناخ لتمزيق ماتبقى من الدولة وتشتيت الشعب وهذا هو جوهر مشروع احتلال العراق.
ابادة المجتمع العراقي
في كتابهم محو العراق خطة متكاملة لاقتلاع عراق وزرع آخر مايكل أوترمان ،يستخدم مايكل اوترمان و ريتشارد هيل وبول ويلسون ،مصطلح” ابادة المجتمع” الذي استخدمه لأول مرة كيت داوت في كتابه (فهم الشر: دروس من البوسنه ) والذي ينطبق على عراق ما بعد عام 2003 وهي الاسس التي حددها كيت داوت لتحطيم الدولة مستعينا بتجربه يوغسلافيا سابقا التي تحولت الى ست دول لاحقا .. انه السيناريو الذي تم وضعه في مراكز الابحاث الغربيه بعد دراسه لطبيعه المجتمعات التي يراد تمزيقها وتفتيت الدوله التي تعيش فيها مجاميع بشريه مختلفه منذ قرون من خلال تفجير الكراهيه ،19 عاما عجافا من الاحتلال الأميركي البريطاني الفارسي للعراق.. لا شك ان الاحتلال قد ادى الى نتائج وخيمة على كافة الاصعدة لعل من اهمها تغير الوجه الحقيقي لمعظم مدن العراق ولعل العاصمة العراقية بغداد من اهمها حيث تلاشى شخصيتها وهويتها كما تم تغييب وجود اهلها (البغداديون) اصحاب الحق الشرعي في هذه المدينة العريقة واستولى على زمام الامور فيها اناس لاينتمون اليها كثقافة ووجود.. لقد سيطر هؤلاء دون وجه حق على مقاليد الامور مستغلين غياب الدولة وضعف الحكومات ودعمهم من قبل النظام الحاكم في طهران ،سيما بعد ان اقترف الاحتلال ذنبا لا يغتفر وانهى حقبة من الزمن امتدت لقرون من الزمن وهنا يبدو واضحا اتفاق دول الشر والعدوان الولايات المتحدة الامريكبة وبريطانيا مع نظام طهران ليس فقط على انهاء الحكم في العراق بل وتقسيم الادوار بشكل مخطط له سلفا لتدميره وانهاء وجوده رغم ان الادلة اثبتت عدم صحة كل الافتراءات على العراق ومنها بدعة اسلحة الدمار الشامل وفشل امريكا وبريطايا من ايجاد اي رابط بين النظام السابق والقاعدة ،لعل من النتائج المهمة الاخرى هو ازدياد نفوذ نظام طهران في المنطقة ، واصبح لها الدور الاكبر في لبنان وسوريا واليمن وتمددها داخل دول الخليج العربي ،حتى اصبحت بعض العواصم العربية ،وكأنها جزء من المحافظات الايرانية.
بوتن يذكر امريكا وبريطانيا بجرائمهما
في أحد خطبٍ الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، حول حربه ضد أوكرانيا، أوضح فيه مُغالطات السياسة الدولية التي تتبعها أمريكا وحلفاؤها دول الغرب، وهي تبرر شن الحروب على الدول وتدخلاتها السافرة بطرق وأساليب خارجة عن القانون والأعراف الدولية وحتى القيم والإنسانية، كشف بوتن بخطابه هذا عن تدخلات أمريكا في يوغسلافيا وتفكيكها لدول عدة، وإفغانستان مرورا بالعراق وسوريا.. غير أن أبشع الحروب الأمريكية وحلفاؤها تلك التي وقعت ضد العراق في العام 1991 وفي العام 2003، وما رافقهما من تدخل سافر تحت حجج وذرائع واهية فبركتها بريطانيا بزعامة المجرم توني بلير، والرئيس الأمريكي الأسبق المجرم جورج بوش، ومنها إدعائهما امتلاك العراق لأسلحة جرثومية يمتلكها العراق، وكم كان المشهد فاضحا حين ظهر وزير الخارجية الامريكي من على شاشات التلفزة العالمية وهو يحمل بيده قنينة صغيرة ذات حجم صغير، مدعيا إنها نوع من أنواع الأسلحة الجرثومة التي يمتلكها العراق ويستهدف من ورائها تدمير العالم ..
بهذه الحجج والذرائع الواهية، وبإستهانة واضحة للمنظومة الأخلاقية التي يفترض أن تحكم العلاقات الدولية تم تدمير العراق وبنيته التحتية تدميرا شاملا وشل الحياة شللا ما بعده شلل، فيما تم إستباحة كل محظور حضاري وإنساني حتى صح القول المأثور، عندما يختلف اللصان يظهر السارق والمسروق، لحظة إن أظهر الرئيس الروسي بوتن الحقائق جلية وواضحة، عندما شَعَر أن الغرب الأمريكي أخذ يطرق الباب الروسي لتحجيم دورها وخنقها عسكريا وسياسيا وإقتصاديا كما حصل تماما في العراق، لكن عند الوقوف للمقارنة بين التدخل الروسي في أوكرانيا والتدخل الأمريكي في العراق، سنجد أن البون شاسع وكبير بين ما حدث للعراق من قبل التحالف الأنجلو ــ أمريكي والتدمير الممنهج الذي أستخدم ضده، وهذا ما لا نتمناه أن يحدث لأوكرانيا، ليس إنحيازا لروسيا، ولكن للتذكير ليس إلا.
1044 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع